بلومبرغ
انتشر ذعر المستثمرين من الإجراءات الصارمة التي تتخذها الصين في السوق العقارية إلى مختلف الأسواق اليوم الإثنين، ما أدى إلى زيادة الضغوط على حكومة الرئيس الصيني تشي جينبينغ من أجل منع العدوى المالية من ضرب استقرار ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
عانت شركات العقارات العملاقة المدرجة في بورصة هونغ كونغ، ومنها شركة "هندرسون لاند ديفلوبمنت"، من أكبر موجة بيع جماعي لأسهمها منذ أكثر من عام، إذ اعتقد المتعاملون أن إجراءات الصين لمحاصرة القطاع العقاري ستمتد إلى ذلك المركز المالي. واحتدمت مخاوف العدوى من مجموعة "تشاينا إيفرغراند" (China Evergrande Group)، ودفعت إلى هبوط جميع الأسهم، من أسهم البنوك إلى شركات التأمين والسندات الدولارية مرتفعة العائد. وانهارت أسهم شركة عقارية صينية لا تتمتع بالشهرة بنسبة 87% قبل وقف التعامل عليها.
انخفض مؤشر "هانغ سنغ" لبورصة "هونغ كونغ" بنسبة 3.3%، في أكبر خسارة له منذ أواخر يوليو الماضي. وامتدت موجة البيع كذلك إلى دولار هونغ كونغ، واليوان الخارجي، والعقود الآجلة على مؤشر "إس آند بي 500". وقال متعاملون إن الإغلاق في موسم الإجازات في كثير من مناطق آسيا ربما ساهم في تفاقم حدة هذه التقلبات.
رد مبالغ فيه
في مواجهة حالة عدم اليقين بشأن مدى استعداد الرئيس تشي للاستمرار في حملاته التي تربك الأسواق بهدف تحقيق "الرخاء العام" وكبح جموح الشركات مرتفعة المديونية، يختار كثير من المستثمرين بيع أسهمهم أولا ثم توجيه الأسئلة في وقت لاحق. وتضيف مواعيد سداد مدفوعات الفائدة خلال الأسبوع الحالي عن كثير من سندات "إيفرغراند" والقروض البنكية طبقة أخرى من المخاطرة بينما يستعد المشاركون في السوق لاستقبال ما قد تصبح واحدة من أكبر عمليات إعادة هيكلة الديون في الصين.
قال برايان كوارتارولو، مدير المحافظ لدى شركة "بيلغريم بارتنرز آسيا" (Pilgrim Partners Asia): "إن حركة الأسعار في مختلف أنواع الأصول في آسيا اليوم حركة فظيعة تعود إلى زيادة المخاوف المتعلقة بشركة إيفرغراند وقليل من المشاكل الأخرى. غير أنها قد تكون رد فعل اتسم بالمبالغة نتيجة عمليات الإغلاق بالسوق".
يواجه تشي موازنة صعبة، إذ يحاول تخفيض مديونية قطاع العقارات وأن يجعل أسعار المنازل في متناول القدرة الشرائيةـ دون إحداث أضرار جمة قصيرة الأجل في النظام المالي والاقتصاد. غير أن المخاوف الكثيرة التي سَيُسيئ حسابها تنتشر في مناطق أبعد كثيراً من شركات العقارات التي تركز على الصين ومورديها.
يقول جوستين تانغ، رئيس بحوث الأسواق الآسيوية لدى شركة "يونايتد فيرست بارتنرز":
هذا الوضع هو ما قد يصفه الصينيون بمحاولة النزول عن صهوة نمر
قد يستطيع صناع القرار في الصين أن يتجنبوا وقوع أزمة مالية، غير أن كارثة "إيفرغراند" يمكن أن تتسبب في أضرار دائمة على شروط الائتمان وعلى الاقتصاد، بحسب مذكرة كتبها محللون لدى بنك "سوسيتيه جنرال" اليوم الإثنين.
كتب محللون تقودهم فونيكس كالن، رئيسة استراتيجية الأسواق الناشئة في لندن: "يحتمل أن تساهم النتائج المترتبة على الانهيار المتوقع لشركة (إيفرغراند) في زيادة وتيرة التباطؤ الاقتصادي حاليا في الصين، الذي يؤثر بدوره على معدل نمو الاقتصاد العالمي ومعدلات التضخم، ويلقي بظلاله على أسعار السلع الأولية".
العبء الأكبر
تحملت شركات القطاع العقاري في هونغ كونغ العبء الأكبر في عمليات البيع يوم الإثنين، مع هبوط مؤشر "هانغ سنغ العقاري" بنسبة 6.7% في أكبر انخفاض له منذ مايو 2020. وفقد سهم "هندرسون لاند" 13% من قيمته، كما انخفض سهم شركة "صن هونغ كاي للعقارات" بنسبة 10%، وهي أكبر خسارة منذ عام 2012.
أخبر مسؤولون صينيون شركات تنمية عقارية في هونغ كونغ أن بكين لم تعد مستعدة لأن تتحمل ما تسميه سلوكاً احتكارياً، بحسب ما نشرته وكالة رويترز يوم الجمعة الماضي. أضافت رويترز أن المسؤولين لم يحددوا خارطة طريق ولا موعدا نهائيا بحسب شركات عقارية لم يذكرها التقرير.
منذ فترة طويلة، كانت حكومة هونغ كونغ تحاول جاهدة السيطرة على أسعار المنازل وسط ارتفاع فائق في الطلب ومحدودية العرض وانخفاض تكاليف الاقتراض. وبلغ متوسط قيمة الوحدة السكنية في المدينة 1.25 مليون دولار أمريكي، وهو الأعلى عالمياً، في شهر يونيو 2020، وفقاً لشركة "سي بي آر إي غروب".
قال هاو هونغ، رئيس الاستراتيجية لدى شركة "بوكوم إنترناشيونال" (Bocom International) في معرض تعليقه على تقرير رويترز: "إن هذا تحول في نموذج العمل، وينبغي على الجميع مراقبته عن كثب".
انخفض سهم شركة "بينغ آن إنشورانس" (Ping An Insurance) بنسبة 5.8% إلى أقل مستوى منذ أكثر من أربع سنوات، بسبب مخاوف تعرضها لمخاطر السوق العقارية. وأصدرت الشركة بياناً يوم الجمعة الماضي يؤكد أن صناديق التأمين التابعة لها ليست عرضة لمخاطر "إيفرغراند" ولا للشركات العقارية الأخرى "التي يتركز حولها اهتمام السوق". يمثل القطاع العقاري نحو 4.9% من استثمارات شركة "بينغ آن إنشورانس" مقارنة مع متوسط 3.2% عند شركات التأمين المنافسة لها، بحسب "بلومبرغ إنتليجنس".
ترقب لهبوط أكبر
في أسواق الائتمان، انخفض متوسط أسعار السندات الدولارية مرتفعة العائد من المقترضين في الصين بنحو سنتين اليوم الإثنين، استعداداً لأسوأ موجة هبوط خلال ما يقرب من عام. وقد أدى ذلك إلى هبوط الأسعار في سوق السندات الآسيوية عالية المخاطر بمقدار سنت أو سنتين بحسب متعاملين. حتى سندات الديون التي تمتاز بدرجة استثمارية تأثرت بالانخفاض. واتسعت فروق العائد على سندات شركة "كانتري جاردن هولدينغز" (Country Garden Holdings Co)، أكبر مطور عقاري في الصين من حيث المبيعات، إلى مستويات قياسية.
انخفض دولار هونغ كونغ إلى أدنى مستوى له خلال الشهر الحالي، في حين تدهور سعر اليوان الخارجي لليوم الثالث على التوالي. وخسرت العقود الآجلة على مؤشر "فوتسي الصين ايه50" (FTSE China A50 Index) 3.2% من قيمتها في سنغافورة.
ينتظر أن تقوم شركة "إيفرغراند" بسداد الفائدة على قروض بنكية اليوم الإثنين، بفترة سماح مدتها يوم واحد. وفي حين أن تفاصيل القيمة المستحقة السداد ليست متاحة علانية، أخبرت السلطات الصينية فعلا كبار الدائنين للشركة ألا يتوقعوا سداد المستحقات، بحسب ما صرحت به مصادر مطلعة الأسبوع الماضي. وتتفاوض شركة "إيفرغراند" والبنوك على احتمالات مد أجل الديون وإعادة جدولة بعضها، بحسب المصادر.
تشمل المدفوعات المستحقة في يوم الخميس القادم 83.5 مليون دولار من الفوائد على سندات دولارية مدتها 5 سنوات بفائدة 8.25%، بحسب بيانات جمعتها بلومبرغ. وتحتاج "إيفرغراند" إلى سداد فوائد بقيمة 232 مليون يوان (36 مليون دولار) على سندات محلية في نفس اليوم. انخفض سهم شركة التنمية العقارية بنسبة 19% في تعاملات اليوم الإثنين إلى أدنى مستوى له منذ عام 2011. وانخفضت أسعار سنداتها الدولارية التي تستحق في 2022 بمقدار 3.1 سنت عن كل دولار إلى 26 سنتا للدولار، استعداداً لتحقيق هبوط قياسي.