بلومبرغ
تمرُّ عملة "بتكوين" بأكبر اختبار في تاريخها الذي يمتد لـ 12 عاماً، إذ أصبحت السلفادور أوَّل دولة تتبنَّى العملة الرقمية، وتقرها كعملة قانونية في البلاد اليوم الثلاثاء.
ستحوذ تلك التجربة على اهتمام الجميع، سواء كان ذلك من المتحمِّسين للعملات المشفَّرة، أو من ينبذونها، للوقوف على مدى إقبال الناس على إجراء معاملاتهم باستخدام "بتكوين"، وذلك بعد السماح بتداولها جنباً إلى جنب مع الدولار الأمريكي، وأيضاً معرفة إذا كانت ستدر أي فائدة على الدولة التي تعاني من العنف والبؤس في أمريكا الوسطى.
اشترت البلاد 400 "بتكوين" قبل طرح العملة للتداول، بقيمة سوقية بلغت نحو 20 مليون دولار أمريكي بالأسعار الحالية. وقال الرئيس ناييب بوكيلي في تدوينة عبر "تويتر" بعد شراء الشريحة الأولى البالغة 200 بتكوين، إنَّ بلاده تعتزم شراء "أكثر من هذه الكمية بكثير".
إذا نجحت التجربة؛ فقد تلتحق بلاد أخرى بركب السلفادور. وسوف تدعم الحكومة إقرار العملة عبر دفعة أوَّلية من محفظتها "تشيفو" (Chivo)، التي انطلقت محمَّلة بقيمة تعادل 30 دولاراً أمريكياً من عملة "بتكوين" لكلِّ مستخدم يسجِّل نفسه باستخدام رقم بطاقة الهوية لمواطني السلفادور.
ستلتزم الشركات بقبول"بتكوين" مقابل السلع والخدمات، كما ستقبلها الحكومة أيضاً كطريقة لسداد الضرائب. تعدُّ هذه الخطة من بنات أفكار رئيس السلفادور البالغ من العمر 40 عاماً، الذي قال، إنَّها ستجذب عدداً أكبر من الأفراد للمشاركة في النظام المالي، وستؤدي إلى تخفيض تكلفة التحويلات.
قال غاريك هيلمان، رئيس البحوث لدى "بلوك- تشين دوت كوم" في ميامي: "هذا متاع العالم الجديد الشجاع. وبهذه الخطوة دخلنا إلى مياه لا تتقيّد بالقوانين والنظم. لكنَّني سعيد أن أرى هذه التجربة عموماً، وأعتقد أنَّنا سنتعلَّم منها الكثير".
نشرت إدارة بوكيلي 200 ماكينة صرَّاف آلي خاصة بعملة "بتكوين" في مختلف أنحاء البلاد، لاستخدامها في تبديل العملة المشفَّرة بالدولار الأمريكي.
اقرأ المزيد: السلفادور تستعد لطرح "بتكوين" من خلال 200 جهاز صراف آلي للتحويل
قامت الحكومة بتأسيس صندوق بقيمة 150 مليون دولار لدى "بنك تنمية جمهورية السلفادور – باندسال" المملوك للدولة لدعم هذه المعاملات.
أعلنت الحكومة أنَّ الدولار الأمريكي سوف يظل العملة الوطنية لأغراض الحسابات العامة، كما سيتمُّ إعفاء التجار الذين يفتقدون المعرفة التكنولوجية للتعامل بالعملة الرقمية، بموجب القانون.
يعتمد اقتصاد السلفادور القائم على الدولار الأمريكي بشكل كبير على تحويلات العمال المهاجرين إلى وطنهم من الخارج. وبلغ إجمالي التحويلات 6 مليارات دولار في العام الماضي، بما يمثِّل تقريباً خمس إجمالي الناتج المحلي. يقول بوكيلي، إنَّ "بتكوين" يمكن أن توفِّر سنوياً 400 مليون دولار لصالح شعب السلفادور يدفعونها رسوماً على هذه المعاملات.
تشكك الجمهور
في حين يتمتَّع بوكيلي نفسه بنسبة تأييد تزيد على 80%؛ فإنَّ استطلاعاً للرأي أجرته "جامعة أمريكا الوسطى خوسيه سيميون كانيس" خلال الأسبوع كشف أنَّ قانونه بشأن "بتكوين" لا يحظى بشعبية. وقال ثلثا من شاركوا في الاستطلاع، إنَّ القانون ينبغي إلغاؤه، وأكثر من 70% منهم فضَّلوا استخدام الدولار الأمريكي بدلاً من العملة الرقمية.
حذَّر "صندوق النقد الدولي" من مخاطر استخدام "بتكوين"، التي فقدت تقريباً نصف قيمتها خلال الفترة من شهر إبريل إلى شهر مايو. في حين رفض "البنك الدولي" طلباً من حكومة السلفادور لمساعدتها على تبني هذه العملة، مؤسِّساً موقفه على مثالب تتعلَّق بالشفافية والبيئة. كما أنَّ الأنباء المتعلِّقة بتبني "بتكوين" ساهمت في إطلاق موجة بيع لسندات السلفادور الدولارية، برغم أنَّها قلَّصت خسائرها بعد ذلك.
قالت ناتالي مارشيك، العضو المنتدب لدى "ستايفل نيكولاس وشركاه" (Stifel Nicolaus & Co): "إنَّ العملة المشفَّرة مثيرة، لكنَّها معقدة، ولم تُختبر بعد، خاصة بالنسبة لبلد مثل السلفادور. إنَّها مخاطرة عالية جداً، كما يثور السؤال: هل صندوق (بنك التنمية – باندسال) كبير بما يكفي؟ يبدو أنَّ القواعد التنظيمية تشبه القانون، وأنَّها وضعت على عجل. هذه علامة استفهام كبيرة".
مراقبة دقيقة
أطلقت جزر البهاماس خلال العام الحالي عملة رقمية خاصة بها مدعومة من البنك المركزي، تسمى "ساند دولار" (Sand Dollar). ولدى فنزويلا عملة رقمية خاصة بها تسمى "بيترو" (Petro). لكنَّ العملتين تختلفان تماماً عن عملة مشفَّرة لا مركزية مثل "بتكوين"، التي تكتسب قيمتها عند مستخدميها من استقلالها عن الحكومات والبنوك المركزية.
ستراقب حكومات أخرى في المنطقة تجربة السلفادور مراقبة دقيقة. في الشهر الماضي، تحرَّكت كوبا نحو تقنين العملة المشفَّرة التي تستخدم فعلاً على الجزيرة، في حين اقترح مشرِّعون في بلاد أخرى، مثل: بنما، والأوروجواي تشريعات مماثلة.
يتواكب تبني عملة "بتكوين" مع إصدار المحكمة العليا للبلاد- التي يرأسها حلفاء بوكيلي- حكماً خلال الأسبوع الماضي يسمح بأن يرشِّح الرئيس نفسه لولاية ثانية. انتقدت الولايات المتحدة القرار. وقالت، إنَّه يضر بالعلاقات الثنائية بين البلدين.