"الأمور ليست جيدة أو سيئة كما تبدو عليه"، قول مأثور استفاد منه المستثمرون جيداً، إذ يمكن أن يؤدي تجاهل أقصى درجات التفاؤل أو التشاؤم إلى تجنيب مشتري الأسهم الوقوع في بعض الأخطاء الموجعة، كتكديس أسهم التكنولوجيا في ذروة طفرة الإنترنت، على سبيل المثال، كما قد يشير إلى فرص مربحة لأصحاب الرغبة في المغامرة، مثل ما حدث في خضم الأزمة المالية العالمية لعام 2008. انطلاقاً من ذلك، فإن السؤال الجدير بالطرح هو: أين موقع أسهم الصين حالياً وسط هذا الزخم الإدراكي؟ وهل تحكم الأسواق بشكل صحيح على المخاطر التي تواجه هذه الأسهم؟
اقرأ أيضاً: أكياس النوم تملأ مكاتب التداول وسط إغلاق شنغهاي
كان شهر مارس علامة فارقة تاريخية بالنسبة إلى الأسهم الصينية، إذ شهدت أسبوعَي خسائر في القيمة تجاوزت 1.5 تريليون دولار، تلتها فترة انتعاش بالقدر نفسه تقريباً. تعافت الأسعار بسرعة كبيرة (بعد أن تدخل كبار صانعي السياسة وتعهدوا بالدعم)، لدرجة أن الهبوط يبدو الآن كأنه انهيار لفترة وجيزة. ومع ذلك، لم يكن لهذا الارتفاع أي تأثير سوى أنه أعاد الأسهم الصينية إلى مستويات منخفضة كانت بلغتها قبل السقوط الحر، مع توقف الزخم الصعودي في الأسبوعين الماضيين.
اقرأ المزيد: "نومورا": الاقتصاد الصيني يواجه أسوأ تباطؤ منذ بداية جائحة كورونا
لا شك في أن أموراً كثيرة تدعو إلى القلق، فلا تزال عوامل عديدة، إن لم تكن كل الأمور، التي ساعدت على دفع مؤشر "إم إس سي آي" (MSCI) للأسهم الصينية إلى أقل من مستوى منتصف ذروة فبراير 2021، قائمة. ولم تنته بعدُ حملة تشديد اللوائح التنظيمية لشركات منصات الإنترنت (حتى بعد الوعد الذي أطلقه نائب رئيس الوزراء ليو هي بأنها ستنتهي قريباً). ولا يزال قطاع العقارات عند مستوى ضعيف. وعاودت الإصابات بفيروس "كوفيد–19" الارتفاع، الأمر الذي يلقي بظلاله على آفاق النمو الاقتصادي وأرباح الشركات لهذا العام. ولا تزال الشركات الصينية معرَّضة لخطر الشطب من البورصات الأمريكية. وقبل كل ذلك، قد تتعرض الصين لخطر الإخضاع لعقوبات ثانوية، بسبب موقفها من الغزو الروسي لأوكرانيا.
اقرأ أيضاً: الحديث عن صفقة بشأن مصير الشركات الصينية المدرجة في أمريكا سابق لأوانه
مع ذلك، من الأجدر أن نسأل عن مدى التقييم الفعلي لهذا التراكم من الاحتمالات السلبية. استناداً إلى مجموعة من القياسات، نجد أن مؤشر "إم إس سي آي الصين" يقترب من أدنى مستوياته، مقارنة بمؤشر "إم إس سي آي" العالمي لجميع الدول (MSCI All-Country World) في خمس سنوات أو أكثر. وباحتساب مضاعف السعر إلى القيمة الدفترية، يكون المؤشر الصيني عند أدنى مستوياته، مقارنة بالمؤشر العالمي منذ أكثر من عقدين.
تدفقات خارجة
بعيداً عن إغراء التقييم المخفض هذا، يتعامل المستثمرون العالميون كأن الأسهم الصينية تنطوي على مخاطر. فقد أشار معهد التمويل الدولي في تقرير الأسبوع الماضي، إلى أن البلاد تشهد تدفقات رأسمالية خارجة "غير مسبوقة" منذ أواخر فبراير الماضي. فالتدفقات الخارجة، الموضَّحة في البيانات ذات التردّد العالي التي يتتبعها معهد التمويل الدولي، أكثر وضوحاً لأنه لم يحدث خروج بمثل هذا الحجم من الأسواق الناشئة ككل.
هذه الصورة تعكسها أرقام التداول في بورصة هونغ كونغ، حيث أظهرت بيانات جمعتها "بلومبرغ" أن صافي التدفقات عبر روابط التبادل مع بورصات البر الرئيسي، التي تسمح للمستثمرين العالميين بتداول الأسهم الصينية بعملة اليوان، تحوّلت بحدّة إلى سلبية هذا الشهر.
الحرب الأوكرانية
المسبب الرئيسي لهذا الوضع، وإن لم يكُن مثبتاً، هو الحرب الروسية مع أوكرانيا التي بدأت في 24 فبراير، وهذا أمر مفهوم. على مديري الصناديق العالميين، الذين يشهدون التأثير في الأسواق والاقتصاد الروسي جراء العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، أن يأخذوا في الحسبان فكرة أن الصين قد تنجرّ إلى مستنقع مماثل. وعلى الرغم من ذلك، فما مدى احتمالية حدوث ذلك؟
عرضت الصين دعماً ضمنياً لروسيا، ورفضت انتقاد موسكو، وامتنعت عن وصف عملها العسكري بأنه غزو، ووجّهت اللوم إلى الولايات المتحدة في اندلاع هذا الصراع. مع ذلك، لم تُظهِر الحكومة أي استعداد لتحدِّي العقوبات الغربية، وتقول إنها لا تريد أن يطالها التأثير. الأهمّ من ذلك أن جدوى استهداف الصين على أي نطاق مشابه، لا بد أنه سيكون محلّ شكّ. يمثل الاقتصاد الروسي أقلّ من 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (وفقاً لأرقام عام 2020)، فيما تشكّل الصين أكثر من 17%، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وجزء لا يتجزأ من سلاسل الإمداد العالمية. فمن غير المعقول أن تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها فرض عقوبات مماثلة على الصين، دون أن تتوقع أن يتسبب ذلك في اضطراب شديد لأسواقها واقتصاداتها.
الدعم الحكومي المنتظَر
هذا لا يعني أن فرض عقوبات كهذه لا يمكن أن يحدث. يتردّد في ذاكرة كاتب هذا المقال ما سمعه من محلل استثماري تَحدَّث بإقناع عبر أثير الإذاعة بشأن آفاق سوق الأسهم التايلندية في أواخر عام 1996، مستشهداً بالتقييمات المنخفضة بعد تراجع بمعدل الثلث مقارنة بأعلى مستوى عام 1994، فقد خسر مؤشر "إس إي تي" (SET) ما يقرب من 90% من قيمته بالدولار الأمريكي، بعد ظهور الأزمة المالية الآسيوية في العام التالي. تسعير مخاطر الأحداث الكارثية التي تجري لمرة واحدة في الجيل، ليس بالأمر السهل.
لذلك، ففي حالات نادرة، قد تكون الأمور أسوأ مما تبدو، ومع ذلك لا يزال ميزان الاحتمالات يشير إلى أنه سيُتوصَّل إلى حل، وأن الصين لن تتجه نحو العزلة على غرار روسيا. ومن المحتمل أن تكون التوقعات على المدى القريب لسوق الأسهم سلبية، إذ لا يزال على الحكومة الوفاء بتعهداتها الداعمة للسوق، والتغلب على موجة متحور "أوميكرون" واحتواء الانكماش العقاري. لكن هذه التقييمات تقدّم للمستثمرين الذين يتحلون بالصبر، قدراً كبيراً من الحماية ضد الهبوط، وقد يحظون بالدعم في الوقت المناسب.