رئيس "معهد بيترسون": التوجّس من العولمة يشكل خطراً على الاقتصاد الأمريكي

time reading iconدقائق القراءة - 11
آدم بوزين، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يتحدث خلال منتدى بروكسل الاقتصادي فس العاصمة البلجيكية، بروكسل، يوم الخميس في الأول من يونيو 2017. يقول بوزين، إن انغلاق الولايات المتحدة على نفسها، يعتبر أمراً شاذاً للغاية - المصدر: بلومبرغ
آدم بوزين، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يتحدث خلال منتدى بروكسل الاقتصادي فس العاصمة البلجيكية، بروكسل، يوم الخميس في الأول من يونيو 2017. يقول بوزين، إن انغلاق الولايات المتحدة على نفسها، يعتبر أمراً شاذاً للغاية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في الأعوام الأخيرة، أصبحت مصطلحات مثل "العولمة" و"معولم"، أشبه بكلمات بذيئة بالنسبة إلى بعض الساسة الأمريكيين. لكن ما هو الخطر الذي سيتجلى حقاً، إذا حاولت الولايات المتحدة عزل نفسها بشكل أكبر عن بقية الاقتصاد العالمي؟

يعتقد آدم بوزين، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن مثل هذه الخطوة، تعني أن الولايات المتحدة ستتخلف أكثر عن بقية العالم في ما يتعلق بالمجالات الاقتصادية المهمة. انضم بوزين إلى بودكاست "وات غوز أب" (What Goes Up) لمناقشة ردود الفعل تجاه العولمة، وكيف تسبب غزو روسيا لأوكرانيا في المزيد من الاختلالات على صعيد الاقتصاد العالمي.

اقرأ أيضاً: سنفتقد العولمة لدى زوالها

إليك أبرز جوانب المحادثة التي تم تحريرها واختصارها بغرض الوضوح.

س. كنت أفكر في حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، عندما كان هناك تراجع كبير للعولمة. كانت اليابان تبرز كقوة تصنيع رئيسية، وكان هناك شعور كبير بالاستياء تجاه منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" بسبب حظر تصدير النفط في السبعينيات، وكان هناك كثير من الدفع القومي نحو خطة "صُنع في أمريكا". وعاماً بعد عام، يمكنك سماع ساسة يقولون: "سأصلح الأمر. سنستعيد التصنيع، وسنعيد مصانع الصلب وكل شيء آخر، وكل هذه الوظائف الجيدة الأخرى للعمال ذوي الياقات الزرقاء". لكن الأمر انتهى فعلاً بمجرد كلام، أليس كذلك؟ وعلى مر السنين، بدا أنه لا مفر تقريباً من تحقيق مزيد من التكامل بين الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي. إذاً، هل هذا المشهد الذي نمرّ به اليوم، والذي بدأ تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، سيغيّر قواعد اللعبة؟ أم أنه -وبشكل ما- تجسيد للفكرة ذاتها القائلة بوجود هذا التراجع، لكن جاذبية العولمة ستسود من جديد، وسينحني العالم لهذه النتيجة في النهاية؟

اقرأ المزيد: مستثمر سندات بارز: رفع أسعار الفائدة بقوة قد يدمر الاقتصاد الأمريكي

ج. في الواقع، الأمر أسوأ قليلاً مما تعتقد، فهو ليس منذ عهد ترمب فقط. لقد نشرنا بعض الأبحاث قبل نحو عامين بعدما قررنا تقصي الحقائق. وكانت الولايات المتحدة تعمل بالفعل على التصدي للعولمة، أو –بدقة أكبر- عزل نفسها لمدة 20 عاماً تقريباً، وتسارع الأمر في عهد ترمب، وأصبح صوت البلاد أعلى صخباً، لكننا في الواقع، كنا نتخلف عن الركب.

عندما أقول التخلف عن الركب، أعني حرفياً بقية العالم، بما في ذلك الدول الديمقراطية مرتفعة الدخل، مثل تلك الموجودة في أوروبا واليابان. لكن أيضاً الأماكن التي لن تعتقد أنها ليبرالية أو مفتوحة كانت مستمرة في الانفتاح. تُعدّ الولايات المتحدة دولة نائية بنفسها للغاية، وهذا الأمر لا يتعلق بالتجارة فقط، بل أيضاً بالاستثمار الأجنبي المباشر، والصفقات التجارية والهجرة. هناك مجموعة كاملة من الأبعاد التي كانت الولايات المتحدة تنأى بنفسها عنها بشكل متزايد، لمدة 20 عاماً.

اقرأ أيضاً: التضخم الأمريكي يبلغ أعلى مستوى في 40 سنة

طاغوت العولمة

لذلك، أنت محق في تصوّر أن العولمة كانت طاغوتاً قضى على كل شيء أمامه، لكن في الواقع هذا الوصف خاطئ. فما حدث، وأعتقد بأنه نقطة التحول الآن، هو أن هذه المخاوف طويلة الأجل، سواء المتعلقة بفكرة أن ممارسات الصين غير نزيهة وأنها تستغلنا، أو تلك المتعلقة بالحس السياسي طويل المدى في الولايات المتحدة الذي يشير إلى ضرورة حمايتنا لوظائف قطاع التصنيع محدودة العدد في العالم، كل هذه الأمور تتسارع وتتعزز مع ما يحدث اليوم في أوكرانيا نتيجة الغزو الروسي. ومن هذا المنطلق، أعتقد بأننا نقف عند نقطة تحول، حيث بدأ العالم في اقتحام التكتلات الاقتصادية بطريقة لم نرها من قبل.

س. في إحدى مقالاتك الأخيرة، كتبت أن العالم ينقسم إلى فريقين، أحدهما يتمحور حول الصين، والآخر حول الولايات المتحدة. لذلك أردت أن أطلب منك التحدث عن هذا الأمر، وكيف يبدو وكيف يتطور؟

ج. لن يكون الانقسام إلى فريقين أمراً مطلقاً، ولذلك كان يتبنى ترمب والممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر، مصطلح الانفصال عن الصين، وهو ما لم يُطبّق. لكن الفكرة فشلت بقدر ما حاولوا تطبيقها، حسبما وثق زميلي في معهد بيترسون، تشاد براون، وآخرون. الذي يحدث في اعتقادي، هو ما أسميه شخصياً "تآكل العولمة". كانت هذه الروابط تتواجد على امتداد أسس متعددة، بما في ذلك الأشخاص الذين يتنقلون ذهاباً وإياباً، والأفكار التي تتأرجح ذهاباً وإياباً، وقواعد العمل، بالإضافة إلى أمور مثل التجارة في السلع المعمرة والمصنعين، لكنها ستنقسم بشكل متزايد.

س. أحد الأمور التي يحبّ الناس أن يتحدثوا عنها بشأن تراجع العولمة، هو أنها ستزيد الضغط المفروض على التضخم في المستقبل. لكن بالنظر إلى هذا التضخم المتفاقم الذي نشهده اليوم، ستجد أن هناك كثيراً من أصابع الاتهام. توجّه بعض الأبحاث التي أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي، أصابع الاتهام نوعاً ما إلى السياسة المالية، فيما يشير كثير من الناس إلى الاحتياطي الفيدرالي بسبب إبقائه على سياسة نقدية فضفاضة للغاية ربما لفترة طويلة جداً. وبالطبع، توجه أصابع الاتهام أيضاً إلى مشكلات سلاسل الإمداد التي عانى منها العالم بأسره. أتساءل عما إذا كان من الممكن تصنيف هذه العوامل ودورها في التضخم؟ وبالنظر إلى ما قد مضى، هل تعتقد بأن الاحتياطي الفيدرالي أو الكونغرس والحكومة، ارتكبت جميعها خطأ أوصلنا إلى هذا الوضع؟

ج. نعم، أعتقد بأن القصة أكثر تعقيداً قليلاً عندما يتعلق الأمر بالصلة القائمة بين العولمة والسياسة الخارجية. أعتقد بأن تراجع الانفتاح يقلل من مقدار ضغط الأسعار الهبوطي الذي تحصل عليه من الخارج، ويحد من المنافسة. وبمرور الوقت، يُعدّ هذا أمراً سيئاً بالنسبة إلى كل من التضخم والإنتاجية. مع ذلك، أعتقد بأن هذا سيكون على المدى القصير، فهو في الواقع نوع من انكماش التضخم، لأنه يخفض العائد على رأس المال كونك تستثمر في الازدواجية والتكرار، كما إنه يخفض تنوع رأس المال، لأنك تضطر إلى الاحتفاظ بمزيد من الأموال، إما بسبب القواعد التنظيمية أو بسبب الخوف. وبالتالي، فإنه يبطئ الأمور في المقام الأول.

ما بعد الوباء

فيما يتعلق بسبب معاناة الولايات المتحدة من مثل هذا التضخم في الوقت الراهن، أعتقد بأن جزءاً منه يتعلق بأشياء لم يتوقعها أحد. فهؤلاء الناس، بمن فيهم أنا، وكثير من الأشخاص الأكثر ذكاء في مجتمع البنوك المركزية، لم يدركوا تماماً مدى أهمية إعادة فتح الاقتصاد بعد الإغلاق الذي فُرض للسيطرة على تفشي وباء "كوفيد"، ومدى اضطراب أسواق العمل على وجه الخصوص.

الأمر الآخر، وهذا يتعلق بأشخاص مثل زملائي -أوليفييه بلانشارد، وجيسون فورمان، ولاري سمرز- أنا أعتقد بأنهم محقون في حزمة الإنقاذ الأمريكية التي أطلقت في أوائل عام 2021، وهي الحزمة المالية الكبيرة التي مررتها إدارة بايدن من خلال الكونغرس، لكن قيمتها كانت كبيرة حقاً في وقت قصير للغاية. ما أعنيه، أننا لم نكن بحاجة إلى الكثير مما أنفقناه آنذاك. فقد أُنفقت حزمة الإنقاذ كلها في وقت قصير جداً، وبالتالي أصبح اقتصادك محموماً، وها نحن بعد ذلك نلجأ إلى الاحتياطي الفيدرالي.

أعتقد بأن الاحتياطي الفيدرالي قام بمقامرة معقولة، وهي أنه إذا قمنا بإدارة الاقتصاد وهو محموم -ثمة أسباب وجيهة كثيرة تدفعنا إلى القيام بذلك، خصوصاً أننا أبقينا معدلات التضخم عند مستويات أدنى من المستهدف لأعوام قبل ذلك- فإن هناك فرصة لحدوث تسارع مفرط لنمو الاقتصاد. لكن يمكننا تحمل رؤية إلى أي مدى يمكن أن تتراجع الأوضاع. وأعتقد بأن الاحتياطي الفيدرالي أقدم على هذه المخاطرة -لو كنت مكانهم، كنت سأفعل الأمر ذاته- لكنني أعتقد بأنه بحلول الوقت الذي أعلنت فيه إدارة بايدن عن حزمة الإنقاذ الأمريكية، وبالتأكيد بحلول منتصف عام 2021، كان من الواضح جداً أن المقامرة سارت بشكل سيئ. وكان ينبغي عليهم الاعتراف بضرورة تغيير السياسة، ما يعني التحرك نحو التشديد بحلول ذلك الوقت.

مكانة الدولار

س. هناك أحاديث كثيرة حول كيفية تأثير العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا ضد روسيا، على دور الدولار باعتباره العملة الدولية الأكثر أهمية. وكان هناك حديث بالفعل عن أن المملكة العربية السعودية ربما تبيع النفط إلى الصين بسعر مقوّم بعملة اليوان، فضلاً عن أن روسيا تطالب باستخدام الروبل نظير الحصول على طاقتها. لذلك أتساءل عما إذا كان بإمكانك التحدث قليلاً حول هذا الأمر.

ج_ من الواضح أن هذا ما يفكر فيه الكثير منا، وأنا أقضي معظم وقتي في التفكير في هذا الأمر. لا شك في أن ردة الفعل الأولى للناس الذين يرون ما فعله تحالف الولايات المتحدة بالأوليغارشية الروسية والشركات الروسية وبوتين والاقتصاد الروسي، هو قول "يا إلهي، سأكون أفضل حالاً إذا كانت لدي طريقة ما للالتفاف على النظام المالي الأمريكي، وكانت لدي طريقة ما لامتلاك أصول لا يمكن تجميدها أو يمكن استخدامها، بغض النظر عما فعلته الولايات المتحدة". وهذا ينطبق بصفة خاصة على الأنظمة الإجرامية الحدودية، والأشخاص الذين يُعتبرون أعداءً للولايات المتحدة من الناحية السياسية، والأشخاص ذوي الأنظمة الكليبتوقراطية. بصراحة تامة، هذا الأمر صحيح أيضاً، حتى بالنسبة إلى العديد من الأعمال التجارية والأفراد والشركات، وحتى الدول التي قد توافق على العقوبات المفروضة على روسيا في حالة هذا الغزو، لكنها تضطر بعد ذلك إلى التفكير، وتقول "لكن أتعلم؟ الولايات المتحدة ليست موثوقة سياسياً. ماذا سيحدث إذا ما انقلبوا علي فجأة؟ هذا يدل على أنهم على استعداد لفعل ذلك". لذلك هناك شعور بأن الناس يفكرون ويقولون "يا إلهي، أتمنى لو كان لدي بديل للدولار". لكن الحقيقة هي أن هناك مشكلة مختلفة تتجاوز ذلك، وهي الحاجة إلى بديل.

بدائل أقل جاذبية

إذا كنا في عالم لا تُلقي فيه الولايات المتحدة بثقلها فحسب، بل العالم الذي كما قلنا إننا نعتقد بأنه ينقسم على أسس جيوسياسية، فأنت عالق نوعاً ما، وبالتالي تتساءل وتقول: هل يمكنني استثمار أموالي في الصين أو في الأصول الصينية؟ ثم هل يمكنني بعد ذلك إخراجها من هناك؟ وهل سيكون الأمر مفيداً لي؟ خصوصاً أنك تنظر إلى أمور مثل قرار السلطات الصينية بأنه "لا جاك ما.. لا يمكنك إجراء الاكتتاب العام لـ(آنت غروب) لأنك أزعجتنا. أو لا، كل من يملك أصولاً في مدارس القطاع الخاص، التعليمية، هذه الأصول لا قيمة لها الآن".

لذلك ينتهي بك المطاف في عالم لا يشعر فيه الناس بالإثارة، لكونهم تحت سيطرة الدولار، لكن البدائل أصبحت أقل جاذبية بسبب الوضع الأمني.

تصنيفات

قصص قد تهمك