بلومبرغ
يستعد الغاز الطبيعي الأمريكي لخوض عام آخر حافل بالتقلبات لينكشف غطاء الحماية الذي كان يحول دون تأثر مستهلكي الطاقة في أمريكا الشمالية من الاضطرابات القادمة من خارج القارة.
ارتفع مؤشر العقود الآجلة للغاز الأمريكي بنحو 45% خلال عام 2021 محققاً الأداء السنوي الأقوى في نصف عِقد، وذلك بعد تجمّد بالغ أدى إلى عرقلة الإنتاج، متبوعاً بموجات حر في الصيف أدت إلى زيادة الطلب، وإعاقة جهود تخزين الإمدادات لفصل الشتاء.
مع مطلع العام 2022، يواجه التجار وشركات الاستكشاف ومشغلو المرافق احتمال استمرار التقلبات، وسط تزايد المنافسة من قبل المشترين بمناطق بعيدة، مثل بولندا وهولندا؛ إذ تواجهان أزمة حادة للغاية دفعت المصانع إلى إغلاق أبوابها، الأمر الذي حدا بمجموعة "غولدمان ساكس" إلى إطلاق تحذير من وجود "خطر بالغ لنفاد الغاز".
استحوذ المشترون من خارج الولايات المتحدة على 13% من إنتاج الغاز الأمريكي خلال شهر ديسمبر الماضي، بزيادة قدرها سبعة أضعاف عن السنوات الخمس السابقة، وذلك عندما لم تتوفر معظم البنية التحتية المطلوبة لشحن الوقود خارج البلاد.
قبل ظهور أعمال تصدير الغاز الأمريكي؛ كانت سوق الولايات المتحدة، وسوق كندا تمثلان مجالاً إقليمياً، فقد كانت موجات البرد في مناطق مثل بيتسبرغ وشيكاغو، فضلاً عن الأعاصير في خليج المكسيك، هي من يفرض الأسعار، لكن تلك الأيام لم تعد قائمة منذ فترة طويلة، فقد قام السماسرة في "سيوول"، و"روتردام" بإطلاق كميات قياسية لإغراء الناقلات المحملة بالغاز الأمريكي للمضي في سبيلها.
و قالت ناتاشا كانيفا، رئيسة أبحاث واستراتيجيات السلع الأساسية في "جيه بي مورغان تشيز آند كو": "ما نزال نتوقَّع المزيد من التقلبات بهذه الأسواق استناداً إلى وضعها أخيراً، وإن كان ذلك بمستوى متناقص بمجرد انتهاء موسم ذروة الطلب في الشتاء..هذا صحيح بشكل خاص في الولايات المتحدة، فقد ظل تقلب الأسعار غائباً منذ فترة طويلة."
زاد التقلب في العقود الآجلة للغاز المتداولة في نيويورك إلى أعلى مستوى له منذ ما يقرب من ثلاث سنوات في أوائل ديسمبر الماضي، في ظل مخاوف أواخر الخريف من أنَّ الولايات المتحدة كانت على وشك مواجهة أزمة الإمدادات الخاصة بها على خلفية طقس أكثر اعتدالاً من المعتاد، وهوت الأسعار بأكثر من 40% مقارنة بذروتها في أكتوبر الماضي. كذلك انخفضت الأسعار أخيراً في أوروبا، فقد ساهم وصول الشحنات الأمريكية في تخفيف المخاوف بشأن حدوث نقص فوري، على الرغم من أنَّ المشترين على امتداد أوروبا ما يزالون يدفعون ثمانية أضعاف ما يدفعه منافسوهم من الولايات المتحدة.
ولم يتبدد القلق بشكل تام نظراً لأنَّ أكثر شهور الشتاء برودة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية لم تأت بعد. وفي الآونة الأخيرة، في 30 ديسمبر، توجّهت ما يقرب من 50 ناقلة تحمل الغاز الطبيعي المسال الأمريكي إلى أوروبا، مع وجهات متنوعة مثل جبل طارق وتركيا وكرواتيا وبولندا، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". وهذه كانت زيادة مذهلة بنسبة 77% عن الأسبوع السابق على هذا التاريخ.
اقرأ أيضاً: كيف تتخلص أوروبا من اعتمادها على الغاز الروسي؟
وصف بول فيليبس، كبير المحللين الاستراتيجيين في مؤسسة Uplift Energy Strategy في دنفر، عام 2021 بأنَّه "كان علامة فارقة" بالنسبة للغاز. وعلى الرغم من التوقُّعات باستمرار التقلبات؛ فإنَّه "لم يكن من السهل تجاوزها" العام الماضي.
تدفع المخاوف بشأن تغير المناخ بعض المراقبين إلى التحذير من احتمالية زيادة التقلبات في فصل الصيف. وقال دينيس كيسلر، أحد المتداولين من شركة "بوك فاينانشيال سيكيوريترز"Bok Financial Securities : "لقد شهدنا بالتأكيد نمطاً من الاحترار..من المحتمل أن تكون أشهر منتصف الصيف شديدة التقلب إذا كان الصيف أكثر دفئاً من المعتاد".
في حين تُعلّق ناتاشا كانيفا، بالقول: "ما زلنا نتوقَّع المزيد من تقلب الأسعار".
ويرى محللون أنَّ التغلب على عام آخر من التقلبات من شأنه أن يحدث قفزة كبيرة في إنتاج الغاز المحلي. ويتوقَّع "بنك أوف أمريكا" زيادة بـ 3.5 قدم مكعب في الإنتاج اليومي هذا العام، مدفوعة باكتشاف آبار جديدة في حقول الصخر الزيتي من غرب تكساس إلى بنسلفانيا. ووفقاً لتقديرات "إن إي إف بلومبرغ"؛ فقد ارتفع إنتاج الغاز في الولايات المتحدة، باستثناء ألاسكا، بنحو 7% خلال عام 2021، أكثر من تعويض الانخفاض الناجم عن الجائحة في عام 2020.
وقال جون كيلدوف، الشريك المؤسس لشركة أجين كابيتال" Again Capital LLC، إنَّ الإنتاج اليومي قد يلامس رقماً قياسياً يبلغ 100 مليار قدم مكعب هذا العام، مما يهدد بإغراق السوق بكميات من الغاز تفوق الاستهلاك.
وفي سوق تحظى بمستوى "إمداد جيد"؛ قال "بنك أوف أمريكا" في نشرة أرسلها إلى العملاء، إنَّ متوسط العقود الآجلة المتداولة في نيويورك سيبلغ 3.45 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في عام 2022، ويصل إلى 3.10 دولار في العام التالي. وتأتي هذه الأرقام مقارنة بمتوسط أسعار ديسمبر التي تشكل أقل قليلاً من أربعة دولارات.
وأضاف كيلدوف: "سيكون التقلب الكلمة الأبرز. وسنعود مجدداً إلى حالة الزيادة في العرض في عام 2022".