بلومبرغ
عندما كان "هوي كا يان" يجول حول العالم على متن طائرة خاصة، ويتنقل بين القصور والمجوهرات في ذروة العصر الذهبي في الصين، لم يكن أسلوب حياته الفخم بارزاً وسط مجموعة المليارديرات المزدهرة في البلاد.
و بعد أن اهتزت إمبراطورية العقارات الخاصة بمؤسس شركة "إيفرغراند" الصينية، وأصبحت على حافة التخلف عن سداد التزاماتها؛ أصبحت ثروته الشخصية في مرمى الحكومة الصينية بشكل مباشر.
توزيعات ضخمة
تطالب السلطات في بكين هوي بالحد من الأزمة باستخدام ثروته الخاصة في الوقت الذي تعاني فيه "إيفرغراند" من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، والمورِّدين، وأصحاب المنازل.
وبحسب مصادر مطلعة على الأمر، جاء طلب الحكومة بعد سداد "إيفرغراند" الفائدة المستحقة على أحد سنداتها المقوَّمة بالدولار قبل الموعد النهائي الأولي في 23 سبتمبر.
يلفت الطلب الحكومي الانتباه لسؤال يصعب الإجابة عليه، وهو ما مقدار الثروة التي يمتلكها هوي؟ قد يساعد هذا المبلغ -برغم احتمال أن يكون جزءاً صغيراً من مطلوبات "إيفرغراند" التي تزيد على 300 مليار دولار- في تحديد مدى خطورة الأزمة التي أزعجت سوق الائتمان الصيني، وقوَّضت الثقة في قطاع العقارات الذي يمثل حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
يقدِّر "مؤشر بلومبرغ للمليارديرات" ثروة هوي بقيمة 7.6 مليار دولار متراجعة من 42 مليار دولار عندما سجلت أعلى مستوياتها في عام 2017.
وفي الوقت الذي انخفضت قيمة حصته في "إيفرغراند" بأكثر من 80% هذا العام؛ نجد أنَّ هوي قد تلقى أكثر من 7 مليارات دولار من التوزيعات النقدية للشركة منذ بدء التداول على أسهمها في عام 2009 في أكبر حصيلة لتوزيعات نقدية يحصل عليها رجل أعمال من بين 82 رجل أعمال صيني تتبعهم "بلومبرغ".
تمويل الشركة من ثروة "هوي"
قد تكون مسألة المكان الذي تدفَّقت فيه الثروة الشخصية للملياردير هوي عاملاً حاسماً الآن، فيما إذا كانت شركته لديها القدرة على الاستمرار في سداد الديون على المدى القريب.
ولن يكون هوي أول قطب عقارات صيني يموِّل شركته عند الحاجة لذلك؛ فقد ارتفع سهم شركة "قوانغتشو أر أند إف العقارية" الشهر الماضي بعد تعهد كبار مساهمي الشركة بتمويلها بمليار دولار.
برغم دفع "إيفرغراند" الفوائد التي تبلغ قيمتها 83.5 مليون دولار لحاملي السندات الدولية الأسبوع الماضي قبل أجل الاستحقاق؛ لكن الشركة تواجه مشكلة في جمع الأموال عن طريق بيع الأصول، أو المؤسسات المالية، أو الأصدقاء الأثرياء.
أظهر إفصاح للشركة في وقت سابق من هذا الشهر أنَّ هوي خصص 500 مليون سهم في "إيفرغراند" -ما يعادل نحو 5% من حصته في الشركة- إلى كيانٍ ليس بنكاً، أو شركة مالية.
كما تعهد أحد شركائه في وقت لاحق بتخصيص منزل في هونغ كونغ كضمان للحصول على القرض، والذي تقدِّر وسائل الإعلام المحلية قيمة المنزل بما يصل إلى 38.6 مليون دولار.
الصين تخرج عن صمتها وتقول إن مخاطر "إيفرغراند" المتعثرة "يمكن السيطرة عليها"
"أوراق بنما"
تتركَّز العديد من أصول هوي في شركات مجموعة "إيفرغراند"، أو شركات وهمية في الخارج ضمن تكتيك شائع يتبعه الأثرياء حول العالم لحماية الأصول بشكل قانوني، بعيداً عن يد الدائنين، وسلطات الضرائب، والتدقيق العام. وكان هوي أحد أباطرة المال الآسيويين الذين ظهروا في أوراق "بنما" في عام 2016.
يسيطر هوي وزوجته على 77% من أسهم "إيفرغراند"، وأغلبها بطريقة غير مباشرة عن طريق شركة "شين شين"، ومقرّها جزر فيرجن البريطانية، وفقاً لإفصاح في "بورصة هونغ كونغ" هذا الشهر.
واشترى هوي قصراً بقيمة 30 مليون دولار في سيدني عام 2014 باستخدام سلسلة من شركات وهمية في صفقات متتالية، من بينها شركة باسم "غولدن فاست فوودز".
كانت أستراليا قد أجبرت هوي في وقت لاحق على بيع أحد العقارات التي اشتراها، لأنَّ الصفقة انتهكت قواعد الاستثمار الأجنبي.
لم يرد هوي على الفور على طلب للتعليق الذي تم إرساله إلى "إيفرغراند".
تشديدات حكومية على الشركات
قال مسؤولون من "اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح"، وإدارة الدولة للنقد الأجنبي للمطوِّرين في اجتماع في بكين يوم الثلاثاء الماضي، إنَّه يتعين عليهم سداد المدفوعات في الوقت المحدد قدر الإمكان، بحسب مصادر مطلعة على الأمر، مما يزيد الضغط على الشركات.
يعد مؤسس "إيفرغراند" أحدث أقطاب الإنفاق الضخم الذي يواجه تدقيقاً شديداً من بكين في إطار حملة الرئيس شي جين بينغ "الرخاء المشترك".
قال أليكس باييت الرئيس التنفيذي لمجموعة "كيرشيوس غروب" الاستشارية ومقرّها مونتريال، إنَّ التركيز على إسراف الملياردير يعكس قضية تدخل الحزب الحاكم في الشركات الصينية.
تصاعد نفوذ "هوي"
ولد هوي في مقاطعة خنان بوسط الصين عام 1958، وفقد والدته عندما كان رضيعاً، لكنَّه نجح في التخلص من الفقر عن طريق التعليم. إذ تخرَّج في "جامعة ووهان للعلوم والتكنولوجيا" في عام 1982 بالتزامن مع الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته الصين في ذلك الوقت، وقد أسس "إيفرغراند" عام 1996 بعد فترة عمل في شركة للصلب.
قام هوي ببناء شركته لتصبح واحدة من أكبر مطوري العقارات في الصين من خلال إصدار سندات، والتوسع مؤخراً في إدارة الممتلكات والسيارات الكهربائية. ويمتلك هوي أعمالاً في قطاعات متنوعة تتراوح من فرق كرة القدم والكرة الطائرة إلى المياه المعدنية، والترفيه عبر الإنترنت، وإدارة الثروات، والتأمين.
مع تنامي نفوذه، ضَمن هوي توافق أولوياته التجارية مع أولويات "الحزب الشيوعي الصيني" بعدما شغل منصب عضو "اللجنة الاستشارية السياسية" في الحزب، والتي تهتم بتقديم المشورة للحكومة بشأن السياسة، وقد روَّج هوي لشركته بنجاحها في خلق ملايين الوظائف، ودفع ضرائب بمليارات اليوان.
و صنَّفته "مجلة فوربس" كأفضل فاعل خير في الصين، كما تم اختياره من بين 100 رائد أعمال بارز في البلاد عام 2018.
قال ديزموند شوم مؤلف كتاب "الروليت الأحمر" الذي يتضمن وصف أيام الذهاب في الصين للباحثين عن الثروة في التسعينيات، إنَّ هوي قد اصطحبه ذات مرة للتسوق من أجل شراء يخت فاخر قبالة الساحل الجنوبي في فرنسا.
وكتب شوم، أنَّ هوي أراد أن يكون له "قصر عائم حيث يلتقي المسؤولين لتناول النبيذ والعشاء قبالة سواحل الصين بعيداً عن أعين المتطفلين لشرطة مكافحة الفساد في الصين، ومصوريها الناشئين".
وأضاف شوم، أنَّ هوي اشترى خاتمين مقابل مليون دولار لمجرد نزوة فقط، كما أنَّه اعتمد على التبذير في شراء سلع باهظة الثمن لجذب انتباه المسؤولين.
وحصل هوي في عام 2012 على لقب "شقيق الحزام" بعد أن تم تصويره وهو يرتدي حزام "هيرميس" لحضور اجتماع "الهيئة الاستشارية الحكومية" في بكين.
ومع تغير الزمن؛ كتب هوي في رسالة للموظفين الشهر الماضي، "ما يزال لدي أمل في المستقبل، أعتقد أنَّ إيفرغراند يمكنها الخروج من أحلك ساعة من خلال جهود إدارتنا وموظفينا، وسوف نحافظ على روح الفريق ضد كل المصاعب، ونبذل قصارى جهدنا للوفاء بمسؤولياتنا الاجتماعية".