بلومبرغ
في بقعة تشبه القمر شمال السودان، يكدح عمال تعدين الذهب غير الرسميين بالمعاول لاستخراج غنائمهم من الحُفر الضحلة المنتشرة عبر التضاريس الوعرة.
ويُعدُّ تعدين خام الذهب في درجة الحرارة الشديدة بصحراء النوبة هو المرحلة الأولى من شبكة غير مشروعة انفجرت في الأشهر الثمانية عشر الماضية، بعد ارتفاع أسعار الذهب بفعل الوباء، فيما تتطلع الحكومات الأفريقية اليائسة في إطار مساعيها لتعويض الإيرادات المفقود إلى إمارة دبي للمساعدة في وقف تجارة غير مشروعة.
قلق دولي
تكشف المقابلات مع مسؤولين حكوميين أفارقة عن عمليات التهريب التي تمتد عبر 9 دول على الأقل لأطنان من الذهب المنقول عبر الحدود، مما يستدعي قلقاً دولياً، لأن الأموال الناتجة عن تجارة تهريب المعادن في أفريقيا تُغذي الصراعات الدائرة في القارة، وتمول الشبكات الإجرامية والإرهابية، وتقوّض الديمقراطية، وتسهّل عمليات غسل الأموال، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
اقرأ أيضاً: الإمارات تفرض تدقيقاً على مصافيها لإثبات صحة مصادر الذهب
واردات الذهب المشكوك في مصادرها
ورغم أنه من المستحيل تحديد خسائر الدول سنوياً جرّاء عمليات التهريب، إلا أن بيانات التجارة الصادرة عن الأمم المتحدة لعام 2020 تظهر فرقاً لا يقل عن 4 مليارات دولار بين واردات الذهب المعلنة من قبل دولة الإمارات وبين ما تقول الدول الأفريقية إنها صدرته لها رسمياً.
لطالما شككت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في دور إمارة دبي في تسهيل تجارة الذهب من خلال غض طرفها عن الواردات من مصادر مشكوك فيها، وهو ما تنفيه الإمارات بشدة، وتؤكد أنها غير متورطة في أي ممارسات غير قانونية، لكن مع اشتداد التدقيق العالمي فيما يتعلق بالحوكمة، يطرح حجم التهريب الحالي أسئلة مزعجة بشكل متزايد للإمارة وسمعتها كمركز لتجارة الذهب.
أدت المزاعم بأنها لا تفعل ما يكفي للقضاء على التدفقات المشكوك فيها من المعدن النفيس إلى مشادات كلامية مع لندن، موطن أكبر سوق للذهب في العالم، ومع سويسرا، أكبر مركز تكرير، وناقش نائب وزير الخزانة الأمريكي، والي أديمو، المخاوف بشأن تهريب الذهب مع المسؤولين الإماراتيين خلال زيارة إلى دبي وأبوظبي في منتصف نوفمبر، وفقاً لشخصين على دراية مباشرة بالموضوع، وطلبا عدم الكشف عن هويتهما لعدم السماح لهما بالتحدث علناً عن الأمر.
وفي نفس الأسبوع، ردّ رئيس بورصة السلع في دبي، أحمد بن سليم، على الاتهامات بدون تردد، قائلاً في مؤتمر في الإمارات: "إنها هجمات متسقة لا أساس لها على دبي من قبل المراكز والمؤسسات التجارية الأخرى، إنها أكاذيب".
ضغوط حكومية
تزيد الحكومات الأفريقية الضغط، فبجانب السودان، تشكو السلطات في نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي ومالي وغانا وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر من تسرب أطنان من الذهب عبر حدودها كل عام، وتزعم أن معظمها تتجه إلى دبي.
"إنها خسارة كبيرة"، هذا ما قاله وزير المناجم النيجيري، أولاميليكان أديغبايت، خلال مقابلة في مكتبه في أبوجا العاصمة، حيث تعرض الكبائن الزجاجية نماذج الصخور، مستعرضة إمكانات التعدين في الدولة، والتي تُعدُّ غير مستغلة إلى حدٍّ كبير.
يوجه الجزء الأكبر من الذهب المستخرج بشكل غير قانوني في أفريقيا إلى دبي من خلال مصافي في دول مثل أوغندا ورواندا، أو يتم نقله جواً مباشرة في حقائب اليد، غالباً بأوراق مزورة، وفقاً لمسؤولين حكوميين وعاملين في القطاع وخبراء الأمم المتحدة وجماعات الحقوق المدنية، وبمجرد وصوله إلى هناك، يمكن صهره لإخفاء المصدر قبل تحويله إلى مجوهرات أو إلكترونيات أو سبائك ذهبية، كما يقولون.
شهادة بلد المنشأ
قال أديغبايت: "أغلب الدول الأوروبية ستسألك عن شهادات التصدير من بلد المنشأ.. وإذا لم تكن تمتلكها، فسيصادر الذهب ويعاد إلى المصدر".
ونظرياً، تطلب الإمارات نفس الشيء، "لكن كما ترى، في دبي يغضون الطرف"، حسب أديغبايت.
من جهتها رفضت وزارة التجارة الخارجية الإماراتية الإجابة على أسئلة حول الذهب من أفريقيا، وقال بن سليم في مقابلة إن الحظر العالمي على الذهب المنقول في حقائب يد على الطائرات - وسيلة تهريب تقليدية - سيحل المشكلة، وقال: "لدينا سجل أفضل من أي مدينة أخرى.. والشكوى الرئيسية التي ترد إلينا هي "أننا صارمون للغاية".
يُعدُّ تهريب الذهب ممارسة قائمة منذ الأزل، لكنها أصبحت أكثر ربحية مع ارتفاع سعر السبائك إلى مستوى قياسي عند 2075 دولاراً للأونصة في أغسطس 2020، ومنذ ذلك الحين، انطلقت التجارة غير المشروعة كما لم تفعل من قبل في أفريقيا، ولم تحرز السلطات هناك سوى تقدم ضئيل في كبح جماحها، حسبما أظهر تحليل للبيانات المتاحة للجمهور من الحكومات والمصادر الأخرى.
على سبيل المثال، تقدر وزارة المالية السودانية أن 80% من إنتاج الذهب يذهب دون تسجيل، ومن المقرر أن تشحن رواندا ما قيمته 732 مليون دولار من المعدن العام الجاري، أي أكثر من ضعفين ونصف قيمة صادراتها لعام 2019، وفق أرقام صندوق النقد الدولي، وهذا رغم أن رواندا بالكاد لاتستخرج أي ذهب خاص بها، ما أثار اتهامات من حكومة جارتها، الكونغو، بأن المعدن الثمين يأتي من أراضيها.
قال مجلس رواندا للمناجم والنفط والغاز في بيان، إن رواندا تعمل على أن تصبح مركزاً إقليمياً لمعالجة المعادن، وهو ما يعلل الزيادة في صادراتها، مضيفاً أنه استثمر في منشآت جديدة والتي "تستورد المواد الخام من المشغلين المحليين والإقليميين بما يتوافق مع المتطلبات القانونية والتنظيمية".
تشير تقارير من الأمم المتحدة ومصادر أخرى إلى أن 95% من الإنتاج من شرق ووسط أفريقيا ينتهي في دبي، وهذه مشكلة محتملة لأن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد صنفت معظم المنطقة على أنها منطقة صراع أو عالية المخاطر، ما يعني أن الشركات مطالبة بإثبات أن الذهب المستورد مصدره مسؤول.
وأصدر الاتحاد الأوروبي تشريعات العام الجاري تتماشى مع جهود الولايات المتحدة لوقف التجارة، ومع ذلك، فإن التنفيذ بالغ الصعوبة.
المعايير واللوائح التنظيمية الدولية
أظهرت إحصائيات البنك المركزي أن أوغندا، وهي إحدى مصافي الذهب غير الرسمي الرئيسية في أفريقيا، رفعت صادراتها بأكثر من الضعف في العام المالي الجاري إلى حوالي 2.25 مليار دولار، ومجدداً، كانت الإمارات الوجهة الأولى إلى حدٍّ بعيد، وفقاً لبيانات التجارة للأمم المتحدة، واتهمت الأمم المتحدة أوغندا ورواندا بالاتجار في الذهب المهرب من شرق الكونغو المجاورة، وهي منطقة غارقة في الصراع.
في خطوة غير مسبوقة، هددت جمعية سوق السبائك في لندن، التي تنظم أكبر سوق للذهب في العالم، العام الماضي بمنع مصافيها المعتمدة من معالجة معادن الدول التي لا تفي بمعايير التوريد، وبينما لم تذكر اسم أي دولة، أصدر بن سليم توبيخاً نيابة عن دبي، متهماً الجمعية بمحاولة إضعاف سوق الذهب في الإمارات.
قال وزير الدولة للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي، في تصريح لـ"بلومبرغ نيوز"، إن الإمارات وقعت على توصيات جمعية سوق السبائك في لندن، و"تتعاون منذ فترة طويلة مع جميع اللوائح التنظيمية الدولية وأفضل الممارسات بما في ذلك جهود مكافحة غسل الأموال والمصادر غير الأخلاقية للذهب، وتلتزم دولة الإمارات بتطبيق أعلى معايير الذهب الدولية".
بعد أكثر من 12 شهراً، لم تمضِ جمعية سوق السبائك قدماً في تهديدها، وقالت الدكتورة سخيلة ميرزا، المستشارة العامة للجمعية، إن الجمعية لا تزال تقيم ما فعلته الإمارات لمكافحة التهريب، وقالت ميرزا في مقابلة إن الجمعية لا ترى حاجة للاستعجال، ولكن يجب أن تتصرف وفقاً للقواعد، و"الانفصال هو الخطوة الأخيرة".
يتضح ارتباط دبي الطويل بتجارة الذهب في سوقها الرئيسية في الجزء الأقدم من المدينة، حيث تصطف العشرات من المحلات التجارية المزودة بالنوافذ التي تعرض المشغولات المتقنة من العقود المتلألئة والصدريات والنظارات الشمسية في ممر للمشاة، وتجري عمليات التداول في الممرات السفلية لمبنى مجاور، حيث يركض الرجال بين مكاتب صغيرة، بعضها بأبواب منيعة.
تشديد الضوابط
قال العديد من التجار الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم خشية التداعيات، إنهم سيخاطرون بانقطاع الإمدادات من المصافي الإماراتية إذا طرحوا الكثير من الأسئلة حول مصدرها، ومع ذلك، تم تشديد الضوابط للتعامل مع غسيل الأموال، إذ يتعين على العملاء الذين ينفقون أكثر من 15 ألف دولار تقديم وثائق هويتهم ومصدر الأموال.
خلال زيارته الشهر الماضي، أشار أديمو، نائب وزير الخزانة الأمريكية، إلى أن جهود الإنفاذ الأقوى التي تستهدف التمويل غير المشروع يمكن أن تمنح الإمارات ميزة تنافسية في المنطقة، وفقاً للشخصين المطلعين على المحادثات، ورفضت وزارة الخزانة التعليق من خلال المتحدث باسم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب الطبيعة الحساسة لسياسة العقوبات.
إجراءات إماراتية لمراقبة واردات وصادرات الذهب
من جانبه، صرح ثاني الزيودي، للصحفيين الشهر الماضي أن دبي تعتزم استحداث نظام متاح للجمهور لمراقبة واردات وصادرات الذهب، وسيتم تطبيق "معيار التسليم الجيد" الخاص بمركز دبي للسلع المتعددة في جميع أنحاء البلاد، وإن كان ذلك على أساس تطوعي فقط.
قالت وزارة الاقتصاد في بيان في ديسمبر إن جميع مصافي الذهب في الإمارات سيُطلب منها إجراء عمليات تدقيق تثبت أن شحنات السبائك من مصادر مشروعة، اعتباراً من فبراير.
قال الزيودي: "نحن نحاول أن نصبح مركزاً حقيقياً فيما يتعلق بتجارة الذهب.. وبالتالي نحن نرحب بالعالم ونرحب بأي أحد يريد التجارة، ونريد التأكد من التزامنا بمعايير التسليم".
في أكتوبر، أصدرت أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية في سويسرا تعليمات إلى المصافي السويسرية باتخاذ خطوات لتحديد بلد المنشأ الحقيقي لجميع الذهب القادم من الإمارات، قائلة إن ذلك ضروري لضمان عدم إرسال إمدادات غير مشروعة إليها، ولجأ بن سليم مرة أخرى إلى "لينكد إن" ليقول إن الإمارات نفذت إرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن مصادر المعادن واتهم السلطات السويسرية بالنفاق.
ووصف مايكل بارتليت فاندربوي، رئيس "إم آند سي غروب غلوبال" (M&C Group Global)، التي تستخرج تستورد الذهب من غانا وتبيعه بشكل أساسي للعملاء في الإمارات، الاشتباكات مع لندن وسويسرا بأنها "لعبة قوى عالمية على الذهب" حيث يحمي كل مركز موقعه.
وقال: "لطالما وجدت صعوبة بالغة في تصديق أن الناس قادرين حقاً على جلب ذهب للإمارات بدون وثائق، وعندما أنظر إلى النظام في المطار أجد أن الأمر شبه مستحيل".
تبادل الاتهامات
ولا تزال مصفاة المعادن السويسرية، "ميتالور تكنولوجيز" (Metalor Technologies SA) متشككة، في الأمر، حيث قال خوسيه كامينو، المستشار العام لمجموعة "ميتالور"، في مقابلة: "لا نعتقد أن كل شيء يأتي من دبي غير قانوني، لكن لدينا شكوك حول شرعية بعض أجزاء سلسلة التوريد.. ونحن سعداء لغض الطرف عنها".
سويسرا تطالب بتشديد الضوابط على واردات الذهب الإماراتية
يزعم داعمو دبي أن بيانات الجمارك الأفريقية ليست موثوقة وحتى الأمم المتحدة لا تستطيع قياس تدفقات التجارة غير المشروعة بدقة، وخلف الأبواب المغلقة، يشير المسؤولون الإماراتيون بأصابع الاتهام إلى نظرائهم في أفريقيا والمزورين الذين يحجبون أصول الذهب من خلال إصدار وثائق يستحيل تمييزها عن الحقيقية.
هذا لا يوفر الكثير من الراحة للسلطات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي دولة شاسعة في وسط أفريقيا تكافح من أجل إعادة البناء بعد أكثر من عقدين من الصراع، ولديها بعض من أغنى احتياطيات العالم، بما في ذلك كيبالي في شمال شرق الدولة - وهو أكبر منجم للذهب في أفريقيا - ومع ذلك، تُعدُّ جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أكبر الخاسرين نتيجة تجارة الذهب غير المشروعة.
يعمل جيش من عمال التعدين تحت رادار الحكومة، لكن البيانات تظهر أن الصناعة غير الرسمية شكلت 2.4 مليون دولار فقط من صادرات الذهب الرسمية العام الماضي، وتشير الإحصاءات الصادرة عن الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي إلى أن ثمار عملهم تسرب عبر الحدود بدلاً من ذلك: شحنت أوغندا ورواندا سبائك بقيمة 1.8 مليار دولار و 648 مليون دولار على التوالي في عام 2020، رغم امتلاكهما القليل من الذهب.
وقال وزير المالية بالكونغو، نيكولا كازالي، في مقابلة في مكتبه بالعاصمة كينشاسا: "إنه ملكنا.. إنه ذهب من الكونغو".
وثائق مزورة لإخفاء المصدر
وبموجب قانون الولايات المتحدة، يعتبر الذهب من الكونغو وجيرانها "معادن من مناطق صراع"، ما يعني أن الشركات المدرجة في البورصات الأمريكية مطالبة بإبلاغ لجنة الأوراق المالية إذا كانت تستخدم الذهب المستخرج من مناطق النزاع، ولكن لا توجد عقوبة على القيام بذلك.
خلص تقرير صادر عن خبراء الأمم المتحدة في يونيو إلى أن الكثير من تجارة الذهب غير المشروعة في الكونغو تشرف عليها جماعات مسلحة أو جنود، والذين يتاجرون بها عبر الحدود أو يطيرون بها مباشرة إلى دبي باستخدام وثائق مزورة لإخفاء مصدرها.
قال ساشا ليزنيف، مستشار السياسة لمجموعة "ذا سينتري" (The Sentry) لمكافحة الفساد ومقرها واشنطن، إن المصافي التي تتاجر في الذهب المتنازع عليه لا تخضع للمساءلة العامة من قبل الإمارات، مضيفاً "دبي هي أساس التغيير في تجارة الذهب في شرق ووسط أفريقيا".
أيضاً يثير التهريب قلق الحكومة في نيجيريا، حيث يستخرج ما لا يقل عن 100 ألف عامل منجم غير رسمي معظم المعادن وبالتالي يصعب تنظيم عملياتهم وفرض ضرائب عليها، وبلغ إجمالي إنتاج الذهب الرسمي 1,288 كيلوجرام فقط العام الماضي، ذهب معظمها تقريباً إلى دبي، وفقاً لبيانات الحكومة النيجيرية.
وهناك جهود تبذل لإضفاء الطابع الرسمي على الصناعة، وفاطمة شنكافي، هي رئيسة المبادرة الرئاسية لتعدين الذهب الحرفي، والتي سجلت 10 آلاف عامل منجم غير رسمي وتقوم بتطوير سلسلة توريد بحيث يرسل إنتاجهم إلى مصافي التكرير المعتمدة من جمعية سوق السبائك في أوروبا، ومعالجتها وتحويلها إلى البنك المركزي لتعزيز الاحتياطيات الأجنبية لنيجيريا .
يريد "أديغبايت"، وزير المناجم، العمل مع الإمارات لمكافحة التهريب، ويقول إنه اقترح على حكومته تقسيم العائدات "بالنصف" مع السلطات الإماراتية عن أي ذهب نيجيري غير معلوم المصدر يسترد، ولم تستجب وزارة الاقتصاد الإماراتية ووزارة الخارجية والتعاون الدولي لطلبات التعليق عبر البريد الإلكتروني على اقتراح الوزير.
ضريبة سودانية
في السودان، ينتج أكثر من مليوني عامل في مناجم صغيرة الحجم حوالي 80% من الذهب في الدولة، ويأخذون أموالاً مقابل ما يستخرجونه تقل بنحو الربع عما سيحصلون عليه في الأسواق الدولية، وتفرض عليهم ضريبة قدرها 64 دولاراً على كل أونصة من الإنتاج، ما يشجع البعض على تجاوز قنوات التداول الرسمية.
السودان يبدأ اليوم إجراءات اعتماد مصفاة الذهب في دبي
تتم بعض التجارة الداخلية في السودان في مبنى به رطوبة مكون من ستة طوابق في وسط الخرطوم، العاصمة، حيث يذوب الرجال الشذرات الخام في القضبان ويمكن رؤية التجار وهم يخرجون من المبنى حاملين أكواماً من النقود ملفوفة في ورق تغليف، ويقول خبراء الصناعة، إن الذهب المتداول يُنقل بشكل غير مشروع إلى دبي عبر المطار الدولي الذي يسهل اختراقه، أو يتم تهريبه إلى الدول المجاورة مثل مصر وإثيوبيا وتشاد.
أدت الاضطرابات السياسية إلى إحباط الجهود المبذولة لضمان استفادة الشعب السوداني من ثروته المعدنية، وأُطيح بالديكتاتور عمر البشير في انتفاضة شعبية في عام 2019، ثم أطيح بحكومة انتقالية في 25 أكتوبر، وعاد الجيش لتأكيد قبضته على السلطة.
وأقامت القوات الأمنية حواجز طرق بين مناطق التعدين والخرطوم لمكافحة التهريب، لكن الضوابط لا تزال غير كافية بشكل محزن، بحسب دفع الله إدريس، نائب رئيس لجنة في ولاية نهر النيل أُنشئت لتجميد الأصول التي نهبها نظام البشير، حيث قال إدريس: "هناك فساد داخل مؤسسات حكومية.. والذهب الذي يغادر الدولة يمر عبر الجميع".