انسحاب "وول ستريت" من روسيا يهدر عشرات السنوات من العمل

time reading iconدقائق القراءة - 20
مؤسسات مالية وشركات أوروبية وأمريكية تنسحب من روسيا رداً على غزوها لأوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
مؤسسات مالية وشركات أوروبية وأمريكية تنسحب من روسيا رداً على غزوها لأوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

آلاف الموظفين، ومليارات الدولارات، وثلاثة عقود من العلاقات المعقدة. بدأ بعض أكبر البنوك في العالم الانسحاب من روسيا، لكن الأمر لن يكون سهلاً.

يوم الخميس، أصبحت مجموعة "غولدمان ساكس" أول المعلنين عن الانسحاب، بعد أن نقلت بالفعل بعض موظفيها المقيمين في موسكو إلى دبي.

بدوره، حذا بنك "جيه بي مورغان"حذوها قائلاً إنه يعمل بنشاط على تفكيك أعماله في روسيا، وإنه ينخرط حالياً في أنشطة محدودة في البلاد.

إنّ عدد عمال "سيتي غروب" في روسيا البالغ 3 آلاف عامل تقريباً يجعل وجودها هو الأكبر بين البنوك الأمريكية الكبيرة في روسيا.

ووفقاً لبيان صادر يوم الأربعاء، تعمل "سيتي غروب" على "أسس أكثر محدودية في ضوء الظروف والالتزامات الحالية"، وتواصل الجهود للخروج من الأعمال التي بدأتها قبل غزو أوكرانيا.

في غضون ذلك، تدرس "مورغان ستانلي" نقل بعض من فريقها في روسيا المكون من 20 فرداً إلى دبي ومراكز مالية أخرى، وفقاً لما ذكره مصدر مطلع على الوضع.

كما أن "دويتشه بنك" يقيّم أيضاً الخيارات لمركزه المتخصص في تكنولوجيا المعلومات في روسيا.

ويعمل بنك "كريدي سويس"، وهو واحد من أوائل البنوك الأجنبية التي دخلت روسيا بطريقة ذات مغزى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، على تقييم فريقه المكون من 125 موظفاً في موسكو، لكنه لم يتخذ أي قرار بعد.

وفي بيان صدر يوم الخميس، قال الرئيس التنفيذي توماس غوتستين إن مجلس إدارة البنك "حزين بشدة" بسبب الحرب، لكنه لم يصل إلى حد القول بأنه سينسحب.

تشديد العقوبات

إنّ الضغط لفعل مزيد آخذ في الازدياد، إذ قال عمالقة في صناعات أخرى، بما في ذلك شركة "جنرال إلكتريك" و"ماكدونالدز" و"برايس ووترهاوس كوبرز" ، إنهم سيوقفون أعمالهم.

لكن البنوك ستواجه مهمة صعبة بشكل خاص تتمثل في تخليص نفسها من شبكة التجارة، واتفاقيات الإقراض، والعلاقات المصرفية طويلة الأمد، كل ذلك مع تفسير العقوبات التي تتضاعف يومياً تقريباً.

قالت جوستين والكر، رئيسة قسم العقوبات والمخاطر العالمية في "جمعية الإخصائيين المعتمدين في مكافحة غسل الأموال" (ACAMS) للمشرعين البريطانيين هذا الأسبوع: "هذه المؤسسات المالية تتواصل حرفياً معاً وكأنها تستخدم (واتساب) بشأن المعاملات التي قيمتها مليارات ومليارات".

وأضافت أنهم يتساءلون في ما بينهم: "هل نعتقد أنه قد عُثر عليها؟ هل يمكننا تصفيتها؟ نريد التخلص منها فعلاً، أو نريد تجميدها، أو نريد أن نفعل شيئاً آخر بها".

وقالت: "إنهم يحاولون فهم الأساس القانوني للقيام بذلك، وإذا كانوا يحاولون الانسحاب وتقليل تعرضهم، فكيف يمكنهم إدارة ذلك بطريقة تضمن استقرارهم المالي؟".

روابط وثيقة

اشترت بنوك مثل "دويتشه بنك" و"يو بي إس" أو أسست مشاريع مع وسطاء محليين لإدماج نفسها مع نخبة رجال الأعمال في روسيا.

في عام 2013، وقَّعت مجموعة "غولدمان ساكس" اتفاقية مدتها ثلاث سنوات مع الحكومة الروسية للمساعدة في تحسين صورتها الدولية وجذب مزيد من الاستثمارات.

في هذا الأسبوع، دافع كريستيان سوينغ، الرئيس التنفيذي لـ"دويتشه بنك"، عن استمرار حضور البنك في روسيا. وقال في مذكرة للموظفين: "كثيراً ما نُسأل عن سبب عدم انسحابنا بشكل تام من روسيا... الجواب هو أن هذا يتعارض مع قيمنا... لدينا عملاء لا يستطيعون الخروج من روسيا بين عشية وضحاها... وبقدر ما نستطيع سنواصل دعمهم أيضاً في هذا الوقت الصعب".

بالنسبة إلى البنك الإيطالي "يونكريديتو" (UniCredit) فإن التخلي عن روسيا بين عشية وضحاها ليس خياراً أيضاً، حسب أشخاص على دراية بالموضوع. فالبنك يقدم خدمات مصرفية للعملاء من الشركات والأفراد في روسيا من خلال 4 آلاف موظف و70 فرعاً.

قالت المصادر: "لا يمكنك إغلاق الفروع التي تدير أموال العملاء والرواتب والفواتير وخطوط الائتمان".

ورفض متحدث باسم "يونكريديتو" التعليق.

السندات الروسية

على الرغم من تراجع شهية بورصة "وول ستريت" تجاه روسيا في السنوات الأخيرة، فإنها تظل رابطاً مهمّاً بين الشركات المحلية والأسواق الدولية.

عمل "جيه بي مورغان"، البنك المهيمن على إصدار السندات بغير الروبل، لصالح شركات مثل"غازبروم"، و"لوك أويل"، و"ألفا بنك".

يضم المجلس الاستشاري الدولي للبنك أيضاً هيرمان غريف، الرئيس التنفيذي لبنك "سبيربنك" الروسي، ووزيراً سابقاً في الحكومة، بين أعضائه.

قال متحدث باسم "جيه بي مورغان" في بيان أُرسل بالبريد الإلكتروني إنه لا يشارك في المجلس نظراً إلى العقوبات المطبقة حالياً. امتنع "سبيربنك" عن التعليق.

تعمل البنوك الروسية أيضاً بشكل وثيق مع بنوك الأمريكيين والأوروبيين للوصول إلى أسواق الأسهم والديون.

كانت"سيتي غروب" و"جيه بي مورغان" و"يو بي إس" من بين أفضل وسطاء الأسهم في "سبيربنك سي آي بي" في المملكة المتحدة (Sberbank CIB UK)، وفقاً للإفصاحات العامة لوحدة الخدمات المصرفية الاستثمارية التي تتخذ من لندن مقراً لها.

وأظهرت الإفصاحات العامة أن "سيتي غروب" تعاملت أيضاً مع جزء صغير من تداول الأسهم لبنك "في تي بي".

سرعان ما أصبحت العلاقات طويلة الأمد مسمومة. تقول فيرجيني أوشيا، الرئيس التنفيذي لـ"فايربراند ريسيرش" (Firebrand Research)، وهي شركة أبحاث واستشارات في أسواق رأس المال تتخذ من لندن مقراً لها: "إنك تريد بشكل أساسي تجنب أي نوع من العلاقات التجارية مع الكيانات الخاضعة للعقوبات".

وأضافت أوشيا: "إذا نظرت إلى الغرامات التي فُرضت على حالات الإخفاق بمبدأ (اعرف عميلك)، تلك التي تميل إلى أن تكون مشمولة ضمنه، فهناك أرقام بملايين الدولارات، وقد وصلت إلى المليارات من قبل في الولايات المتحدة... هذه مبالغ مخيفة من المال ستغرمك بها الجهة التنظيمية".

خروج سريع

في الأسبوع الماضي، طلبت البنوك من حكومة المملكة المتحدة مزيداً من الوقت لإنهاء عقود المشتقات مع بنك "في تي بي"، مما سلط الضوء على مدى صعوبة قطع جميع الروابط، حتى عندما يتطلب القانون الدولي ذلك.

تتمثل إحدى مشكلات البنوك في أن الكيان الخاضع للعقوبات قد يمتلك كثيراً من البطاقات. تحدد اتفاقية "الرابطة الدولية للمقايضات والمشتقات" (Isda) الرئيسية لعام 2002، وهي نموذج شائع يُستخدم في الصفقات المشتقة، كيفية إغلاق الشركات للعقود باستخدام بند "غير القانونية".

ومع ذلك فإن سعر الإغلاق يحدده الكيان المستهدف، مما يجعل الخروج منه مكلفاً للغاية قبل سريان العقوبات.

يقول روبرت دانييل، محامي المشتقات في "ماكفارلانيس" (Macfarlanes): "إنها مشكلة يصعب حلها... فمن الناحية المثالية قد تكون تفاوضت بشأن الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الأمور في عقدك منذ سنوات، لكن لم يكن الجميع يدرك هذه المسألة بشكل تام في ذلك الوقت".

التعرض المباشر

أحد الجوانب الإيجابية للبنوك هو أن تعرضها المباشر لروسيا ضئيل نسبياً. على سبيل المثال، كان لدى الفرع الروسي التابع لبنك "إتش إس بي سي" أصول بقيمة 89 مليار روبل (700 مليون دولار) في نهاية يونيو 2021، أي نحو 0.02% من إجمالي البنك، وفقاً للحسابات المؤقتة للوحدة. من هذا المبلغ جرى ربط نحو 250 مليون دولار بالبنك المركزي الروسي، الذي فُرضت عليه عقوبات أمريكية.

ويتبقى لدى بنك "إتش إس بي سي" فرع واحد فقط في روسيا بعد انسحابه قبل عدة سنوات. ولقد رفض البنك التعليق على الأمر.

من جهته، قال بنك "كريدي سويس" هذا الأسبوع إنّ صافي تعرضه الائتماني لروسيا في نهاية عام 2021 بلغ 848 مليون فرنك سويسري (914 مليون دولار)، وإنه قد انخفض منذ بداية العام.

وبلغ صافي تعرض "دويتشه بنك" للقروض نحو 600 مليون يورو (710 ملايين دولار) في نهاية العام ذاته.

كانت "سيتي غروب" تحاول بالفعل إعادة هيكلة أعمالها الروسية، التي تضم نحو 1200 شركة و500 ألف عميل مستهلك، قبل اندلاع الحرب، وتحاول بيع وحدتها المصرفية الاستهلاكية المحلية. وقال البنك إنه في ظل سيناريو الضغط الشديد فإنه قد يخسر نحو 4.9 مليار دولار.

إنّ التكلفة النهائية لهذه الشركات بعيدة كل البعد عن الوضوح، إذ تتسابق المؤسسات لمواكبة المناورات السياسية.

يقول ماريو مانكوسو، الشريك في شركة المحاماة "كيركلاند آند إيليس" (Kirkland & Ellis): "الأشخاص الذين يفرضون عقوبات يحاولون شرب كمية هائلة من الماء باستخدام أصغر كوب متاح في العالم، لذا فهم مرهقون أيضاً... لكن هذا التأخر ينتج عنه كثير من الالتباس حول الوضع الحالي".

تصنيفات

قصص قد تهمك