بلومبرغ
عزز الارتفاع القياسي في أسعار السلع من مخاوف المستثمرين من أن التضخم قد يقلب رأساً على عقب فترة الهدوء النسبي التي تشهدها العديد من الأسواق.
ضربت موجة بيع الأسهم العالمية لليوم الثاني يوم الثلاثاء في الوقت الذي قفز فيه مؤشر "بلومبرغ" للسلع لأعلى مستوى له على الإطلاق، ما عزز المخاوف من أن الصعود المستدام في الأسعار سيضر بهوامش أرباح الشركات وبطلب المستهلك النهائي وقد يؤثر على السياسات النقدية، وتعد أسهم التكنولوجيا والأسواق الناشئة الآسيوية من بين الأكثر عرضة للمخاطر، بينما يُنظر إلى الأسهم الدورية وأصول الدول المصدرة للطاقة على أنها ملاذات آمنة محتملة، وفقاً للمستثمرين.
طبيعة الركود
استحضرت سلسلة صعود أسعار السلع، بدعم من أزمة الطاقة والتي يصاحبها ارتفاع في عائدات السندات، شبح الركود التضخمي في الجدل الدائر حول إلى أي مدى سيكون التضخم "مؤقتاً"، وهو ما دفع المستثمرين لإعادة التفكير في معتقداتهم بشأن رهانات التضخم وفحص استجابات مختلف الأصول لبيئة الأسعار المرتفعة وركود النمو.
كتب استراتيجيو "جيه بي مورغان تشايس آند كو"، بمن فيهم ماركو كولانوفيك، في مذكرة للعملاء يوم الاثنين: "في محفظة الركود التضخمي، يجب زيادة وزن السلع، وتحييد وزن الأسهم، وخفض وزن السندات.. وعلى العكس، في محفظة التضخم ينبغي زيادة وزن السلع والأسهم وتقليص وزن السندات بقوة أكبر".
موجة بيع عالمية ترسل عائد السندات البريطانية لأجل 10 سنوات إلى ذروة عهد كوفيد
واصل مؤشر "إم إس سي آي وورلد" للأسهم العالمية التراجع الشهر الجاري، بعد أن سجل في سبتمبر أسوأ أداء منذ أوائل 2020، وارتفع العائد على مؤشر "بلومبرغ" للسندات الحكومية العالمية بما يناهز 20 نقطة أساس في شهرين إلى 0.80%.
وفيما يلي نقاط الضغط والفرص التي يراها المستثمرون في الأصول العالمية:
ضغوط على الأسهم
تمكن المستثمرون في الأسهم في أوائل العام الجاري من تجاهل مخاوف التضخم المتزايد، وهو ما يعود جزئياً إلى أن تقديرات الأرباح كانت تواصل الصعود في هذا الوقت، لكن بدأت المخاوف من تآكل الهوامش بسبب ارتفاع أسعار السلع في الإضرار بتوقعات الأرباح.
هبط مؤشر مراجعة الأرباح العالمية الصادر عن "سيتي غروب"، وهو مقياس عالمي لترقيات المحللين لتوقعات الأرباح ناقص التخفيضات، صوب المنطقة السلبية، بعد أن وصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق في مايو.
قد تكون أسهم التكنولوجيا مرتفعة التقييم في الخط الأول المواجه للنيران، إذ يعتقد المستثمرون أن التضخم المرتفع سيترجَم إلى عائدات أعلى، ما سيضع تقييمات القطاع في دائرة التساؤلات.
انخفض مؤشر "ناسداك 100" في خمسة من أيام التداول الستة السابقة حتى يوم الاثنين، وخسر مؤشر "إم إس سي آي آسيا باسيفيك" ما يصل إلى 1.7% يوم الثلاثاء في ثالث يوم من الهبوط المتتالي، وتركز قدر كبير من الهبوط في أسهم التكنولوجيا.
على الجانب الآخر، تتمتع أسهم الطاقة والأسهم الدورية مثل المؤسسات المالية بأداء جيد عادة في بيئة التضخم المرتفع، وفقاً لـ"جيه بي مورغان"، وأضاف الاستراتيجيون أن الركود التضخمي سيحابي القطاعات الدفاعية مثل السلع الأساسية.
موجة تصحيح مرتقبة تزيد مخاوف مستثمري الأسهم في "وول ستريت"
فرص في الأسواق الناشئة
على المستثمرين في الأسواق الناشئة الموازنة بين المخاطر التضخمية على السندات والعملات، مع المزايا التي تتمتع بها العديد من الدول النامية من ارتفاع أسعار السلع، خاصة الدول المصدرة للطاقة.
قال براندن ماكينا، استراتيجي العملات في "ويلز فارغو" في نيويورك: "العديد من الأسواق الناشئة، لا سيما في أمريكا اللاتينية ومنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، هم من صافي المصدرين للنفط، وبالتالي فإن ارتفاع أسعار الطاقة سيفيدهم.. أما الدول التي ستصاب بأكبر الضرر فعلياً فهي في آسيا الناشئة؛ لأن أغلب الدول الآسيوية الناشئة هي مستوردة للبترول وتشكل الطاقة جزءاً كبيراً من سلة التضخم لديها".
قاد البات التايلندي والروبية الهندية والبيزو الفلبيني انخفاض العملات الآسيوية أمام الدولار خلال الشهر الماضي.
مع ذلك، فإن العديد من أسواق السندات المقومة بالعملة المحلية "تعكس" بالفعل وجهة النظر بأن ضغوط التضخم ستكون مستدامة، وفقاً لمارك بيكر، مدير الدخل الثابت في "أبردن" (abrdn) بهونغ كونغ، والذي أضاف أنه في أمريكا اللاتينية "انعكست مئات نقاط الأساس من رفع الفائدة على الأسعار بالفعل، ما جعل العائد مقابل المخاطر جذاباً في دول مثل البرازيل وكولومبيا والمكسيك".
ولاحظ بيكر أنه "حتى داخل آسيا، والتي لم نر فيها نفس الدرجة من ضغوط التضخم، سعّرت الأسواق بالفعل تطبيع الفائدة في أماكن مثل كوريا والهند وماليزيا.. ونحن نرى قيمة في أسواق الفائدة المحلية أيضاً".
تجنب الذهب
لا تتوقع أن يأتي الذهب لإنقاذك، فبالنسبة لماري نيكولا، مديرة محفظة في "باين بريدج انفستمنتس" (PineBridge Investments)، "لن يعمل المعدن الأصفر كأداة تحوط من التضخم في البيئة الحالية".
أضافت نيكولا في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ": "يكون أداء الذهب أفضل في بيئة يزداد فيها عرض النقود.. وإذا نظرنا من منظور شامل، فلن نرى دورة فائقة في عالم السلع، خاصة عندما نرى نمواً أضعف قادماً في الصين".