بلومبرغ
تدقّ أسواق المملكة المتحدة ناقوس الخطر، محذّرة من ركود محتمل، الأمر الذي يزيد الضغوط على بنك إنجلترا لكي يوازن بين إجراءات السيطرة على التضخم، وحماية النمو الاقتصادي.
انخفض مؤشر أسهم التجزئة التقديري بنسبة 26% هذا العام، مع تدهور ثقة المستهلك إلى أدنى مستوى منذ عام 2008، في وقت تواجه 2000 شركة تقريباً أوضاعاً مالية حرجة.
يتداول الجنيه الإسترليني عند مستوى لم نشهده منذ الأيام الأولى لتفشي جائحة "كورونا"، فيما تراهن أسواق المال على أنَّ البنوك المركزية ستضطر إلى تخفيض أسعار الفائدة في السنوات المقبلة بعد زيادتها بشكل حاد خلال عام 2022.
اقرأ أيضاً: نائب المحافظ: بنك إنجلترا يواجه أصعب تحدٍ منذ 1992
يقول مارك داودينغ من شركة "بلوباي أسيت مانجمنت" (BlueBay Asset Management) لإدارة الأصول، إنَّ هذا الوضع يرسم "خلفية قبيحة جداً" على مسرح اجتماع بنك إنجلترا في الأسبوع الحالي. وسوف يتحتم على صنّاع السياسة النقدية أن يستوعبوا موجة من الأنباء السيئة، مع ضعف مبيعات تجارة التجزئة التي جاءت أقل من التوقُّعات، وارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى منذ ثلاثة عقود.
اقرأ المزيد: استطلاع رسمي: 23% من سكان بريطانيا يعانون من دفع فواتير المرافق
رفع الفائدة
تتوقَّع الأسواق على نطاق واسع أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة مرة أخرى يوم الخميس المقبل، في حين تترقب أسواق المال زيادات أخرى في كل اجتماع يُعقد خلال العام الجاري، مما يزيد الأعباء على المقترضين. وقد لاحظ حاكم بنك إنجلترا، أندرو بيلي، فعلاً ذلك المسار الصعب الذي يجب على المصرفيين أن يسلكوه، لكي يتجنّبوا احتمال حدوث ركود اقتصادي.
قال جيمس لندلي، مدير محفظة لدى شركة "بي إم أو غلوبال أسيت مانجمنت" (BMO Global Asset Management): "ترى السوق بصورة قاطعة أنَّ المملكة المتحدة عرضة لهذه المخاطر. ولولا أنّنا نعاني من التضخم؛ كان سيتجه تفكيرنا الآن إلى تخفيض أسعار الفائدة، لا إلى زيادتها".
حذّر صندوق النقد الدولي من أنَّ مواجهة صدمة تضخمية في بريطانيا، ستكون أصعب منها في أي دولة صناعية متقدّمة أخرى. وتظهر الرسوم البيانية التالية، كيف تتعامل الأسواق مع هذه المخاطر.
أسواق الأسهم
سجّلت الأسهم التي تتأثر بنشاط الاقتصاد البريطاني المحلي أكثر من غيرها، أداء دون المستوى العام منذ بداية العام وحتى الآن. فقد انخفض مؤشر "فوتسي 250" للأسهم المتوسطة بنسبة 12% مقارنة مع ارتفاع مؤشر "فوتسي 100" بنسبة 2%، والذي يقيس أداء شركات تحقّق ثلاثة أرباع إيراداتها من خارج بريطانيا، وتتأثر كثيراً بارتفاع أسعار السلع الأولية.
سجل مؤشر أسهم التجزئة التقديري- يضم أسهماً مثل "ماركس آند سبنسر غروب" (Marks & Spencer Group)، و"جيه دي سبورتس فاشون" (JD Sports Fashion)- أداءً أسوأ من ذلك، مع تأثر الطلب سلباً بزيادة أسعار السلع غير الأساسية. ونتيجة الزيادة الأخيرة في ضريبة التأمين الوطني، وإلغاء الحد الأقصى لأسعار الطاقة للاستهلاك المنزلي في وقت ترتفع فيه أسعار الغاز بسبب الحرب في أوكرانيا؛ يتعرض المستهلكون في بريطانيا لضغوط وأعباء متزايدة، تتجاوز ما يعاني منه المستهلكون في دول أخرى.
تدهور ثقة المستهلكين
قال فريدريك كاريار، رئيس استراتيجية الاستثمار لدى شركة "آر بي سي ويلث مانجمنت" (RBC Wealth Management) لإدارة الثروات: "نعتقد أنَّ المملكة المتحدة هي الأكثر تعرّضاً لمخاطر أزمة في الدخل"، مرجّحاً أن ينعكس تدهور ثقة المستهلكين سلباً على نتائج أعمال الشركات.
في هذه الأثناء، يخيب أمل المستثمرين الذين يراهنون على الشركات ذات الطبيعة العالمية المدرجة في مؤشر "فوتسي 100"؛ مثل شركة "شل" (Shell)، وشركة "أسترازينيكا" (AstraZeneca)، تحوطاً من الأزمات الاقتصادية في بريطانيا.
تشير الأسعار المستهدفة للعام المقبل إلى أنَّ مؤشر الشركات الكبرى سيحقق عائداً من أدنى العوائد المحتملة بين المؤشرات العالمية الرئيسية المماثلة، وذلك بحسب بيانات جمعتها "بلومبرغ". وتضمّنت توقُّعات الاثني عشر شهراً ارتفاع المؤشر بنسبة 19% مقارنة مع 29% بالنسبة لمؤشر "يورو ستوكس 50".
اتجاه الهبوط
دفعت الحالة المعنوية السلبية المستثمرين إلى الهروب من الجنيه الإسترليني، والذي هبطت قيمته بما يتجاوز 4% إلى نحو 1.25 دولار للجنيه في أبريل، في أسوأ أداء شهري له منذ ما حدث في أعقاب الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" في 2016.
يفضّل المتعاملون الدولار الأمريكي كملاذ آمن، في ظل المخاطر التي يتعرّض لها نمو الاقتصاد العالمي، والناجمة عن عمليات الإغلاق في الصين ارتباطاً بفيروس "كوفيد-19"، علاوة على أزمة الطاقة التي تختمر بين أوروبا وروسيا.
ربما لم ينتهِ بعد الاتجاه النزولي؛ فقد بدأ المحللون يتحدثون عن هبوط الجنيه إلى 1.20 دولار، فيما يزيد المتعاملون في سوق الخيارات رهاناتهم على مزيد من هبوط العملة البريطانية في الأشهر المقبلة.
يظهر مؤشر الخوف والطمع – الذي يقيس القوى الدافعة عن طريق المقارنة بين قوة حركة الشراء وحركة البيع – أنَّ قوى البيع لم يسبق أن سيطرت على حركة الأسعار كما هو الحال اليوم، منذ الأيام الأولى لأزمة تفشي جائحة "كورونا".
قال آرون هيرد، مدير محافظ لدى شركة "ستيت ستريت غلوبال أدفايزرز" (State Street Global Advisors)، إنَّ القيمة العادلة للجنيه الإسترليني في المدى الطويل، تتجاوز مستوى 1.50 دولار للجنيه. ومع ذلك؛ فإنَّه يتردد في شراء الجنيه برغم مستوياته المنخفضة حالياً، معللاً ذلك بعدم وجود استثمار كثيف قصير الأجل في العملة، يستطيع أن يستبق التحول في اتجاهها من الهبوط إلى الارتفاع.
أضاف هيرد: "نواجه الآن خطر الركود، مع ميل بنك إنجلترا للسياسة التوسعية مقارنة مع صقور البنوك المركزية خارج المملكة المتحدة، وهذه التركيبة هي حقاً تركيبة سامة". تدفع هذه العوامل أيضاً إلى زيادة المراهنة على تقلّب أسعار العملة، مما يرفع تكلفة التحوّط لها بدرجة كبيرة.
خفض أسعار الفائدة
إنَّ المخاطر المتعلّقة بنمو الاقتصاد لا تدفع أسواق المال فقط إلى تقليص الرهان على المدى الذي ستصل إليه دورة رفع أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا؛ وإنما أيضاً إلى أن تضع هذه الأسواق في حسبانها تخفيض أسعار الفائدة مبكراً في عام 2024.
قال فريدريك ربتون، مدير محافظ لدى شركة "نيوبرغر بيرمان" (Neuberger Berman): "هل تعطي الأولوية لنمو الاقتصاد؟ أم أنَّك تعطي الأولوية لمواجهة التضخم العام؟ في رأينا؛ فإنَّ بنك إنجلترا، سيكون أول البنوك المركزية التي تواجه هذه المفاضلة".
ما من خطر داهم
مع ذلك، لم تظهر بعد كل الإشارات التحذيرية. فمنحنى العائد في سوق سندات الحكومة البريطانية لم يتجه في حركة عكسية - وهي الحركة التي تحظى بمراقبة واسعة تاريخياً، بحثاً عن دلائل الركود – برغم أنَّها لا تبعد كثيراً عن الاتجاه العكسي.
في سوق ديون الشركات، ستظهر علامات ركود الاقتصاد البريطاني أولاً في قطاع السندات ذات العائد المرتفع بالجنيه الإسترليني، والذي تهيمن عليه إصدارات الديون من شركات محلية.
ارتفعت علاوة المخاطر بما يقرب من 100 نقطة أساس إلى 474 نقطة أساس منذ بداية العام، لكنَّها ما تزال أقل من نقاط الذروة التي شهدتها في أوائل عام 2016 وأواخر عام 2018. يشير ذلك إلى أنَّ القطاع "لا يعطي دلائل على زيادة مخاطر ركود اقتصادي في المملكة المتحدة" كما يقول سونغ جين لي، استراتيجي الائتمان لدى "إتش إس بي سي هولدينغز" (HSBC Holdings).
تتعرّض بعض القطاعات لضربات من الأزمة، أعنف من غيرها، وقد شهد قطاع البناء ارتفاعاً بنسبة 51% في عدد الشركات التي تعاني من الإعسار المالي، وفق بحث أجرته شركة إدارة حالات الإفلاس "بغبيز تراينور" (Begbies Traynor). وبوجه عام؛ تتجه حالات الإعسار في المملكة المتحدة إلى الارتفاع، وقد تأتي موجة أخرى من الإعسار المالي بعد انتهاء الدعم الذي حصلت عليه الشركات في فترة تفشي جائحة "كورونا"، والذي لم يعد متاحاً في الفترة الراهنة.
قالت جولي بالمر، شريكة لدى "بغبيز تراينور": "إنَّ الأمر كلّه يتعلّق بوقت انفجار السدّ الذي يحتجز وراءه هذه الموجة".