بلومبرغ
يتم حالياً طرد مربي وتجار الماشية ورعاة البقر، المعروفين باسم الـ "غاوتشو"، من العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، الذين كانوا دائماً شخصيات بارزة في بلاد لطالما كان شواء اللحم فيها طقساً مقدساً.
من المقرر انعقاد المزاد الأخير لسوق الماشية، "ميركادو دي لينيرز" Mercado de Liniers، في شهر ديسمبر القادم، بحضور حشد واسع وحزين نتيجة إغلاق السوق الشاسعة، والتي تم بناؤها في العام 1901. ستحل منشأة جديدة محل السوق في سهول البامبا، جنوب غرب المدينة، إيذاناً بنهاية حقبة تاريخية.
يقول إسماعيل فريتشيرو، مشتري ماشية كان يتجول في حظائر سوق "لينيرز" منذ خمسة عقود: "الأمر كله عاطفي للغاية".
لكن الواقع يقول إن وقت السوق في المدينة قد انتهى، فبين أكوام السماد الضخمة والحوادث المُروّعة التي تسببت فيها شاحنات نقل الماشية العابرة في الشوارع الضيقة، تصاعدت التوترات مع سكان المدن، بل ووصلت إلى درجة الغليان في إحدى الأمسيات الأخيرة، عندما أجبرت الحشود الجائعة سائقاً على ترك بقرة، وشرعوا في ذبحها مباشرة في الشارع.
يقول بابلو بلاسكو، سمسار الماشية البالغ من العمر 45 عاماً: "لقد انتهى بنا المطاف في مكان لا يُفترض بنا أن نكون فيه".
لم يكن من المفترض أن يتواجد "لينيرز" في بوينس آيرس، فقد كان خارج حدود المدينة وقت بنائه، لكن الزحف العمراني سرعان ما اجتاحها. وظهرت الدعوات لإغلاقه لأول مرة خلال التسعينيات، لتبدأ بعدها عملية بطيئة وملتوية، شابتها انتكاسة تلو الأخرى.
اقرأ أيضا: الأرجنتين تستغل خلاف أستراليا والصين لزيادة صادراتها من القمح والشعير
ويأمل المسؤولون عن إدارة السوق في أن يساعد الانتقال إلى مدينة "كانيولاس" في انطلاق الأعمال التجارية سريعاً، وبدأ العديد من مربي الماشية في عقد صفقات مباشرة مع المسالخ لتجنّب دفع الرسوم الباهظة المطلوبة لإرسال ماشيتهم في الطريق الطويل إلى المدينة. مع ذلك، يعتبر "لينيرز" حتى اليوم سوق الماشية المهيمنة في البلاد، التي لا تزال، رغم الانخفاضات الأخيرة، من كبار المستهلكين والمُصدّرين الرئيسيين للحوم البقر. وتشهد حلبة المزاد بيع حوالي 8000 بقرة في يوم عادٍ.
أما المنشأة الجديدة، التي ستكون عبارة عن المبنى البرّاق الذي يضم مزرعة حديثة لتربية الماشية بتكلفة 20 مليون دولار، فتبدو وكأنها بعيدة كلياً عن العالم القديم.
في سوق "لينيرز"، حُفرت حظائر الماشية من الخشب وصُنعت الأرضيات من الطين على عكس "كانيولاس" المصنوع كلياً من الصلب والطوب. كما سيتم توثيق المعاملات رقمياً في "كانيولاس" بينما كانت يتم تدوينها بالورقة والقلم في "لينيرز".
إلى جانب ذلك، يضع "كانيولاس" إرشادات سلامة جديدة لكل من التجار ورعاة البقر، "الـغاوتشو"، على ظهور الخيول، إذ يتعين عليهم ارتداء الخوذات والأحذية الثقيلة، بدلاً من القبعات القطنية والأحذية الناعمة التقليدية سهلة الارتداء والمصنوعة من القماش.
ويمنح "فريتشيرو"، البالغ من العمر 70 عاماً، نفسه القوة لتقبّل هذه الخطوة، بقوله:
"تخيل ذلك فقط؛ جاء الناس وهم أطفال، ثم ذهبوا لتأدية الخدمة العسكرية، وعادوا إلى السوق. لقد تزوجوا أثناء عملهم هنا ولديهم أسر. لكن.. علينا أن نتكيّف".