بلومبرغ
أرسلت العقوبات الأمريكية على الديون السيادية لروسيا تنبيهاً إلى المستثمرين العالميين بأنَّ الأوراق المالية يمكن أن تنخفض أكثر، حتى بعد الانخفاضات الحادة التي تكبّدتها مع تصاعد الأزمة الأوكرانية.
على الرغم من أنَّ الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن لم تصل بعدُ إلى حد الإجراءات الدراماتيكية التي يمكن أن تعرقل بشكل كبير استفادة روسيا من التمويل؛ فقد كان إجراء أمس الثلاثاء بمثابة جرس إنذار. وما يزال المستثمرون حذرين من التحركات الأخرى المحتملة، التي يمكن أن تؤثر على نطاق أوسع في البنوك الروسية، أو حتى تمتد إلى قيود على قدرة البلاد على تحويل الروبل للعملات الأجنبية.
اقرأ أيضاً: ما نعرفه حتى الآن عن العقوبات الغربية المحتملة على روسيا
لن يُسمح للعديد من المستثمرين المرتبطين بالولايات المتحدة، الذين يواجهون بالفعل قيوداً على شراء سندات الحكومة الروسية في السوق الأولية، بشراء أي أوراق مالية صدرت حديثاً بعد الأول من مارس في السوق الثانوية. ويتمثل الهدف الرئيسي في السوق الرئيسية، لكن قد تكون هناك آثار غير مباشرة للديون القائمة بالفعل، والمخاطر المحتملة في وقت لاحق، إذ تفكر روسيا في إعادة التمويل المحتملة.
لا تأثير قريب
قال كلاي لوري، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد التمويل الدولي: "من غير المحتمل على المدى القصير أن يكون لهذا تأثير كبير على الاقتصاد الروسي، لكن على المدى الطويل؛ من المرُجّح أن يؤدي هذا الإجراء، إلى جانب الإجراءات الأخرى من الدول الأوروبية، إلى عرقلة النمو الاقتصادي لروسيا."
تُفاقم العقوبات مع احتمال اتخاذ مزيد من الإجراءات، الضغط على الأصول الروسية، التي تراجعت بشكل حادٍّ مع تصاعد الأزمة الأوكرانية.
وارتفعت تكلفة التأمين على الديون الروسية من خلال عقود مقايضة العجز الائتماني إلى حوالي 342 نقطة أساس، مقارنة بما يزيد قليلاً عن 100 نقطة أساس في منتصف ديسمبر الماضي. كذلك انخفضت الصناديق المتداولة في البورصة الشهيرة التي تشتري الأسهم الروسية أمس الثلاثاء، مع تراجع صندوق "فان إيك روسيا إي تي إف" (VanEck Russia ETF) البالغ 1.4 مليار دولار بأكبر مستوى منذ تفشي "كورونا" في الأسواق العالمية في مارس 2020.
اقرأ أيضاً: أزمة أوكرانيا تمحو 33 مليار دولار من ثروات كبار أغنياء روسيا
وفي غضون ذلك؛ انخفض الروبل بأكثر من 5% حتى الآن هذا العام، مسجّلاً أسوأ أداء بين العملات الرئيسية على مستوى العالم.
صرّح مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية للصحفيين أنَّ عقوبات الديون تستهدف بشكل أساسي السوق الأولية، وهو ما يهم من ناحية جمع الأموال. وأشار المسؤول إلى أنَّ أوروبا نفذت إجراءً مشابهاً للغاية.
من جانبه، قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، اليوم الأربعاء، إنَّه سيمنع إصدار وتوزيع ديون الحكومة الروسية الجديدة في اليابان.
وأفاد جاك ماكنتاير، مدير محفظة في "براندي وأين غلوبال إنفستمنت مانجمنت" (Brandywine Global Investment Management) في فيلادلفيا بأنَّه: "بما أنَّ العقوبات لا تشمل الديون الروسية الحالية؛ فسنكون نحن والأسواق على ما يرام. لأنَّه يمكننا بيع أداتنا إذا كان هناك ما يبرر ذلك أو نضيف إليها. لم تكن هذه عقوبات صارمة، من ناحية التصميم".
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة تفرض عقوبات على روسيا تستهدف البنوك والديون السيادية
إنذار دون ترويع
تعد الهواجس التي تنتاب المستثمرين بشأن العقوبات بمثابة جرس تحذير أكثر من كونها خطوة مروعة، وهو ما تأكّد من خلال تعافي السهم الخاص بشركة "يونايتد كو روسال" الروسية المنتجة للألمنيوم، والمتداولة في هونغ كونغ. فقد ارتفع السهم بما يصل إلى 9% اليوم، متتبعاً انتعاشه في الأصول ذات المخاطر العالمية، فقد أشار المتداولون إلى أنَّ الولايات المتحدة تجنّبت فرض أقسى القيود. ويسهم ذلك في جعل سهم "روسال"، التي تدر نحو ربع إيراداتها من المبيعات في روسيا، متراجعاً بـ 25% تقريباً منذ 17 فبراير.
قال جويدو تشامورو، الرئيس المشارك لديون الأسواق الناشئة بالعملة الصعبة في "بيكتيت أسيت مانجمنت" (Pictet Asset Management )، إنَّه في حين أنَّ العقوبات تعني أنَّ روسيا لن تكون قادرة على الاقتراض من الخارج لفترة من الوقت؛ فإنَّها في وضع جيد يتيح لها التعايش دون تمويل أجنبي. وأضاف أنَّ الفوائض المزدوجة، ومستويات الديون الخارجية المنخفضة، والاحتياطيات المرتفعة تعني أنَّ روسيا تتمتع بالاكتفاء الذاتي نسبياً.
اقرأ أيضاً: وزيرة الخارجية البريطانية: سنمنع روسيا من بيع ديون سيادية في لندن
وكتبت كاثي هيبوورث، رئيسة وحدة ديون الأسواق الناشئة في مؤسسة "بي جي آي إم فيكسد إنكوم" (PGIM Fixed Income)، التي تشرف على ديون الأسواق الناشئة البالغة 72 مليار دولار: "هذا الوضع يضع طريقاً أكثر وعورة أمام روسيا لإصدار ديون خارجية، لكنَّها في الحقيقة ليست بحاجة إليها. ومع ذلك؛ فإذا تم تشديد العقوبات في المستقبل (أي تشمل المزيد من البنوك الروسية)؛ فقد يجعل ذلك الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة للبنوك المحلية بألا يكون لديها القدرة نفسها على الديون المحلية."
جولة أولى
كان المُقيّمون بالولايات المتحدة يمتلكون سندات طويلة الأجل من جهات إصدار روسية بقيمة تقترب من 14 مليار دولار في ديسمبر الماضي، أي أكثر بقليل من السندات التركية، لكنَّها أقل من نصف الحيازات الأمريكية من الديون النرويجية، وفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية.
كانت سندات روسيا قد تراجعت، في وقت سابق تحسباً للقرار. وهبطت السندات الروسية باليورو المستحقة في 2028 بمقدار 3.7 سنتات لتصل إلى 136 سنتاً على الدولار الأمريكي أمس الثلاثاء، وهو أدنى مستوى منذ عام 2015. وارتفع العائد الإضافي الذي يطالب المستثمرون الآن للاحتفاظ بالديون السيادية الروسية على سندات الخزانة الأمريكية 50 نقطة أساس يوم الثلاثاء إلى 330 نقطة أساس، استناداً إلى مؤشرات "جيه بي مورغان تشيس آند كو." (JPMorgan Chase & Co.).
اقرأ أيضاً: بوريس جونسون يدعو لسحب نهائي دوري أبطال أوروبا من روسيا
كانت وزارة الخزانة الأمريكية قد حذّرت خلال فترة التوتر السابقة مع روسيا في عام 2018 من أنَّ فرض عقوبات على سوق الديون السيادية قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات مالية عالمية. والآن يقيّم المستثمرون احتمالات المزيد من العقوبات، وسبل ممارسة أنشطتهم في الأسواق.
قال "تشامورو": "إذا لم يكن هناك المزيد من التصعيد؛ فقد لا نشهد المزيد من عمليات البيع الإضافية، فقد تم تعديل الأسعار بالفعل. ولكن إذا كان هناك تصعيد آخر أدى إلى عقوبات إضافية أقوى؛ فعندئذ ستخسر كل الرهانات." وبيّن أنَّ تشديد العقوبات قد يؤجج تحركات أكبر نحو الجانب السلبي في جميع الأصول الروسية، من سندات اليورو إلى الروبل.
من جهته، قال جينس نيستيدت، كبير مديري الأموال في "أيسمو أسيت مانجمنت" (Emso Asset Management): "أعتقد أنَّ هذه كانت مجرد جولة أولى من العقوبات، إذ يحتفظون بالعقوبات الأكثر قسوة في الاحتياط، اعتماداً على تطور الأوضاع على الأرض".