ما هو المنتج غير المرئي والنظيف، الذي حقق أداءً استثمارياً أفضل من "بتكوين" وأفضل حتى (لفترة وجيزة) من سهم "غايم ستوب" (GameStop) خلال الاثني عشر شهراً الماضية؟
إنها اعتمادات الكربون الأوروبية. يتم بيع هذه الأداة الاستثمارية بالمزاد العلني لكبار مسببي التلوّث في الاتحاد الأوروبي، ويجري تبادلها في "نظام تداول الانبعاثات" (Emissions Trading System) أو (ETS)، لتشجيعهم على تسعير وتقليل انبعاثاتهم. يوم الثلاثاء الماضي، بلغت نسبة ارتفاع اعتمادات الكربون الأوروبية حوالي 131% على أساس سنوي، مسجلة رقماً قياسياً خلال اليوم عند 98.49 يورو (112 دولاراً) للطن المتري.
إقرأ أيضاً: كيف تتفادى أوروبا مخاطر عمليات شراء تعويضات الكربون؟
تعد هذه المستويات غير اعتيادية وفقاً لمعايير الماضي القريب -لكنها أيضاً مقلقة. فعلى الورق، يجب أن تغير هذه الأرقام قواعد اللعبة لتقنيات الحد من انبعاثات الكربون. لكن من الناحية العملية، لم نشهد بعد التحول الذي يحتاج إليه العالم.
إقرأ المزيد: بيل غيتس يستثمر في شركة ناشئة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء
تقارب الأسعار الحالية ثلاثة أضعاف السعر البالغ 40 دولاراً الذي استشهد به الاقتصادي ويليام نوردهاوس، باعتباره التكلفة المثلى للكربون في خطابه لقبوله جائزة "نوبل للاقتصاد" لعام 2018. وبناءً على دراسة أجرتها وكالة الطاقة الدولية العام الماضي، يجب أن يكلف "التقاط وتخزين الكربون" - وهي عملية فصل ثاني أكسيد الكربون عن غازات المداخن وتوجيهها إلى التكوينات الصخرية تحت الأرض - من حوالي 62 دولاراً إلى 125 دولاراً للطن.
أسعار أعلى
رغم ذلك يمكن أن يرتفع السعر أكثر، حيث يتوقع لوسون ستيل، محلل الكربون والمرافق في بنك "بيرنبرغ" (Berenberg)، أن نشهد ذروة تبلغ 150 يورو للطن خلال الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام. كان مدير صندوق التحوط النفطي بيير أندوراند، ومحلل التمويل الأخضر مارك لويس، متوافقين في الرأي، حيث جادلا الشهر الماضي بأن سعراً بين 90 يورو إلى 150 يورو هو أمر ضروري لتشجيع القطاعات الرئيسية المسببة للانبعاثات في القارة على إزالة الكربون.
مع ذلك، وعلى الرغم من الطفرة في توليد الطاقة المتجددة في أوروبا على مدى العقد الماضي، فإن العديد من الصناعات التي يجب أن تظهرللاستفادة من هذا التحول الجذري في التكاليف، لا تزال في مهدها.
فشل النتائج المرجوة
خذ على سبيل المثال التقاط الكربون، وهي تقنية ناضجة تُستخدم بالفعل على نطاق واسع لإخراج النفط الخام الإضافي من حقول النفط. لقد فشلت في أداء دورها الموعود في خفض انبعاثات قطاع الطاقة إلى حد كبير، لأن إضافتها إلى السعر الأساسي للطاقة التي تعمل بالفحم أو الغاز، تؤدي إلى إنتاج كهرباء لا يمكنها منافسة مصادر الطاقة المتجددة من حيث التكلفة.
مع ذلك، فإن السعر المرتفع للكربون، إلى جانب الحاجة إلى تقنية توليد مرنة لسد الفجوات في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، يجب أن يوفرا بالضبط نموذج الإيرادات الذي تحتاجه. هذا يشرح لماذا تفضّل المرافق التي يمكنها توفير الطاقة عند الطلب مع دفع 100 دولار لاحتجاز وتخزين طن من الكربون، ذلك، بدلاً من دفع 150 دولاراً للحصول على رخصة انبعاثات.
يمكنك أن ترى في غرونينغن الواقعة في شمال هولندا، عواقب فشل هذه السياسة. فأحد أكبر حقول الغاز في التاريخ تستنزف قوته وسيغلق في هذا العام، في الوقت ذاته الذي كان لأسعار الكربون المرتفعة أن تمنحه فرصة جديدة للحياة كمكان لدفن الانبعاثات.
جادلت مجموعة من الأكاديميين الهولنديين بقيادة سان أكربوم في دراسة نشرت العام الماضي بالقول: "إذا لم ينجح برنامج التقاط وتخزين الكربون في هولندا، فمن الصعب أن نتخيل أين سيحظى بفرصة أفضل".
اتجاه صعودي
أحد تفسيرات فشل ظهور الاستثمار، هو أن الهندسة تتحرك في غضون سنوات، بينما تتحرك الأسواق في دقائق. تستغرق المصانع الكبرى التي تستخدم تقنيات متطورة عشر سنوات تقريباً من مرحلة المفهوم حتى مرحلة الاكتمال. لكن الكربون في الاتحاد الأوروبي اتجه صعودياً بشكل مستدام من 30 يورو للطن فقط في العام الماضي. إذا كان هذا هو الحال، فتوقع أن ترى سلسلة من الإعلانات عن المشاريع الخضراء في السنوات المقبلة، والتي ستتتخطى بكثير ما رأيناه حتى الآن.
الاحتمال الآخر هو أن مسببي الانبعاثات يراهنون على أنه يمكنهم ببساطة تحميل المستهلكين التكاليف، لتتحملها في النهاية الحكومات. هذا ما يحدث أساساً في المملكة المتحدة، حيث أثر ارتفاع أسعار الغاز على الأسر، وأسفر عن حزمة دعم حكومي بقيمة 12 مليار دولار لتجنب أزمة تكلفة المعيشة. من شأن ذلك أن يقضي على كامل هدف "نظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات"، وهو ضمان دفع الملوِّثين، وتغيير سلوكهم وفقاً لذلك.
التفسير الأكثر اعتدالاً، هو أن كبار الملوثين يراهنون على أن التحول في أسعار الكربون هو تحول لمدة قصيرة -وهو حدس أيده التراجع الذي بلغ 6.3% يوم الأربعاء، بعد أن أخبر مشرّع أوروبي رئيسي المراسلين بأن النظام بحاجة إلى تعديل لمنع ارتفاع الأسعار.
مع إصدار التصاريح التي من المقرر أن تنخفض بموجب القانون بمعدل 2.2% سنوياً (و4.2% سنوياً اعتباراً من عام 2024)، من الصعب أن نرى كيف سيفشل السوق في أن يبقى في حالة عجز، وهو عامل يجب أن يكون صعودياً للأسعار. من المرجح أن ترتفع انبعاثات قطاع الطاقة في أوروبا خلال السنوات القليلة المقبلة، حيث يتم إيقاف تشغيل المحطات النووية بشكل أسرع من تركيب المولدات المتجددة التي ستستبدلها.
حد أدنى للأسعار
مع ذلك، قد يساعد الحد الأدنى للأسعار -مثل تلك التي تم تطبيقها في السويد والمملكة المتحدة والتي اقترحتها الحكومة الألمانية الجديدة- في إقناع الصناعة بأن الإنفاق على إزالة الكربون لن يتم تقويضه بسبب تدهور الأسعار المستقبلي في سوق الكربون.
يجب أن يُنظر إلى الزيادة الحالية في الكربون على أنها نجاح، وعلى أنها في نهاية المطاف سترفع تكلفة الانبعاثات في أوروبا إلى مستوى كافٍ للتحول إلى تقنيات أقل تلويثاً. يجب على السياسيين منحها الفرصة للقيام بعملها ومقاومة الإلحاح الشعبوي لخفض الأسعار. سيكون التدخل الطائش هو الطريق المؤكد للفشل.