بلومبرغ
أصبح حاملو السندات أكثر استعداداً لأن يحصلوا على أقل من لاشيء في سوق السندات بالولايات المتحدة.
مع توقعات زيادة التضخم وانخفاض أسعار الفائدة الاسمية الأسبوع الحالي، انخفضت العوائد الحقيقية على الأوراق المالية للحكومة الأمريكية إلى مستوى أعمق دون الصفر قبيل إعلان آخر قراءة لمؤشر أسعار المستهلك اليوم الأربعاء.
انخفض العائد على سندات الخزانة المحمية من التضخم استحقاق 30 عاماً، وهو مؤشر على معدل العائد الحقيقي على مدى العقود الثلاثة التالية، إلى مستوى قياسي جديد يبلغ نحو 0.60% سالبة.
هذا الانخفاض يشير عادة إلى أن أسواق السندات تسودها حالة عميقة من التشاؤم بشأن نمو الاقتصاد، متوقعة أن تباطؤ الاقتصاد سيؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة في السنوات المقبلة.
غير أن تحركات أسواق السندات الكبرى في العالم حالياً تتحدى هذه التوقعات المباشرة بينما تخرج الولايات المتحدة من أسوأ الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا.
قال المحللون أيضاً إن انخفاض العوائد الحقيقية يعكس عوامل أخرى، مثل قيام المتعاملين بإعادة هيكلة محافظهم، ومخاوف لدى بعض الأوساط من إمكانية أن يصبح ارتفاع معدل التضخم سمة دائمة للاقتصاد.
مخاوف التضخم
قال جيروم شنيدر، رئيس إدارة المحافظ قصيرة الأجل والتمويل لدى شركة "باسيفيك لإدارة الاستثمار" إن موجات الانخفاض في العوائد الحقيقية ناتجة في الحقيقة عن المبالغة في توقعات التضخم.
أضاف شنيدر: "في النهاية، إذا كنت تعتقد أن العوائد الحقيقية جاذبة عند هذه النقطة، فإن ذلك يعني أنك ترى أن معدل التضخم طويل الأمد سيظل مرتفعاً".
لا يشارك شنيدر الآخرين هذا الرأي، وهو يتوقع أن ارتفاع أسعار المستهلك ستبدأ في التراجع بالربع الأول من العام القادم.
وأضاف: "أسعار الفائدة الحقيقية لن تعود سلبية مثلما هي الآن مع تحرك معدل التضخم إلى المنطقة التي يتقبلها ويرتاح إليها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي".
غير أن أسواق السندات حتى الآن تراهن على مخاطرارتفاع التضخم، لا على انخفاضه. وهبط العائد على سندات الخزانة المحمية من التضخم استحقاق 10 سنوات إلى نحو سالب 1.2%، وهو ما أدى إلى اتساع الفجوة بينه وبين العائد على سندات الخزانة العادية استحقاق 10 سنوات. هذا الفارق، وهو مؤشر على توقعات التضخم يعرف باسم عائد التعادل، اتسع إلى 2.64%، مرتفعاً من نحو 2% فقط في أوائل يناير الماضي.
قالت سوبادرا راجابا، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأمريكية لدى بنك "سوسيتيه جنرال"، إن الولايات المتحدة لا تنفرد بأسعار الفائدة الحقيقية السلبية، مشيرة إلى أن العوائد الحقيقية على سندات المملكة المتحدة استحقاق 10 سنوات انخفضت إلى أدنى مستوى قياسي، وانخفض العائد الحقيقي على سندات أستراليا استحقاق 10 سنوات بمقدار ثمان نقاط أساس يوم الأربعاء في سيدني إلى سالب 0.4%، بعد أن تحول إلى إيجابي لفترة قصيرة في نهاية أكتوبر الماضي.
رغم ذلك، يقول المحللون إن هذه العوائد تفاقمت في الولايات المتحدة بسبب عمليات شراء بنك الاحتياطي الفيدرالي سندات الخزانة منذ بداية الجائحة، رغم أن ذلك العامل سينحسر تأثيره مع تخفيض البنك المركزي عمليات شراء السندات.
غاري زيغيو، رئيس قطاع الدخل الثابت لدى شركة "سي آي بي سي لإدارة الثروات الخاصة"، من بين من يرون أن انخفاض عوائد سندات الخزانة المحمية من التضخم (TIPS) وراءه خليط من العوامل المؤثرة، مؤكداً أنه يصعب أن تحدد "فكرة واحدة شاملة".
قال زيغيو، الذي تدير شركته أصولاً بقيمة 96 مليار دولار تقريباً: "هناك رسالة سلبية، فرصة ضعيفة للنمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم، الذي يبتلع أي نسبة عائد اسمي تظهر في سوق السندات".
مصير جيروم باول
انضمت عوائد سندات الخزانة التقليدية إلى مسيرة الهبوط منذ الأسبوع الماضي، جزئياً بسبب تخلي المتعاملين عن رهاناتهم قصيرة الأجل وسط تخمينات بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يتخذ موقفاً مغايراً وأقل تشدداً لو أن الرئيس جو بايدن قام بتغيير رئيسه جيروم باول.
قد تؤتي المراهنة على سندات الخزانة المحمية من التضخم ثمارها، إذا تجاوز معدل التضخم التوقعات الحالية في السوق.
فإذا حدث ذلك، حتى المتعاملين الذين قاموا بشرائها عند أسعار العائد السلبية حالياً سيحققون أرباحاً منها. فهذه الأوراق تقدم أيضاً حداً أدنى من مدفوعات الكوبونات خلال مدة السند.
غير أن توم بورسيللي، اقتصادي أول الولايات المتحدة لدى شركة "آر بي سي لأسواق رأس المال"، قال إن الإشارة القادمة من مشتري السندات غامضة ولا تنسجم مع توقعاته بالنسبة للنمو ومعدل التضخم.
قال بوسيللي: "لا يمكن أن تكون هذه الرسالة انعكاساً لأرقام النمو، لأن النمو الاقتصادي قوي جداً، وسيستمر كذلك في سنة 2022 وليس للعام الحالي فقط. فهل تتعلق هذه الرسالة بالتضخم؟ إن التضخم سيتباطأ، لاريب في ذلك، وهكذا لا أعرف ماذا سيتبقى لدينا – وهذه هي المشكلة".