بلومبرغ
من المنتظر أن تصدر شركات الولايات المتحدة صاحبة أعلى تقييم ائتماني عدداً أقل من سندات الديون في السنة المقبلة، وهي نقطة مضيئة بالنسبة إلى سوق تواجه سلسلة من الأخطار في عام 2022، إذ قد يساعد انخفاض العرض مع قوة الطلب على دعم تقييم الشركات.
تتوقع معظم البنوك الكبرى انخفاض مبيعات سندات الديون بنسبة تتراوح بين 5% و10% عن مستوى 1.4 تريليون دولار سجلته في عام 2021، ما يعني أن الأموال التي تتدفق في سوق سندات الشركات سوف يقابلها عدد أقل من الأوراق المالية المعروضة للبيع.
طالع أيضاً: عائد 3% على سندات الخزانة الأمريكية يوفر أنسب الأوقات لشراء أسهم القيمة
وفقاً لآراء المهنيين المختصين ومديري الصناديق، قد يساعد ذلك على إبقاء علاوة المخاطرة عند مستوياتها الحالية، التي هي منخفضة فعلاً بالمعايير التاريخية.
7 تريليونات دولار
قد يعوض انخفاض عدد الإصدارات وقوة الطلب تأثير الأخطار التي مازالت قائمة في سوق تبلغ قيمتها نحو 7 تريليونات دولار، مثل قفزة في أسعار الفائدة أو هجوم جديد لجائحة كورونا. قد يوجه ارتفاع عوائد السندات الخاصة ضربة عنيفة لسندات الشركات، لأن حساسية أسعارها لحركة العائد تقترب من أعلى مستوى في تاريخها.
تود ماهوني، رئيس قطاع أسواق رأس المال الأمريكية لدى بنك "يو بي إس" قال: "ربما تطغى الجوانب الفنية على أي نوع من التقلبات التي نراها، فنحن نتوقع تدفقات استثمارية منتظمة وانخفاضاً في المعروض وعاماً جيداً بالنسبة لمعدلات الاسترداد. وعندما تجتمع كل هذه العوامل، ينبغي أن تكون كافية للحفاظ على هامش المخاطرة في حدود جيدة".
اقرأ أيضاً: موجة بيع سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل تحقق 1% عائداً للمشترين
كذلك يتوقع الاستراتيجيون لدى "بنك أوف أميركا" و"باركليز" أن تبقى فروق العائد مرتبطة بنطاقها الحالي بالنسبة إلى نقاط الدعم والمقاومة في العام القادم، وألا تبتعد كثيراً عن مستواها في الوقت الراهن. ووفقاً لأرقام مؤشر "بلومبرغ"، يبلغ متوسط فروق العائد حالياً أقل قليلاً من نقطة مئوية واحدة.
مبيعات السندات يقابلها طلب مازال قوياً نسبياً، ويضخ المستثمرون أموالاً في صناديق الاستثمار في سندات الشركات مرتفعة الجودة، وقد أضافوا إليها سيولة في 43 أسبوعاً من إجمالي 50 أسبوعاً هذا العام، بحسب البيانات الصادرة عن شركة الخدمات المالية "رفينيتيف ليبر" (Refinitiv Lipper). وهم يسعون غالباً إلى تحقيق عوائد أعلى من عوائد سندات الخزانة.
خفض السيولة النقدية
تتخذ البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم إجراءات نحو خفض السيولة النقدية التي تتدفق متناثرة في أرجاء النظام المالي، مع توقع الاحتياطي الفيدرالي القيام بسلسلة من زيادة أسعار الفائدة على مدى الأعوام القادمة، ومنها ثلاث مرات في عام 2022. غير أن ذلك نفسه يمكن أن يغري عدداً أكبر من المستثمرين الأجانب بشراء سندات الشركات في عام 2022، وقد كانوا مصدراً هاماً للطلب عليها في العام الجاري.
اقرأ المزيد: هذه أسوأ المخاطر الاقتصادية العالمية في 2022
قال مارك فراتيبييترو، الرئيس المشارك في أسواق الديون من الدرجة الاستثمارية لدى بنك "دويتشه": "حتى لو ارتفعت أسعار الفائدة بنحو 50 أو 100 نقطة أساس، ستظل هذه السندات جاذبة للاستثمار على المستوى الحقيقي والاسمي. فلديك قوة المركز المالي، بالإضافة إلى انخفاض تكلفة رأس المال، ولديك شركات تريد القيام بعمليات اندماج واستحواذ، والتي ستقود حركة الأسواق في السنة المقبلة".
تفاؤل المستثمرين
علاوة على ذلك، تبدو المراكز المالية للشركات ذات الدرجة الاستثمارية قوية بصورة استثنائية، مع انخفاض ديونها وارتفاع السيولة لديها مقارنة بمستوياتها المعتادة تاريخياً. ويضع ذلك الشركات في موقف أقوى يجعلها قادرة على تجاوز أي تباطؤ محتمل في الاقتصاد العام القادم.
قال مات بريل الذي يعمل رئيساً لقطاع الاستثمار في سندات الدرجة الاستثمارية في أمريكا الشمالية لدى شركة "إنفسكو" (Invesco) التي تدير أصولاً بقيمة 1.6 تريليون دولار: "أوضاع الشركات جيدة فعلاً. وحتى إذا تباطأ الاقتصاد مع رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة باستمرار، نعتقد أن أوضاع الشركات في حالة جيدة جداً، بحيث تستطيع التعامل مع ذلك، وأنا متفائل جداً حتى أننا ينبغي أن نتعامل على الأقل في إطار نطاق الدعم والمقاومة بالنسبة لفروق العائد في عام 2022".
يعتقد بنك "جيه بي مورغان تشيز" أن أداء السندات قد يصبح أفضل من مجرد البقاء في النطاق الحالي، ويرى البنك أن فروق العائد قد تتجه نحو أضيق نطاق شهدته في تاريخها. وكتب استراتيجيو البنك بقيادة إريك بينستاين أن العوامل الإيجابية المؤثرة على هامش العائد في السندات، تشمل ارتفاع معدل النمو الاقتصادي، وزيادة العائد على سندات الخزانة التي ستعزز الطلب، وتوقعات انخفاض المعروض من السندات.
لا يتبنى كل المحللين تلك النظرة المتفائلة بشأن الأداء في المدى القريب. إذ أن استراتيجيي "دويتشه بنك" يتوقعون اتساعاً كبيراً في فروق العائد بما يتراوح بين 30 إلى 40 نقطة أساس في النصف الأول من العام، ورغم ذلك فإنهم يتوقعون انتعاشاً في النصف الثاني من العام يعود بفروق العائد إلى مستوياتها الحالية.
طالع المزيد: ثقة أسواق السندات في الاحتياطي الفيدرالي تواجه أكبر اختبار منذ 40 عاماً
توقعات العرض
يرجح أن يكون كثير من السندات التي ستبيعها الشركات في العام القادم مرتبطة بعمليات الاستحواذ. ويقول بنك "دويتشه" إن هناك نحو 140 مليار دولار إلى 145 مليار دولار من السندات تمول عمليات الاندماج والاستحواذ التي يمكن أن نشهدها في عام 2022، وهي تزيد عن ضعف مستواها في السنة الماضية.
تتوقع بنوك أخرى أيضاً زيادة الديون المرتبطة بعمليات الاستحواذ. كذلك لدى كثير من الشركات التي تتمتع بدرجة تقييم استثمارية مستويات من السيولة النقدية قد تحاول استثمارها في شراء شركات أخرى.
قالت ميغان غرابر، رئيسة قطاع الاستثمار في سندات الدرجة الاستثمارية بالولايات المتحدة لدى بنك "باركليز": "إن عمليات الاندماج والاستحواذ قصة كبيرة بالنسبة للعام القادم. والسؤال المطروح هو كم عدد عمليات الاندماج والاستحواذ المقررة ومازالت تحت التنفيذ ممولة بالديون، وكم منها بتمويل نقدي. هناك الكثير من الصناديق الممتلئة بالأموال التي يجب إنفاقها".
طالع المزيد: تقلبات حادة تصدم مستثمري السندات بعد "أوميكرون" وتصريحات "باول" حول التضخم
ارتفاع معدل التضخم
مع ارتفاع معدل التضخم بوتيرة هي الأسرع منذ عقود، سيبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي العام الجديد بوقف اعتماد الأسواق على السياسة النقدية التيسيرية بشكل استثنائي التي اعتادت عليها على مدى العقد الماضي.
قد تكون سياسة البنك المركزي أكبر خطر يواجه أسواق الائتمان في السنة القادمة، كما يقول المستثمرون. فإذا تسارعت وتيرة رفع أسعار الفائدة حتى تتجاوز ما تم تبليغه بالفعل بهدف مواجهة التضخم، يمكن أن يتعرض الاستثمار في الديون طويلة الأجل ذات التصنيف الاستثماري المرتفع إلى خسائر كبيرة، وهي الديون التي تتسم بالحساسية تجاه زيادة العوائد.
يقول جين تانوزو، رئيس الاستثمار في أوراق الدخل الثابت عالمياً لدى شركة إدارة الأصول "كولومبيا ثريد نيدل إنفستمنتس" (Columbia Threadneedle Investments): "هي بالتأكيد بيئة تتغير فيها السياسة النقدية، وينشأ عن ذلك الكثير من الرياح المعاكسة بالنسبة إلى أسواق أوراق الدخل الثابت. إن انحسار عمليات التحفيز النقدي واقتران ذلك بارتفاع التقييمات عند بداية التداول يتطلب نهجاً انتقائياً في أسواق الدخل الثابت في عام 2022".