بلومبرغ
كانت التقلبات التي ضربت أسهم "ديدي غلوبال" يوم الجمعة استثنائية، حتى وفق المقاييس المتذبذبة لأسهم الصين.
خلال ساعات قليلة فقط، انقلبت المكاسب التي حققتها أسهم الشركة العملاقة في مجال خدمة استدعاء الركاب لسيارات الأجرة البالغة 16% إلى خسائر بواقع 12%، قبيل الارتداد لأعلى لتحقيق مكاسب، ثم هبطت مجدداً. وكان كل هذا قبيل جرس افتتاح جلسة التداول في بورصة نيويورك.
مع نهاية اليوم، تراجعت أسهم "ديدي" بـ 22%، لتشعل فتيل خسائر أسهم الشركات الصينية المتداولة في الولايات المتحدة والتي فاقت التريليون دولار منذ فبراير الماضي.
تكشف جولة يوم الجمعة الموجعة - التي انطلقت عقب إعلان "ديدي" عن خطط لنقل إدراجها من بورصة نيويورك إلى هونغ كونغ عقب مرور 5 شهور فقط من طرحها الأولي هناك - كيف أن الرهان على أسهم الشركات الصينية شديد الخطورة مستمر لأكثر من عام من خلال حملة الإجراءات التنظيمية الصارمة التي يشنها الرئيس الصيني شي جين بينغ الرامية لإعادة هيكلة قطاع التكنولوجيا بجانب أمور كثيرة في أكبر اقتصاد في آسيا.
الأولوية
بينما باتت مخططات رؤية الرئيس شي واضحة أكثر مقارنة بما كان عليه الحال في نوفمبر، إلا أن العالم ما زالت تغيب عنه تفاصيل السياسة التي من الممكن أن تكون حيوية لمستقبل أكبر الشركات الصينية المتداولة في البورصة. تتوالد آمال في أن إعلان "ديدي" ربما يعطي مؤشراً على نقطة تحول في حملة الإجراءات الحكومية، التي تلاشت بطريقة سريعة، في الوقت الذي ترك فيه البيان الصادر عن الشركة، ذي الـ 127 كلمة، المستثمرين يتساءلون كيف سيؤدي شطب الأسهم من بورصة نيويورك بالغرض المطلوب.
بات أهم سؤال حالياً متعلق بأسهم الشركات الصينية: ما مدى الألم الذي سيتسبب فيه شي للمستثمرين أثناء إحكام قبضته على شركات القطاع الخاص الغنية بالبيانات، في ظل سعيه لجعل اقتصاد الصين أكثر عدلاً؟ قد تكون الحقيقة الواحدة المثبتة هي أن مصالح المساهمين تتراجع للخلف مقارنة بمصالح الحزب الشيوعي.
اعتبر جو رونغ ياب، وهو خبير استراتيجي في السوق لدى "أي جي أشيا" (IG Asia)، المصاعب التي تواجهها شركة "ديدي" تأتي "بمثابة رسالة تذكيرية بالمخاطر التنظيمية المحدقة بأسهم الشركات الصينية".
رؤى إيجابية
كان الهبوط السريع، الذي أسفر عن تراجع مؤشر "ناسداك غولدن دراغون لشركات الصين" لأدنى مستوياته منذ سنة 2008 يوم الجمعة الماضية، موجعاً بصفة خاصة لشركات إدارة الثروات ومحللي وول ستريت الذين تحولت نظرتهم إيجابياً لأسهم الشركات الصينية خلال الأسابيع الأخيرة. وتحولت رؤى مؤسسات "إتش إس بي سي" القابضة و"نومورا" القابضة ومجموعة "يو بي إس" إلى التفاؤل في شهر أكتوبر الماضي، مستندين إلى التقييمات الرخيصة وتراجع حدة الخوف من الإجراءات التنظيمية في بكين. كما كانت "بلاك روك" و"فيديليتي إنترناشيونال" من بين شركات إدارة الأصول الكبرى التي تبنت حججاً مشابهة.
جاءت خطة شطب أسهم "ديدي" بناء على إلحاح من بكين، التي رفضت الطرح العام الأولي للشركة في بورصة نيويورك جراء مخاوف تتعلق بوجود احتمال لتسريب بيانات ذات حساسية للسلطات في الولايات المتحدة، وهي المنافس الجيوسياسي الأساسي للصين، بحسب مصادر مطلعة على الأمر.
مفاجآت تنظيمية
في حين قالت "ديدي" في بيان لها إنه سيتم السماح للمستثمرين الحاليين بنقل حصصهم إلى أسهم جديدة متداولة بالبورصة، إلا أنها طرحت تفاصيل محدودة بخصوص آليات تحويل الإدراج والآثار المحتملة لذلك على حاملي الأسهم. لم يرد ممثل لشركة "ديدي" يوم الجمعة على طلب للتعليق.
تناسب هذه القصة الملحمية نمط مفاجآت الجهات التنظيمية السائد منذ شهر نوفمبر الماضي، عندما دمرت بكين الطرح العام الأولي الهائل لمجموعة "آنت غروب" المملوكة لجاك ما، وذلك قبل أيام من الموعد المقرر لبدء التداول. أوضح شي أن أولويات الحزب الشيوعي – التي تتضمن أمن البيانات، وتشديد الرقابة على عمالقة شركات التكنولوجيا، وتوزيع للثروة أكثر عدلاً في إطار مبدأ "الازدهار المشترك" – تأتي في الصدارة قبل معاملة المستثمرين المحليين والدوليين. تدلل عمليات شطب أسهم "ديدي" أن شي بات يتمتع بثقة أكبر في قدرته على تحقيق أهدافه دون الحصول على مساعدة من قبل أسواق رأس المال الأمريكية.
يحتج المتفائلون بأن الكثير من هذه الإجراءات تم تسعيرها فعلاً. تعد مجموعة "علي بابا" القابضة أحد الأمثلة على كيفية انهيار تقييمات أسعار الأسهم؛ حيث تتداول أسهم عملاق التجارة الإلكترونية عند أدنى مستوياتها على الإطلاق بمكرر ربحية بلغ 13 ضعفاً للشهور الـ 12 القادمة، مقارنة بـ 30 مرة في العام الماضي. انقلبت علاوة فارق السعر البالغة 20% مقارنة بسهم "ميتا بلاتفورمس" -وهي الشركة الأم لشركة "فيسبوك" -إلى خصم بنسبة 34%، بحسب بيانات جمعتها بلومبرغ.
"أدى الركود إلى خلق فرص شراء للمستثمر طويل الأجل"، بحسب سام لو كورنو، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "ستونهورن غلوبال بارتنرز" ( Stonehorn Global Partners)، التي زادت مراكزها في أسهم "علي بابا". بيد أن لو كورنو حذر أيضاً يوم الجمعة خلال مقابلة أجراها مع تلفزيون بلومبرغ من أنه على الأرجح سيكون المستقبل صعباً على قطاع التكنولوجيا في الصين.
ذكرت مصادر مطلعة على الموضوع أن "ديدي" تستهدف التقدم بملفها للإدراج في بورصة هونغ كونغ في مارس المقبل. ستكون العملية مريعة، حيث سيتوجب أيضاً على الإدارة، بعيداً عن الأمور اللوجستية الفنية الخاصة بوضع سعر عادل للسهم، التصدي للدعاوى القضائية المحتملة.
رحلة مروعة
على الناحية الأخرى، ليس هناك ما يضمن موافقة بورصة هونغ كونغ على خطة الطرح. كان الدافع الأساسي لإتباع "ديدي" نهج الطرح في بورصة نيويورك يعتمد جزئياً على إصرار الجهات التنظيمية في هونغ كونغ على أن تحصل من الشركة على إثبات بأن أعمالها قانونية - وهو الطلب الذي كان من الصعب تلبيته في ظل أن كثير من سائقي الشركة مازالوا يعملون بدون ترخيص.
وعلى نطاق أوسع، بدأت بعض المؤشرات على تبدد مخاطر الحملة التنظيمية المحدقة بالشركات الصينية. ترددت أقاويل عن وضع بكين لوائح خاصة لفرض حظر بطريقة فعالة على طرح الشركات لأسهمها للاكتتاب العام في أسواق الأوراق المالية الأجنبية من خلال هيكل مؤسسات ذات فائدة متغيرة، في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة الأمريكية بذل الجهود لاستبعاد الشركات الصينية من البورصات الأمريكية نظراً لعدم امتثالها لمتطلبات الإفصاح المفروضة من قبل واشنطن.
تشمل الأمور المحتملة المنتظر حدوثها، فرض حزمة أخيرة من العقوبات التنظيمية ضد "ديدي"، وإعادة هيكلة مجموعة "آنت"، وعرض تفاصيل خطة الرئيس شي الأساسية لإحكام قبضة الحكومة على البيانات الضخمة، ونتائج التحقيق الشامل في جرائم فساد داخل قطاع التمويل الصيني، وصدور لوائح حديثة تتعلق بنوادي القمار في منطقة ماكاو ومصير شركات التطوير العقاري المثقلة بالديون على غرار مجموعة "إيفرغراند".
قال لو كورنو: "يتوجه رأس المال حيث تتوافر الثقة". تابع: "إذا واصلت إضافة المزيد من الغيوم حول البيئة التنظيمية، فلن يشتري المستثمرون تلك الأسهم".