بلومبرغ
لطالما اتسم عالم متداولي السلع بالسرية، ويتمتع التجار الذين يشترون ويبيعون الموارد العالمية بنفوذ عالمي هائل، ومعظمهم من القطاع الخاص ويميلون إلى العمل بعيداً عن مرأى العامة والمنظمين. وفجأة، يبدو أن الجميع يتحدث عنهم، بل ويقلق منهم.
أشار صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي إلى قلق المستثمرين من وصول المتداولين إلى الائتمان، وقال إن الوقت قد حان لتدقق الجهات التنظيمية من كثب في أسواق السلع الأساسية، وأوصى الاحتياطي الفيدرالي في دالاس الشركات باتخاذ تدابير لزيادة السيولة، ولمح مجلس الاستقرار المالي إلى قيود سوق السلع الأساسية -بما في ذلك طلبات تغطية الهامش الضخمة التي ضغطت على المتداولين في الأسابيع الماضية- باعتبارها مسألة تتطلب اهتماماً خاصاً.
ويعني ارتفاع الأسعار بعد الغزو الروسي لأوكرانيا زيادة كبيرة في متطلبات تمويل الشركات التي تنقل النفط والمعادن والمحاصيل في جميع أنحاء العالم. ويستخدم المتداولون البنوك لتمويل شحناتهم، وكأطراف مقابلة في مراكز التحوط بالمشتقات، لذا يتزايد القلق حالياً من أن مزيداً من الصدمات في أسواق السلع قد تهزّ النظام المالي الأوسع.
قال ستيفن كيلي، زميل باحث في برنامج جامعة ييل للاستقرار المالي: "مثلما سلط عام 2008 الضوء على مجموعة كاملة من المؤسسات التي لم يعرها أحد اهتماماً كبيراً من قبل، فإن هذه الظروف الفريدة التي نعيشها الآن قد حولت التركيز إلى جزء جديد من الأسواق المالية".
وفي ظل تزايد تركيز الأضواء على تداول السلع، نستعرض في ما يلي ما ينبغي مراقبته ولماذا:
1- مَن تحت المجهر؟
في الغالب تهيمن مجموعة من الشركات الخاصة على صناعة تجارة السلع، فشركة "غلينكور" -واحدة من الشركات القليلة المدرجة في البورصة- هي أكبر متداول، كما أنها شركة تعدين كبيرة. وتُعَدّ "فيتول" أكبر مجموعة مستقلة لتجارة النفط، فيما تتصدر "ترافيغورا" المجموعة في مجال النحاس.
أيضاً يتاجر المنتجون، مثل شركات التعدين والحفر، بالسلع المادية بدرجات متفاوتة، ومثل شركات التداول، يستخدمون المشتقات للتحوط من مخاطر تغير الأسعار.
أدى الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية في أعقاب الغزو الروسي إلى زيادة الضغط على المتداولين، وتحرك عديد منهم بسرعة لترتيب خطوط ائتمان جديدة أو موسعة من البنوك، وكان المتداولون يعانون بالفعل من التقلبات في أعقاب الوباء، وعلى سبيل المثال شهدت مقاصة بورصة "إنتركونتيننتال إكستشينج" في أوروبا (ICE Clear Europe) خرقاً لطلبات تغطية الهامش لأعلى من مليار دولار بقليل في الربع الأخير من عام 2021.
وبعد الغزو، طلبت مجموعة من متداولي الطاقة الأوروبيين من البنك المركزي الأوروبي تمويلاً طارئاً، لكن قوبل طلبهم بالرفض.
2- لماذا يقلق الجميع؟
تُعَدّ القيود على المتداولين أنفسهم مهمة، فهي تلعب دوراً حيوياً في الإبقاء على نشاط الاقتصاد الحقيقي، وكذلك توفير السيولة في السوق.
لكن اعتماد القطاع على الائتمان المصرفي، لتلبية احتياجاته التمويلية الهائلة، يعني أيضاً أن أي تهديد بالتخلف عن السداد يمكن أن ينتشر بسرعة عبر النظام المالي العالمي.
والمجال الآخر الذي تسلطت عليه الأضواء هو سوق مشتقات السلع خارج المقصورة، إذ للهيئات التنظيمية والبورصات اطلاع محدود -إن وُجد- على المراكز المتفاوض عليها بشكل ثنائي، كما أن تهديد طلبات تغطية الهامش الهائلة والمفاجئة يقود حصة أكبر من الصفقات خارج البورصات ذات المقاصة المركزية وإلى سوق خارج المقصورة.
3- ما العمل الآن؟
ظهر سيل من التقارير والخطابات والتعليقات الرسيمة في الأسابيع القليلة الماضية التي تعكس تزايد التركيز على المخاطر المرتبطة بأسواق ومتداولي السلع.
طلب البنك المركزي الأوروبي مؤخراً من البنوك الخاضعة لإشرافه تقديم مزيد من المعلومات حول تعرضها لقطاع السلع. وقال مكتب الاستقرار المالي، الذي ينسق العمل بين السلطات المالية على المستوى العالمي، إنّ تقييم نقاط الضعف المحتملة على الاستقرار المالي سيركز بشكل خاص على أسواق السلع وطلبات الهامش والاستثمار الممول بالديون. وفي بريطانيا، قال المنظمون إنهم سيُخضِعون بورصة لندن للمعادن للمراجعة بعد فوضى سوق النيكل الشهر الماضي.
قد تكون البنوك نفسها قلقة أيضاً، وأفادت "بلومبرغ" في وقت سابق من الشهر الجاري بأن "جيه بي مورغان تشيس آند كو" -أحد أكبر اللاعبين في أسواق السلع العالمية- يراجع أعماله مع بعض عملاء السلع بعد أزمة المراكز المكشوفة في النيكل.
"جيه بي مورغان" يراجع انكشافه على السلع عقب فوضى النيكل
4- ما الخطوة التالية؟
السؤال الهام هو ما إذا كان قطاع تداول السلع مستعداً لصدمات مستقبلية في الأسعار أم لا، لا سيما إذا ركز المنظمون على مدى تعرض البنوك للقطاع، وفي أثناء رفضه تقديم تمويل داعم، اقترح "المركزي الأوروبي" على المتداولين أن يجربوا الحصول على سيولة طارئة من البنوك المركزية الوطنية.
يقول مانيش مرواها، شريك السلع والشركات الصناعة في شركة الاستشارات "رولاند برغر" (Roland Berger)، إنّ التحدي الذي يواجه المتداولين هو أن أي دعم حكومي سيرافقه شروط.
وأوضح: "سيتعين على المتداولين اتخاذ قرار صعب: هم يحتاجون إلى الأموال، لكن إذا حصلوا عليها من الحكومات أو البنوك المركزية فيجب عليهم التعامل مع الضوء الذي سيجري تسليطه على عملياتهم، وينبغي عليهم فتح دفاترهم وأن يستعدوا لمشاركة مزيد من التفاصيل حول ما يتداولونه، وهذا ما يتناقض تماماً مع طريقة عملهم المعتادة".
ومستقبلاً، يرفع التدقيق المتزايد التوقعات بمزيد من التنظيم، وقال رانجيت سينغ، مساعد مدير إدارة أسواق النقد ورأس المال بصندوق النقد الدولي، في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، إنه "وقت مناسب" للمنظمين للنظر من كثب في أسواق السلع.