بلومبرغ
تطلق بعض من أكبر شركات إدارة الأموال في المملكة المتحدة صناديق ومنتجات استثمارية جديدة تهدف إلى جني أرباح من قطاع التنوع البيولوجي المندرج تحت فئة التمويل الأخضر الذي تم إهماله لفترة طويلة.
أطلقت "أفيفا" (Aviva) صندوق أسهم للاستثمار في الشركات الشبيهة بشركة "بيوند ميت" (Beyond Meat)، المتخصصة في البروتينات المعتمدة على مصادر نباتية. ووسعت "جوبيتر أسيت مانجمنت" (Jupiter Asset Management) سلسلة استثماراتها فيما يسمى بصناديق العلوم البيئية. أما "شرودرز" (Schroders) و"كلايمت أسيت مانجمنت" (Climate Asset Management) -وهو مشروع مغامر مشترك بين "إتش إس بي سي غلوبال أسيت مانجمنت" (HSBC Global Asset Management) وشريكتها "بولينيشين" (Pollination)- فتدعمان مشروعات تعويض الكربون التي تقدم ميزات التنوع البيولوجي. كما تنشئ "غريشام هاوس" (Gresham House) ما أُطلق عليه مؤخراً اسم "ائتمانات التنوع البيولوجي صافية المنفعة".
هل سنشهد حرباً باردةً خضراء أم فوضى مناخ؟
التنوع البيولوجي هو قطاع واسع يضم جوانب مختلفة من الحياة والأنظمة البيئية على الأرض، ويغطي عدة أشياء بدءاً من الدببة القطبية وحتى العوالق. وقد أثار انخفاضه خطراً متزايداً وطويل الأجل، ليس فقط على الكوكب، ولكن أيضاً بالنسبة للعوائد المستقبلية في هذا القطاع الاستثماري. ويقدر المنتدى الاقتصادي العالمي أن نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي تقريباً، أو ما يعادل نحو 44 تريليون دولار من القيمة الاقتصادية، يعتمد على الموارد الطبيعية بطريقة أو بأخرى، ما يعني أن تدمير هذا القطاع يشكل خسارة مالية فادحة.
"فرصة استثمارية عظيمة"
أوجيني ماثيو، الناشطة السابقة في منظمة السلام الأخضر، التي تعمل الآن كمحللة أولى في قطاع المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في "أفيفا"، تقول: "لا نعتقد أن الأسواق تأخذ في حسبانها بشكل صحيح تكلفة وعواقب استنفاد رأس المال الطبيعي. بينما نرى فرصة استثمارية عظيمة في ذلك".
تتدافع شركات إدارة الأصول على هذا القطاع الاستثماري حديث العهد نسبياً، ويحذر نشطاء المناخ والأكاديميون من إمكانية تحوله إلى طريقة شائعة للترويج الإعلامي، ما يشتت التركيز العام عن المهمة الملحة التي ينوط بها القطاع.
يرى أدريان بولار، وهو زميل باحث أول في "كومون ويلث" (Common Wealth)، وهي مؤسسة فكرية مقرها المملكة المتحدة، أن هذا "سيشكل في أفضل الأحوال طريقة غير فعالة للإلهاء عن المشكلة الرئيسية، وعلى الأرجح لن يكون له أي تأثير حقيقي على التنوع البيولوجي أو حماية الطبيعة. وفي أسوأ الأحوال، قد يفاقم المشكلة الحقيقية للغاية المتمثلة في إيجاد أعذار لتقاعس الجهات التنظيمية، ونقص الاستثمار العام في حماية واستعادة البيئة".
مخاطر بيئية ومالية
في تقرير نُشر العام الماضي، حدد البنك الدولي العواقب المدمرة المحتملة للتقاعس الناجم عن الانخفاض "غير المسبوق" في التنوع البيولوجي، إذ توجد قرابة مليون فصيلة حيوانية ونباتية عرضة لخطر الانقراض. ووجد استطلاع حديث نشره بنك "سيتي غروب" أن 80% تقريباً من المشاركين يرون أن هناك تداخل بين تهديد التنوع البيولوجي والمخاطر المالية، كما رتبوا ذلك كأولوية قصوى بالنسبة للمستثمرين المعنيين بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة أكثر من القضايا الاجتماعية.
يوضح سايمون راوسون، مدير قسم إشراك المؤسسات في منظمة "شير أكشن" (ShareAction) البريطانية غير الربحية، الأمر بقوله: "رغم أن صناديق الاستثمار المكرسة لاستثمارات التنوع البيولوجي يمكن أن تشكل جزءاً من الحل، من المهم ألا تُشتت هذه الصناديق عن الحاجة الملحة لمعالجة التأثير المدمر لأنظمة الأعمال التجارية الحالية، على غرار نظام الإنتاج الغذائي الذي نتبعه".
اقرأ أيضاً: مستقبل الطاقة أكثر نظافة.. وأكثر تلويثاً أيضاً
يستهدف صندوق "أفيفا" الجديد كلاً من الشركات التي تقدم "حلول" التنوع البيولوجي، مثل "بيوند ميت"، ونظيرتها التي يفكر مديروها في قيادة جهود تقليص الأثار الضارة على الطبيعة بالقطاعات التي يعملون بها، مثل "كونينكليجكي دي إس إم" (Koninklijke DSM) للكيماويات. كما يستحوذ الصندوق على أسهم في شركة التأمين الفرنسية "أكسا" (Axa)، وصانعة الأدوية السويسرية "نوفارتس" (Novartis)، وشركة صناعة الملابس " ليفي شتراوس آند كو" (Levi Strauss & Co.).
أضافت ماثيو: "ظهر تحول كبير في النظر إلى التأثيرات البيئية بشكل أكثر شمولية تحت راية التنوع البيولوجي أو رأس المال الطبيعي".
أصول مستدامة
يتجاوز تركيز صناديق العلوم البيئية الأربعة التابعة لـ"جوبيتر" نطاق الأسهم، ويمتد إلى السندات وفئات الأصول الأخرى. وتقول ساندرا كارلايل، رئيسة قسم الاستدامة في الشركة، التي تعيش في لندن: "لن نتمكن من أداء مهمتنا -المتمثلة في الاستثمار نيابة عن العملاء لأجل تأمين مستقبلهم ومعاشاتهم وما إلى ذلك- إلا إذا اعترفنا باعتمادنا على الطبيعة، وبدأنا في تقديرها كما لم نفعل من قبل".
يتوقع معهد بولسون وصول سوق استثمارات التنوع البيولوجي إلى 93 مليار دولار تقريباً بحلول 2030، ارتفاعاً من 4 مليارات فقط في 2019. ويأتي ذلك عقب تحقيق انتعاش مماثل في المنتجات الاستثمارية الأخرى التي تحمل الصبغة البيئية مثل السندات الخضراء، التي حظيت بمبيعات فاقت 500 مليار دولار العام الماضي، بعد مرور أكثر من عقد بقليل على إصدار أول سند منها.
مع تزايد الاهتمام بالتنوع البيولوجي، تتطلع "شرودرز" إلى ما يسمى بتعويضات الكربون الإضافية. وتعويضات الكربون هي شكل من أشكال الرموز الرقمية المميزة التي تشتريها الشركات لتمويل المشروعات التي تقلل أو تزيل ثاني أكسيد الكربون، ما يلغي تأثير انبعاثات الكربون الناتجة عن هذه الشركات نظرياً. وغالباً ما تكون هذه المشروعات عبارة عن مبادرات تركز على الطبيعة، مثل: زراعة الأشجار، واستصلاح التربة الخثية، لكنها تعرضت للانتقاد بسبب مجالات تركيزها المحدودة للغاية.
فائدة مزدوجة
لذلك؛ تبحث "شرودرز" عن بدائل مزدوجة الفائدة تركز على التنوع البيولوجي وعزل الكربون في الوقت ذاته، وفقًا لآندي هوارد، رئيس الاستثمارات العالمية المستدامة في الشركة.
أضاف هوارد أن الشركة تستكشف كيفية قياس وتسويق إمكانات عزل الكربون للمخططات الفردية أو الأصول، إلى جانب التركيز على خدمات النظام البيئي الأوسع نطاقًا التي توفرها هذه الإمكانات.
وتقوم شركات إدارة الصناديق الأخرى، مثل "غريشام هاوس"، بتطوير ائتمانات التنوع البيولوجي. وهذه الخطوة مدفوعة باللوائح التنظيمية البريطانية التي ستدخل حيز التنفيذ العام المقبل، وسيُطلب بموجبها من المطورين في إنجلترا إظهار تحسن بنسبة 10% في التنوع البيولوجي للمشروعات الجديدة. وإذا لم يتمكنوا من القيام بذلك داخل مواقع عملهم؛ يمكنهم شراء الرموز الرقمية المميزة من المشروعات الغنية بالتنوع البيولوجي في قطاعات أخرى لتلبية ذلك الهدف.
ائتمانات صافية المنفعة
تتوقع "غريشام هاوس" جني أرباح من شراء أو تأجير الأراضي المخطط لتحسين تنوعها البيولوجي، وتقديم ذلك لعملائها كائتمان تنوع بيولوجي صافي المنفعة. كما تعمل شركات إدارة الأصول المناخية على شيء مشابه، مستهدفة المشروعات المنتشرة في أسواق متعددة.
خارج نطاق المملكة المتحدة، هناك العديد من شركات إدارة الأصول الأوروبية التي تتمتع بالفعل باستراتيجيات رأسمالية متعلقة بالطبيعة. وأطلقت وحدة الاستثمار التابعة لبنك "بي إن بي باريبا" صندوقاً خلال العام الماضي للاستثمار في الشركات التي تقيم أنها تساعد في استعادة النظم البيئية. وقدمت مجموعة "لومبارد أودييه" (Lombard Odier) السويسرية لإدارة الأموال نهجاً مشابهاً في أواخر 2020، ولديها الآن اصولاً بنحو 750 مليون دولار، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
قد يهمك: تحديات هائلة أمام تخزين الطاقة لتصفير الانبعاثات
على صعيد الإفصاحات، ما يزال هناك نقصاً في البيانات ومعايير الإبلاغ الموحدة. ويعتزم فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتعلقة بالطبيعة، والذي أُعلن عنه منذ ما يقرب من عامين، لوضع اللمسات الأخيرة على إطار عمل في النصف الثاني من عام 2023 للشركات للإبلاغ عن المخاطر المتعلقة بالتنوع البيولوجي واتخاذ إجراءات بشأنها.
مخاطر الغسل الأخضر
في هذه الأثناء، تمضي شركات إدارة الصناديق قدماً في تقديم حلولها الخاصة، وتفتح الباب أمام احتمالية استغلالها في ظاهرة الغسل الأخضر، حسبما يرى مارتن بيرغ، كبير مسؤولي الاستثمار في "كلايمت أسيت مانجمنت".
أضاف بيرغ: "تُقدَم الكثير من المنتجات الجديدة تحت زعم تحسينها للتنوع البيولوجي، ويشكل هذا بالطبع تحدياً كبيراً في ظل غياب المعايير الإرشادية".
تشير كارلايل من شركة "جوبيتر" إلى أن بعض المنتجات التي جرى تصميمها عرضة لإساءة استغلالها. وأردفت إن عالم تعويضات الكربون ينطوي على "الكثير من الشكوك التي يجب معالجتها"، وذلك في إشارة منها إلى جودة الائتمان، ومشكلات الحوكمة الأوسع نطاقاً. واختتمت: "تعويضات وائتمانات التنوع البيولوجي تنطوي على تعقيدات أكبر من نظيراتها. وأتمنى ألا نعيد الأخطاء التي اقترفناها في القطاعات الأخرى".