الأسعار الباهظة لعدد من العملات الرقمية التي انطلقت كمحاكاة ساخرة للعملة المشفّرة، والإعلانات التجارية لمنصات تداول يقودها مشاهير، والهوس بالرموز غير القابلة للاستبدال الذي يجذب أسماء شهيرة من أمثال السيدة الأولى السابقة ميلانيا ترمب، تشير كلها إلى أن سوق العملات المشفّرة ما زالت تنبض بالسلوكيات المحمومة، حتى بعد تراجعها الشهر الماضي.
اقرأ أيضاً: ميلانيا ترمب تدخل عالم الأصول المشفرة وتطلق رمزاً غير قابل للاستبدال
مع ذلك، تتزايد الدلائل في الآونة الأخيرة على احتمالية اتجاه العملات المشفّرة نحو عمليات بيع قاطعة، وقد يؤدي التحوّل المتشدّد في قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء إلى تسريع هذه العمليات.
إحدى الإشارات الدالة على ذلك هي بدء تراجع أحجام تداول العملات المشفّرة والرموز غير القابلة للاستبدال بعد الزيادات الحادّة في الطفرة المتكافئة. وأعلنت كل من شركة "بلوك"(Block )، التي تركّز على التشفير والمعروفة سابقاً باسم "سكوير" (Square)، و"كوين بيس غلوبال" (Coinbase Global)، في نتائج الربع الأخير عن انخفاض عائدات تداول العملات الرقمية بشكل يفوق توقعات السوق، بعد تباطؤ المعاملات على منصتيهما. في الوقت ذاته، انخفضت القيمة الإجمالية للرموز غير القابلة للاستبدال المتداولة في الأسواق منذ أن سجّلت أعلى مستوياتها في شهر أغسطس.
اقرأ المزيد: العملات المشفرة ليست مثالية للتحوط في مواجهة التضخم
تشير نظرية "الأحمق الأكبر" إلى أنه من الجيد شراء الأصول المُبالَغ في تقييمها، ما دام يمكن بيعها بسعر أعلى. لكن تراجع نشاط التداول يشير إلى أن أسواق العملات المشفّرة تنفد من "الحمقى الكبار". كما يمكن أن يسود فقدان الثقة بين المستثمرين بسرعة أكبر، لأن الغالبية العظمى من العملات المشفّرة والرموز غير القابلة للاستبدال ليست لها فائدة حقيقية، وتُستخدم في المقام الأول للتداول القائم على المضاربة.
الاحتياطي الفيدرالي يغيّر المسار
ضخّت الحكومة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي تريليونات الدولارات في الاقتصاد خلال جائحة كوفيد-19 من خلال الحِزَم التحفيزية النقدية والمالية. تدفّق بعض هذه الأموال في النهاية إلى أصول بديلة محفوفة بالمخاطر، مثل العملات المشفّرة والرموز غير القابلة للاستبدال، لكن نظراً إلى التقليص التدريجي في الحِزَم من قِبل الاحتياطي الفيدرالي فقد تكون الأصول المشفّرة من أوائل الأصول التي ستتلاشى.
سجّلت أسعار المستهلك في الولايات المتحدة أكبر ارتفاع شهريّ لها منذ عقود مؤخراً، وأدت بيانات تضخم شهر أكتوبر، الصادرة بتاريخ 10 نوفمبر، إلى عمليات بيع لعملة "بيتكوين" بعدما بدأ المتداولون في توقُّع وقف الاحتياطي الفيدرالي السيولة لإبطاء التضخم. وانخفضت العملة المشفّرة الأصلية حالياً بنسبة 30% تقريباً من ذروتها في أوائل شهر نوفمبر، وواصلت "بيتكوين" انخفاضها يوم الخميس بعدما أعلن الاحتياطي الفيدرالي في اليوم السابق عن إنهاء برنامج شراء الأصول في وقت أقرب مما كان منتظراً، وتوقَّع كذلك رفع أسعار الفائدة خلال العام المقبل.
لعنة حقوق تسمية الملاعب الرياضية
قد لا تكون هناك علامة دالة على اقتراب ظهور المشكلات أفضل من تلك القائمة على دفع الشركات مبالغ ضخمة مقابل حقوق تسمية الملاعب الرياضية.
أعلنت شركة "إينرون" (Enron) منذ أكثر من عقدين عن صفقة مدتها 30 عاماً وبقيمة 100 مليون دولار لإلحاق اسمها بملعب "هيوستن أستروس" (Houston Astros) لكرة السلة. بعد ذلك بوقت قصير، وقّعت شركة "سي إم جي آي" (CMGI) للإنترنت صفقة بقيمة 114 مليون دولار لتسمية ملعب "نيو إينغلاند باتريوتس" (England Patriots). مع ذلك سرعان ما انهارت الشركتان بعد تلك الصفقات.
يبدو أننا اليوم في الموقف ذاته مرة أخرى، ففي الشهر الماضي وقّعت منصة التداول، "كريبتو دوت كوم" (Crypto.com)، التي لا يتجاوز عمرها 5 سنوات، صفقة مدتها 20 عاماً لإلحاق اسمها بـ"ستابيلز سنتر" (Staples Center)، المركز الرياضي والترفيهي في لوس أنجلوس مقابل 700 مليون دولار. وفي وقت سابق من هذا العام حصلت شركة التشفير الشابة وسريعة النمو الأخرى "إف تي إكس" (FTX) على حقوق التسمية في ساحة "ميامي هيت" (فريق كرة السلة الأمريكي).
على الأرجح، سيبدو الهوس الحالي حول العملات المشفّرة والرموز غير القابلة للاستبدال غريباً بعد فوات الأوان، مثلما كانت صفقات الملاعب تلك في الحقبة السابقة. يميل بعض الناس إلى النظر إلى سوق العملات المشفّرة على أنه وسيلة تسلية، ولكن الأمر ليس مضحكاً. عندما تنتهي جاذبية المرحلة فإن قلة مختارة ستجني كثيراً من الأموال، فيما سيرى عديد من المستثمرين الآخرين تبخّر قيمة ممتلكاتهم المشفّرة. لذلك اعتبر أنني حذّرتك من الأمر.