بلومبرغ
كان يفترض بسوق الكربون في كاليفورنيا أن تقدم نموذجاً أمريكياً في كيفية استخدام قوة الرأسمالية لمحاربة تغير المناخ في خامس أكبر اقتصاد في العالم، لكن بعد نحو 10 سنوات من بدء تطبيق برنامج "تحديد سقف الإصدار والتجارة"، لا يوجد دليل على وجود تأثير كبير ومباشر لهذا البرنامج في الحد من الملوثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض.
شهدت كاليفورنيا تخفيضات كبيرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن تلك المكاسب لم تكن مرتبطة بسوق الكربون التي يتم التباهي بها كثيراً، بينما تتعرض السوق ذاتها إلى انتقادات من كافة الأطياف السياسية بعدم فعاليتها، في الوقت الذي يناقش فيه المسؤولون كيفية الوصول إلى هدف الولاية المتمثل في التخلص من انبعاثات الغازات بحلول عام 2045.
قال جيم والش، مدير السياسات في مجموعة المراقبة البيئية "فوود أند ووتر ووتش" (Food & Water Watch) إن: "برنامج كاليفورنيا لتحديد سقف الإصدار والتجارة يعد حقاً تجربة فاشلة في التنظيم"، ويسمح للملوثين بالدفع مقابل استمرار التلوث. وأضاف: "التأثير ضعيف ولم يفعل أي شيء لمعالجة أزمة المناخ".
توضح مشكلات مبادرة الحد من انبعاثات الكربون في كاليفورنيا، كيفية تطور النموذج الأوروبي، حيث استمر ضعف الأسواق لسنوات قبل أن تمنحها الإصلاحات قوة أكبر، لكن النموذج الأمريكي قد يقدم دروساً للصين، التي بدأت للتو برنامجها الخاص بعد سنوات من الدراسة.
منظومة المخصصات
يضع نظام سقف الإصدار والتجارة في كاليفورنيا حداً سنوياً، يمثل الحد الأقصى لكمية الانبعاثات التي يمكن أن تصدر عن اقتصاد الولاية، حتى يصبح الغطاء أكثر إحكاماً كل عام، ما يقلل الانبعاثات.
تشتري الشركات "مخصصات" لكل طن تصدره من الانبعاثات، ويكون الشراء عن طريق مزادات حكومية ربع سنوية أو من السوق الثانوية، حيث تتداول المخصصات في هذا السوق عند 30.73 دولار، بزيادة بنحو 50% على أساس سنوي.
يرى العديد من منتقدي البرنامج أن عاملين كبيرين يقوضان النظام، حيث لم يكن الحد الأقصى للانبعاثات قاسياً بالدرجة الكافية لفرض الكثير من التغيير من تلقاء نفسه، رغم الجهود المبذولة حتى يصبح أكثر صرامة، كما أن شركات تكرير النفط وغيرها أنفقت ما يزيد عن 19 مليار دولار على مدار السنوات الماضية في مزادات مخصصات انبعاث غازات الاحتباس الحراري، بينما تضيف تلك النفقات على أسعار منتجاتهم، ما يؤدي إلى زيادة بنحو 24 سنتاً للجالون في أسعار البنزين، وفقاً لشركة "أرغوس ميديا" (Argus Media)، وذلك في الولاية التي تسجل أغلى سعر للوقود في البلاد، لذلك لم تؤثر تلك التكاليف بشكل واضح على خفض الانبعاثات.
قال السناتور برايان داهلي، مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات منصب حاكم الولاية هذا العام: "نحن ندفع، لكننا لم نحصل على النتائج التي نريدها". وأعرب "داهلي" عن رغبته في خضوع البرنامج للتدقيق، في الوقت الذي تعاني فيه الولاية من أزمة غلاء معيشة وعدم قدرة على تحمل التكاليف، قد تدفع بعض السكان إلى مغادرتها. وأضاف: "يؤدي البرنامج إلى زيادة تكلفة كافة السلع في كاليفورنيا، حيث يشعر من يحصل على دخل ثابت أو أجر بالساعة بالمعاناة في الوقت الحالي".
قطاع الكهرباء
في المقابل، كان لبرامج المناخ الأخرى التي طبقتها كاليفورنيا، والتي تتخذ نهجاً مباشراً بشكل أكبر، حيث تطلب من صناعات محددة تغيير طريقة عملها، تأثير ملموس على خفض الانبعاثات. ويظهر ذلك بوضوح في صناعة الكهرباء، حيث أدى تحولها السريع إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة إلى تسجيل أكبر تخفيضات في الانبعاثات بالولاية.
تكمن المحصلة النهائية في أن أداء البرنامج الذي كان ينظر إليه يوماً ما بصفته ركيزة أساسية لمكافحة المناخ في كاليفورنيا، كان ضعيفاً.
أصدر مسؤولو كاليفورنيا تقريراً يوم الثلاثاء الماضي، يتضمن 4 مقترحات للقضاء على الانبعاثات بحلول عام 2045 أو عام 2035، حيث حدد تاريخ 2035 الحاكم غافين نيوسوم، ويفضله دعاة حماية البيئة.
لا تحدد المقترحات البرامج المطلوبة للوفاء بأحد الموعدين للقضاء على الانبعاثات، لكن التقرير أشار إلى أن برنامج تحديد سقف الإصدار والتجارة قد يخفض الانبعاثات هذا العقد بشكل أقل من التوقعات السابقة.
قال كريس بوش، مدير الأبحاث في شركة الاستشارات "إنرجي إنوفيشن" (Energy Innovation): "من المؤكد أن الأمر لا يرقى إلى المستوى المطلوب ليصبح محركاً للقضاء على الكربون بشكل كبير".
انخفضت انبعاثات كاليفورنيا بنسبة 6.5% منذ عام 2013، عندما بدأت الولاية مطالبة الشركات بدفع مقابل لضخ الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، ورغم ذلك، فإن التخفيضات الكبيرة لم تكن بسبب البرنامج المطبق. فعلى سبيل المثال، خفضت مرافق الكهرباء في كاليفورنيا انبعاثاتها بنسبة 36% من عام 2013 حتى عام 2019، بسبب قانون الولاية الذي يجبرها على استخدام المزيد من الطاقة المتجددة، والانتقال من الوقود الأحفوري وفقاً لجدول زمني حدده المجلس التشريعي، وقد صدرت النسخة الأولى من ذلك القانون قبل عقد من إطلاق سوق الكربون.
تمثل السيارات والشاحنات ووسائل النقل الأخرى أكبر مصدر منفرد للغازات المسببة للاحتباس الحراري في الولاية، ومنذ العام 2015، بدأ الوقود المحترق يخضع لبرنامج الحد الأقصى والتداول، وبالنظر لحجم انبعاثات وسائل النقل في عام 2019، قبل أن يتسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) في إعاقة الاقتصاد، نجدها متطابقة تقريباً مع الانبعاثات في العام 2015، حيث ارتفعت لمدة عامين وعادت لتنخفض لمدة عامين أخرين.
يرجع المسؤولون التقدم المحرز بشأن معايير كفاءة الوقود الأكثر صرامة، وحوافز السيارات الكهربائية، وزيادة استخدام الوقود الحيوي إلى برامج الدولة وليس البرنامج الذي تطبقه كاليفورنيا.
نموذج أوروبي
أطلق الاتحاد الأوروبي سوقاً مماثلة في عام 2005، وقد انخفضت الانبعاثات التي تغطيها تلك السوق منذ ذلك الحين بنحو الثلث، ولم تكن الأمور تسير على ما يرام دائماً، حيث تسببت الأزمة المالية العالمية عام 2008 في وفرة المخصصات وانخفاض أسعارها، التي تراجعت من أعلى مستوى لها قبل الأزمة عندما بلغت 31 يورو لتصل إلى 2.50 يورو، لكنها عادت إلى الارتفاع لتتداول بأعلى من 80 يورو، نتيجة مجموعة من الإصلاحات شملت التحكم التلقائي في عرض المخصصات، والحد من أي تخمة محتملة، واستعادة المصداقية.
في نفس الوقت، بدأت الصين خطتها الوطنية لتجارة الكربون العام الماضي. وتمثل الصين أكبر سوق للانبعاثات، حيث تغطي السوق 4.5 مليار طن من قطاع الطاقة في البلاد، وهناك خطط للتوسع في الصناعات الأخرى، ومن بينها المعادن وشركات الطيران خلال السنوات المقبلة.
وعلى نفس المنوال الأوروبي، واجه نظام كاليفورنيا زيادة في العرض، حيث تحصل العديد من الشركات التي يغطيها النظام على بعض المخصصات مجاناً في محاولة للحد من التأثير على المستهلكين.
حذر تقرير صادر عن لجنة استشارية في فبراير من شراء الشركات العديد من المخصصات والاحتفاظ بها "لتدخرها" للاستخدام في المستقبل، للدرجة التي تعرض الولاية إلى خطر عدم تحقيق هدفها لعام 2030 المتمثل في خفض الانبعاثات بنسبة 40% دون مستوى التسعينيات. وقال التقرير، إن عدد المخصصات التي تم ادخارها أكبر من تخفيضات الانبعاثات المتوقعة من البرنامج خلال ذلك العام.
وقال مجلس موارد الهواء في كاليفورنيا، الذي يشرف على تنفيذ البرنامج، إنه يجب استخدام المخصصات التي تم ادخارها قبل حلول عام 2030.
عدل المجلس برنامج سقف الإصدار والتجارة من قبل، ويخطط لإعادة النظر في البرنامج مرة أخرى العام المقبل. لقد تم بالفعل تشديد الحد الأقصى، الذي تقلص الآن بنسبة 4% سنوياً مقارنة بنحو 2% قبل عام 2021، وعلقت رئيسة مجلس الإدارة ليان راندولف في مقابلة، بأنها تريد أن ترى كيف سيتم تطبيق تلك التغييرات قبل التفكير في فرض المزيد. وقالت راندولف: "لدينا مجموعة كبيرة من الاستراتيجيات، ولا أعتقد أنه يمكننا ترك أي من هذه الاستراتيجيات على الطاولة".