التنبؤات الاقتصادية المستقبلية ليست دائما سيئة

time reading iconدقائق القراءة - 7
هناك طريقة أفضل حتما! - المصدر: بلومبرغ
هناك طريقة أفضل حتما! - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لابد أنَّ منكم من لاحظ بالفعل أنَّني لست معجبا تماما بطريقة عمل المتنبئين التقليديين في "وول ستريت" (Wall Street)، وهذا ليس بسبب تعصّب ما لديّ ضدهم، بل هو مجرد رأي، جاء نتاج خبرة طويلة في المجال، إلى جانب أنَّ هناك أدلة إحصائية متينة تدعم الرأي القائل إنَّ "متنبئي وول ستريت" (Wall Street forecaster) لا يجيدون التوقع في الحقيقة.

يجدر بي هنا أن أكرر، أولا: أن جميع التقديرات المستقبلية ليست سوى ضرب من الحماقة، ثم ثانيا: أن التنبؤ هو أساس التسويق، إلا أنَّه من الممكن تحسين جدوى التقديرات المستقبلية (أو مدى صحّتها على الأقل) من خلال بعض التعديلات البسيطة، وفيما يلي بعض الاقتراحات:

الاقتراح الأول:

الإفصاح عن الأداء السابق للنموذج الضمني للتنبؤ: من منَّا لا يعرف أولئك المتنبئين الذين يتباهون بدقة تنبؤاتهم؟ الآن، صار بإمكانكم- أنتم أيضا- أن تشاركوهم عبقريتهم الفذة في التنبؤ بأي شيء، دون أن يكلفكم ذلك شيئا تقريبا.

لذا لا تتحمسوا كثيرا للقصص التي يحكيها المتنبئون كدليل على عبقريتهم، فلو كان لدى أولئك المتنبئين فعلا سجل إنجازات مُدقق يوضح التكهنات التي قدموها خلال الأعوام الخمسة الماضية، وكم منها تحقق فعليا، ويثبت أنَّ تقديراتهم حققت فعلا أرباحا للعملاء، فلربما كانت تلك الإنجازات جديرة بالإشادة حقا..

هناك سر وراء إخلاء المسؤولية المُتعارف عليه: "الأداء السابق لا يضمن تحقق النتائج ذاتها مستقبلا"، حيث أنَّه مُصمم بهدف حماية المتنبئين (من أنفسهم عموما)، ولكي يكون تذكرة بأنَّ السجل الحافل بالإنجازات قد لا يتحقق مرة أخرى؛ فلربما جاءت النتائج الناجحة للتنبؤات نتيجة ضربة حظ، أو فترة زمنية مواتية، أو أي عامل جزافي آخر.

الاقتراح الثاني:

التسليم بوجود متغيرات مجهولة، إذ قرأت مقالا نُشر في أحد أعمدة صحيفة "بوليتيكو" السياسية الأمريكية (Politico) عن نماذج اقتصادية، وضعها الخبير الاقتصادي بجامعة "يال" (Yale) "راي فير" (Ray Fair)، تشير إلى أنَّ الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" (Donald Trump) سوف يُحقق فوزا ساحقا وسوف يُعاد انتخابه في عام 2020. لقد ترك المقال انطباعا قويا للغاية لديّ.

ليس لأنَّه يتنبأ بالفوز الساحق للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، بل لأنَّه يستخدم التنبيه بذكاء؛ إذ جاء في المقال ما يلي: "صحيح أنَّ "فير" والمحللين الآخرين يستعينون في تنبؤاتهم بالبيانات الاقتصادية وسجلات التصويت السابقة، إلا أنَّهم في الوقت نفسه ينبهون على أنَّ احتمالات فوز ترامب قد تتغير، إذا ما حدث انخفاض حاد في معدل النمو، أو ارتفاع في معدل البطالة .

من البديهي إذن ألا يحصر المتنبئ نفسه في نتيجة معينة؛ لأنَّ الأحوال قد تتبدل في أي لحظة. لكنَّ هذه سمة نادرة، قلما توجد لدى المتنبئين للأسف.

الاقتراح الثالث:

الإقرار بوجود تحيزات متأصلة، حيث لاحظت "بلومبرغ بيزنس ويك"، في الآونة الأخيرة، أنَّ خبراء الاقتصاد لا يجيدون إطلاقا التنبؤ بحدوث الركود الاقتصادي، وأنَّهم، كمجموعة، "احتمالات تنبؤهم خطئا بعدم حدوث ركود أكبر بكثير من احتمالات تنبؤهم بركود لا يحدث مطلقا" على حد تعبير مقال "بلومبرغ بيزنس ويك"، وهذا ليس لأنَّ أولئك الخبراء فاشلون في الاقتصاد بالضرورة، بل لأنَّ الأمر كله قائم على نظرية الألعاب ببساطة؛ فأي تنبؤ خاطئ ينطوي على خطر حقيقي لمسيرتهم المهنية، لذا "ليس لدى أولئك الخبراء ما يدفعهم إلى الإصرار على صحة تنبؤاتهم".

هناك أيضا مشكلة تفكير القطيع، التي تقود المتنبئين إلى محاولة الاختباء وسط القطيع، فتزداد احتمالية خطأ تنبؤاتهم، إذا كان رأي الجماعة خاطئا، وفي الوقت نفسه، تكون عواقب الخطأ عندئذ أقل أيضا؛ أي أنَّهم يتمتعون بقدر أكبر من الحماية في تلك الحالة.

لعل ذلك يفسّر نتيجة ورقة بحثية نشرها صندوق النقد الدولي (International Monetary Fund) في الآونة الأخيرة، وجدت أنَّ تنبؤات خبراء الاقتصاد بالقطاع الخاص- بحدوث ركود اقتصادي- قد أصابت 5 مرات فقط من أصل 153 انكماشا اقتصاديا تعرضت لها 63 دولة خلال 22 عاما (من عام 1992 إلى عام 2014).

الاقتراح الرابع:

الاستفادة من الأخطاء لتحسين التنبؤات: معظمنا لا يتعلم من نجاحاته شيئا تقريبا، ناهيكم عن التعلم من فشلنا!

ومن الناحية الأخرى، اعترف بعض المستثمرين مثل "راي داليو" (Ray Dalio) وروّاد أعمال- مثل "جيف بيزوس" (Jeff Bezos) وآخرين- بأهمية الفشل كأحد الجوانب الرئيسة لعملهم.

إنَّ كل ما تفعله نماذج تقديرات المستقبل هو أنَّها تأخذ سلسلة من مدخلات البيانات، وتضيف إليها لمسة من التحسينات، ثم تستخدمها لتوليد مخرجات، لذا فحتى إن حقق النموذج نتيجة جيدة، ما يهم هو كيف استفاد المتنبئ من المخرجات الناتجة، وما إذا كان بوسعه الاستفادة منها لتحقيق أرباح للعملاء أم أنَّه جعل تلك التقديرات المستقبلية شغله الشاغل بغض النظر عن البيانات الناتجة منها.

يحتاج التكيف مع الأخطاء والفشل وحسن استغلالها في تطوير الذات إلى مهارة معينة، لا يستخدمها خبراء الاقتصاد والمحللون الماليون إلا فيما ندر.

الاقتراح الخامس:

التعلّم من الخبراء المحترفين: يُعد الأستاذ "فيليب تيتلوك" من "جامعة بنسلفانيا" أبرز أكاديمي خبير بأسباب فشل أكثر التقديرات المستقبلية؛ فقد أصدر "فيليب تيتلوك" في عام 2006 كتابا بعنوان "إكسبرت بوليتيكال جادجمنت" (Expert Political Judgment) حلل فيه آلاف التقديرات المستقبلية، وخلص إلى أنَّ البشر بطبيعتهم لا يجيدون التنبؤ بأي شيء في أي مجال.

لكن ثمة تحذير هنا، فقد حملت مجموعة البيانات الضخمة من التقديرات المستقبلية الفاشلة، التي أوردها "تيتلوك "في كتابه، بين طيّاتها مجموعة فرعية صادمة من التقديرات المستقبلية لأشهر المتنبئين البارزين، الذين لطالما تميزوا بقدرتهم على الإدلاء بتنبؤات أكثر دقة من غيرهم، من خلال عدة طرق متنوعة، منها على سبيل المثال: تضمين عدة مصادر للمعلومات، واستخدام مجموعة واسعة من الأدوات التحليلية، وتفكيك المشكلات إلى أجزاء صغيرة يمكن التعامل معها، ولعل الأهم من هذا كله هو أنَّهم لم يخشوا تغيير تقديراتهم متى طرأ تغيير على البيانات المُستخدمة.

جميع المنهجيات المذكورة أعلاه هي في متناول خبراء الاقتصاد والمتنبئين الآخرين في "وول ستريت"، ويجدر بهم الاستعانة بها؛ فبالتأكيد لن تأتي نتائجها أسوأ مما يقدّمه المتكهنون بالفعل.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان