بلومبرغ
عزفت مؤسسات الاستثمار الأجنبية عن المشاركة في أكبر عملية طرح للأسهم في الهند، معتبرة أنَّ تكلفته أعلى مما ينبغي في ضوء مخاطر أسعار العملة، وعلى خلفية مخاطر الأسواق العالمية أيضاً.
لم يبقَ سوى ساعات على انتهاء فترة الاكتتاب في الطرح الأولي العام الذي تبلغ قيمته 2.7 مليار دولار لـ"مؤسسة الهند للتأمين على الحياة" (Life Insurance Corporation of India)، غير أنَّ أوامر الاكتتاب المقدّمة من صناديق الاستثمار الأجنبية لم تتجاوز 8% فقط من إجمالي الأسهم المخصصة للمؤسسات الاستثمارية.
وبرغم أنَّ هذا الجزء من الطرح الأولي جذب صناديق ثروة سيادية من النرويج وسنغافورة؛ فإنَّ معظم الأسهم ذهبت إلى صناديق استثمار محلية.
قالت فيديا بالا، رئيسة البحوث ومؤسسة مشاركة لدى شركة "برايم إنفستور" (Primeinvestor) ومقرها مدينة شيناي الهندية: "إنَّ مؤسسات الاستثمار الأجنبية تنسحب بكثافة من السوق الثانوية منذ أكتوبر الماضي، إذ يؤدي رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة وتراجع الروبية مؤخراً أمام الدولار إلى زيادة المخاطر المتعلّقة بتخفيض قيمة العملة مما قد يترتب عليه تآكل أرباحهم من أسعار الأصول في الهند، لذلك لا توجد دوافع قوية تقنعهم بالمشاركة في طرح أولي للاكتتاب العام، حتى وإن كان بهذه الضخامة".
لحظة أرامكو
يُطلق على عملية طرح "مؤسسة الهند للتأمين على الحياة" اسم "لحظة أرامكو" الهندية، في إشارة إلى إدراج شركة النفط الخليجية العملاقة بقيمة 29.4 مليار دولار في 2019 – أكبر عملية طرح للأسهم في العالم.
انتهى طرح الشركة الهندية إلى أنَّ التشابه مع طرح "أرامكو" ليس من ناحية الحجم فقط؛ وإنما أيضاً من ناحية اعتماده على المستثمريين المحليين بعد أن اعتبره المستثمرون الأجانب باهظ التكلفة من حيث تسعيره.
إنَّ أكبر طرح عام في الهند يبدأ تسجيل طلبات الأفراد وسط أسواق متقلبة، وقد سعت "مؤسسة الهند للتأمين على الحياة" إلى ترويج الطرح عن طريق الإعلان في الصحف منذ بداية العام، في محاولة للاستفادة من ازدهار نشاط المستثمرين الأفراد في الهند.
كانت حكومة الهند قد خفّضت عملية الطرح الأولي للاكتتاب العام التي تهدف إلى جمع تمويلات بنسبة 60% تقريباً بعد أن تسبّبت حرب أوكرانيا في اضطراب الأسواق، وإضعاف الإقبال على المخاطرة، في حين تدفع زيادة أسعار الفائدة بالولايات المتحدة المستثمرين إلى الخروج من أسهم الأسواق الناشئة.
كذلك خفّضت الحكومة تقييم أقدم شركات التأمين بالبلاد، التي قيّمت عند 6 تريليونات روبية (78 مليار دولار) في الحد الأعلى لنطاق التسعير.
دخول المستثمرين المحليين
في حين نبذ المستثمرون الأجانب هذه الصفقة؛ تدفق عليها المستثمرون الأفراد. وأظهرت بيانات البورصة أنَّ حاملي الوثائق تقدّموا بعروض تغطي كمية الأسهم المخصصة لهم خمس مرات، وأنَّ موظفي الشركة اكتتبوا في أربعة أضعاف الحصة المخصصة لهم. ويحصل المستثمرون الأفراد وحاملو الوثائق على خصم على سعر الطرح.
بالإجمال، بلغ حجم أوامر الاكتتاب في الطرح الأولي ضعف عدد الأسهم المطروحة؛ في حين بيعت الشريحة المُخصّصة لمؤسسات الاستثمار بالكامل حالياً.
الاهتمام الضعيف من جانب المستثمرين الأجانب يتعارض بشكل صارخ مع حالة بعض عمليات الطرح الأولي في الهند العام الماضي.
جذب طرح شركة "وان97 كوميونيكيشنز" (One97 Communications)، التي تُشغّل منصة المدفوعات الرقمية "باي تي إم" (Paytm)، شركات مثل "بلاك روك"، وصندوق "مجلس استثمار نظام المعاشات الكندي" (Canada Pension Plan Investment Board)، وصندوق "نظام معاشات المدرسين في تكساس" (Teacher Retirement System of Texas)، ضمن مؤسسات أخرى كثيرة شاركت في طرح أسهم بقيمة 183 مليار روبية في العام الماضي.
ومثلها كانت منصة توصيل الطعام "زوماتو" (Zomato) التي تحظى بشعبية كبيرة وسط المستثمرين الأجانب.
غير أنَّ المشترين تكبّدوا خسائر مع فتور الحماس المرتبط بازدهار قطاع التكنولوجيا الهندي بعد بعض التخبط.
انخفضت أسهم "باي تي إم" بنسبة 27% في البداية، ويتم تداولها حالياً بانخفاض بنسبة 74% عن سعر الطرح. وبرغم أنَّ سهم شركة "زوماتو" بدأ بداية قوية في الصيف الماضي؛ لكنَّه خسر 20% من قيمته منذ ذلك الوقت.
ساورت المستثمرين أيضاً مخاوف تتعلّق بقدرة "مؤسسة الهند للتأمين على الحياة" على الحفاظ على حصتها السوقية، بينما تتوسع شركات تأمين من القطاع الخاص مثل شركة "إتش دي إف سي" (HDFC Life Insurance)، وشركة "إس بي آي" (SBI Life Insurance) لتأمينات الحياة.
انطلق القطاع الخاص في موجة توسّع قوية خلال فترة انتشار جائحة كورونا، واستطاع زيادة قيمة الأقساط عن وثائق تأمين الأفراد في حين تعثرت "مؤسسة الهند للتأمين على الحياة".
قال أبهاي أغراوال، مدير صندوق لدى "بايبر سيريكا أدفايزرز" (Piper Serica Advisors): "إنَّ المستثمرين الأجانب عموماً لم يتفاءلوا أبداً بالشركات التي تديرها الدولة، إذ يصعب أن يحققوا مكاسب منها، وبالنسبة لمؤسسة الهند للتأمين على الحياة أيضاً؛ فقد عجزت الحكومة عن بث رسالة مقنعة إلى مستثمرين عالميين بأنَّ شركة التأمين ستعطي الأولوية لمصالح حاملي الأسهم، ولن تعمل باعتبارها مجرد كيان حكومي".