بلومبرغ
في 17 من مايو الماضي، تمكَّنت "شي إن" من إزاحة "أمازون" عن عرشه كتطبيق التسوق الأكثر تنزيلاً عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، وذلك بعد تصدُّره السباق لـ 152 يوماً على التوالي.
يعدُّ هذا إنجازاً لافتاً لعلامة تجارية للأزياء، لم يتجاوز عمرها سبع سنوات، ناهيك عن أنَّ معظم الأميركيين فوق سنِّ الثلاثين لم يسمعوا بها حتى. ومع ذلك، يبدو أنَّ صغار السنّ مغرمون بها. وكالعديد من الظواهر الإلكترونية، قاد المتسوِّقون من أبناء الجيل "زد"، وجيل الألفية صعود "شي إن"، بعد أن جذبتهم عروض ملابسها اللامتناهية ودائمة التجدد، التي تتاح بأسعار تناسب حتى أصغر الميزانيات.
أسعار تسمح لك بشراء الكثير
مؤخراً، في أحد أيام الخميس، أطلق تطبيق "شي إن" 6 آلاف، و239 قطعة جديدة. وكان بينها قميص بظهر مكشوف، ويحمل طبعة ورود، وقد عرض للبيع بسعر خمس دولارات. كما كان من بين القطع أيضاً ملابس نوم بطبعة الديناصورات للبيع بعشرة دولارات، فضلاً عن فستان أنيق مناسب لسهرة حفل التخرج مصمم بأكمام منفوخة، ومزين باللؤلؤ، ويباع مقابل 22 دولاراً فقط.
وفي وقت سابق هذا العام، كانت إحدى المؤثِّرات على وسائل التواصل في بريطانيا، تبجحت أنَّها اشترت 30 زيَّ سباحة من الموقع بمئة جنيه إسترليني فقط. وصحيح أنَّ هذا القدر من ملابس السباحة لا يبدو عملياً، ولكن لا بدَّ أن نتذكر أنَّ جمهور وسائل التواصل الاجتماعي يطلب الجديد قبل أي أمر آخر.
فعلى "شي إن"، ستجد كلّ ما تريده بأسعار منخفضة. لدرجة تمكِّنك من شراء قطعتين من التصميم الذي يعجبك. أو حتى ثلاثين! وهذه نشوة تكاد توازي نشوة الحرية بالنسبة لكثير من الأشخاص. بالأخص المراهقين الذين لا يملكون الموارد المالية الكثيرة، الذين مكَّن حماسهم هذا "شي إن" من أن تحقق أوَّل نجاح ضخم في عالم الموضة للصين، على الرغم من أنَّ أصولها غير مذكورة في تطبيق الشركة.
تضاعف المبيعات خلال الوباء
فبعد أن ضاعفت "شي إن" مبيعاتها في عام 2019. ازدادت مبيعات الشركة مرة أخرى خلال فترة الوباء، فتضاعفت المبيعات بأكثر من ثلاثة أضعاف العام الماضي، لتصبح أكبر علامة أزياء موجودة حصراً على الانترنت في العالم، بحسب آخر البيانات الصادرة من "يورومونيتور".
وبالفعل، كسبت "شي إن" دعم مستثمرين دوليين مثل "أي دي جي"، و"سيكويا". وقال مصدر مطَّلع على تمويل الشركة، إنَّ قيمتها قُدِّرت بنحو 30 مليار دولار في العام الماضي. كما استعانت الشركة بمجموعة "غولدمان ساكس"، و"بنك أوف أميركا"، و"جي بي مورغن تشيس" كمؤسسات استشارية لها، في حال قيامها بطرح عام أولي. وفق ما أفادت به مصادر أخرى مطَّلعة على خطط الشركة.
إلا أنَّ "شي إن" بحدِّ ذاتها ماتزال مبهمة، إذ تقول، إنَّ التقارير المتعلِّقة بها "غالباً ما تكون غير صحيحة". فقد كانت الشركة قد قدَّرت قيمتها الذاتية بـ"بضعة مليارات دولار" فقط خلال العام الماضي. وقالت متحدِّثة باسم "شي إن" لـ"بلومبرغ" في 28 مايو، إنَّه لا توجد أي خطط لطرح أولي عام للشركة في المستقبل القريب.
طموح كبير
ولكن من الواضح أنَّ "شي إن" تمتلك طموحاً كبيراً. ففي يناير الماضي، كانت ضمن المشاركين في المزاد لشراء شركة البيع بالتجزئة "توب شوب". وعلى الرغم من خسارتها أمام عرض شركة "أسوس" البالغ 295 مليون جنيه إسترليني، إلا أنَّ الخطوة شكَّلت "إشارة واضحة من قبلها للعلامات التجارية الموجودة حالياً"، بحسب جوناثان رينولدز، مدير "معهد أكسفورد" لإدارة البيع بالتجزئة في "كلية سعيد لإدارة الأعمال".
وقد نجحت "شي إن" بإحداث هزة في القطاع الذي تقدَّر قيمته بنحو 36 مليار دولار. لتنافس بذلك شركات مثل: "إنديتكس"، و"زارا"، و" هينيز اند موريتز" في ملعبهم الخاص. فقد ذهبت "شي إن" بعيداً في مفهوم الموضة السريعة الذي كانت هذه الشركات قد اخترعته (بل وتعرَّضت لانتقادات شديدة بشأنه أيضاً).
لتحقيق ذلك، تعتمد "شي إن" مزيجاً عبقرياً من تصاميم الملابس بأسلوب حذق على صعيد سلسلة الامداد، وقائم على البيانات. والمثير للاهتمام أيضاً أنَّها تستخدم الثغرات الضريبية في الولايات المتحدة وفي الصين التي طرأت بعد سنِّ قوانين على خلفية الحرب التجارية بين البلدين. فهذه الإجراءات التي كانت قد اتخذت من أجل كبح نفوذ الصين، قد أدَّت بدلاً من ذلك إلى خلق عملاق صيني.
أزياء صينية تنتشر عالمياً
الصين، لا تملك عظمة إيطاليا وفرنسا واليابان على صعيد الموضة العالمية. وهذه من الأسباب التي تدفع "شي إن" لعدم الكشف عن أيِّ شيء تقريباً فيما يتعلَّق بأصولها. فالأشخاص الذي يرغبون باكتشاف المزيد عنها، مثل مصدر موادها أو كيف يمكن التقدُّم لوظيفة لديها، أو حتى "أين" تقع، سوف يصلون إلى حائط مسدود عند البحث في تطبيقها الأنيق.
إلا أنَّ أحد الأدلة عن مكان الشركة ربما يكون مخبأً في موقعها الإلكتروني ، وبالتحديد ضمن آخر جزء فرعي به، إذ يوجد عنوان تحت اسم "الخدمات اللوجيستية والشحن". ويمكن إيجاده في صفحة "حول شي إن". وهناك تظهر صورة لرصيف شحن، ويبدو على الشاحنة المركونة كتابة باللغتين الإنجليزية وبالصينية.
مع ذلك، فإنَّ "شي إن" تدين بنجاحها إلى الصين. وبالأخص إلى تعديل قانون الضرائب الصيني في ظلِّ الحرب التجارية، الذي أدى إلى انخفاض كبير في التكاليف التي تتكبَّدها الشركة وموردوها. وهو ما أتاح لها التفوق على منافسيها الدوليين، مع كل سروال قصير تتمكن من بيعه بسعر يبلغ أربعة دولارات فقط.
تأثير الحرب التجارية
ففي عام 2018، وفي ظلّ تدهور العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. ردَّت الصين على مجموعة جديدة من الرسوم الجمركية الأميركية عبر قيامها بإلغاء ضرائب التصدير على الشركات الموجهة مباشرة للمستهلك. وبما أن "شي إن" تشحن معظم الطلبات انطلاقاً من مستودعاتها في الصين، فإنَّ ذلك يضعها في مكان جيد في الولايات المتحدة، إذ تدخل الطرود دون الـ 800 دولار إلى البلاد بدون دفع رسوم جمركية، منذ عام 2016. وحين فرضت إدارة ترمب لاحقاً رسوماً جمركية لجعل المنتجات الصينية أغلى ثمناً، بقيت الطرود منخفضة السعر، معفاة من ذلك.
بالنسبة لـ"شي إن"، الدعم الضريبي من الصين بالإضافة إلى الثغرات الضريبية الأميركية كان أشبه بإضافة الحلوى الفوارة إلى قارورة الـ"كوكا كولا"، ومراقبة الانفجار الذي يحصل بعدها. فبين عاميّ 2018 و2019، تضاعفت مبيعات الشركة تقريباً، بحسب عرض للمستثمرين قدَّمته "شي إن"، واطَّلعت عليه "بلومبرغ". وفي عام 2020، حقَّقت مبيعاتها قفزة جديدة. فبدفع من المتسوقين العالقين في منازلهم نتيجة الفيروس، ارتفعت مبيعات "شي إن" بنسبة 250% على أساس سنوي، لتصل إلى 10 مليارات دولار، بحسب مصادر مطَّلعة على عمليات الشركة.
وذلك الارتفاع جعل مبيعاتها تتجاوز بأشواط المبيعات التي حقَّقتها شركة "زارا" عبر الإنترنت، في العام الماضي.
ثغرات النظم الضريبية
اليوم، لا تدفع "شي إن" أي ضرائب للصادرات على منتجاتها كافةً. وفي الولايات المتحدة، لا تدفع ضرائب استيراد. وهو ما يجعل الميزان يميل بشكل كبير لصالحها في وجه منافسيها. بالأخص مع انتقال المستهلكين نحو التسوق الالكتروني، واستمرارهم في ممارسة هذا النوع من التسوق لاحقاً.
و"شي إن" ليست شركة البيع بالتجزئة الوحيدة التي تستفيد من الحرب التجارية، ولن تكون الأخيرة. فبفضل الدعم الحكومي الصيني، حقَّقت صادرات البيع بالتجزئة الصينية عبر الانترنت، المعروفة بـ"التجارة الالكترونية العابرة للحدود" ارتفاعاً بنسبة 67% في عام 2018، بحسب بيانات الجمارك الصينية، فقد ارتفعت قيمة القطاع ليصل لأكثر من 265 مليار دولار، ونما بوتيرة أسرع ممَّا كان عليه حتى قبل أن يبدأ الرئيس دونالد ترمب هجومه.
لا مكان للمنافسة
حالياً، من شبه المستحيل أن يتمكَّن المنافسون الدوليون من مزاحمة "شي إن". ذلك بحسب مارك هورويتز، وهو المدير التنفيذي السابق لمجموعة "غلوبال براندز" القابضة، التابعة لمجموعة "فونغ" المتخصصة بالتجارة وسلاسل الامداد في هونغ كونغ. وتقنياً، يمكن لأي جهة مستعدة لتسجيل شركتها في الصين، وشحن المنتجات مباشرة إلى المستهلكين الأميركيين، بأن ترسل طروداً منخفضة السعر، وتستفيد من الحوافز الضريبية نفسها مثل "شي إن"، إلا أنَّ هورويتز يستبعد حصول ذلك.
وقال هورويتز الذي أصبح اليوم شريكاً في شركة "ريتايل أر أو أي" الاستشارية في هونغ كونغ: "في حالة شركة "زارا"، فمن المستحيل أن تلتف على رسوم الاستيراد في الولايات المتحدة، وذلك لأنَّها لا تشحن إلى أفراد، بل تبيع إلى المتاجر وتستورد بكميات ضخمة"، وتابع: "لديهم وجود مادي كبير جداً، ولذلك فهم لا يستطيعون القيام بذلك".
معلومات قليلة
بحسب أحد البيانات الصحفية النادرة الصادرة عن الشركة، فإنَّ "شي إن" تأسست على يد تشو يانغتيان، في عام 2008. تشو الذي يعرف أيضاً باسم كريس أو سكاي، لم يبدأ مسيرته المهنية في مجال الأزياء أو البيع بالتجزئة، بل في مجال تحسين محركات البحث، فقد كان يعمل في شركة استشارات للتسويق الرقمي تعمل مع المصدرين. وفي البداية، أطلق على موقعه الالكتروني اسم "شي إنسياد"، ثمَّ قرر اختصار الاسم إلى "شي إن" في عام 2014. وقد رفض تشو طلبات "بلومبرغ" المتكررة لإجراء مقابلة معه.
دور المشاهير
كانت السنوات التي سبقت إطلاق "شي إن" صعبة على شركات الملابس الصينية، التي يقودها طموحها إلى أبعد من حدود البلاد. فشركة الملابس الرياضية "لي نينغ" افتتحت متجراً لها في مدينة بورتلاند في أوريغن عام 2010، إلا أنَّها أغلقته بعد سنتين فقط. وفي لندن، افتتحت شركة "بوسيدينغ" الدولية القابضة المتخصصة بصناعة السترات المبطنة بالريش الزغب، متجراَ ضخماً في حيّ مي فير، عام 2012، إلا أنَّها اضطرت للانسحاب والعودة إلى الأسواق المحلية الصينية بعد خمس سنوات فقط.
على عكس هذه العلامات التجارية، لم تبدأ "شي إن" كعلامة ذات شعبية في الصين. في الواقع؛ فإنَّ الملابس التي تنتجها ليست متوفِّرة في الصين أيضاً، فزبائن "شي إن" كانوا موجودين كثيراً في أماكن أخرى حول العالم، ويتمُّ جذبهم إليها من خلال شبكة من العلاقات مع المؤثِّرين والمشاهير. فمشاهير مثل كيتي بيري، وليل ناز إكس، كانا قد قدَّما حفلاً غنائياً افتراضياً من تنظيم "شي إن" في الأيام الأولى من الوباء. والآن، يستخدم الناشطون على "انستغرام" مجموعة متنوعة من الوسوم للإشارة إلى العلامة التجارية. مثلاً، يوجد حوالي 850 ألف منشور يترافق مع وسم # sheingals. وعلى التطبيق الخاص بالشركة، تُعرض الأزياء على طريقة صور الـ"سيلفي" الملتقطة بأسلوب وسائل التواصل الاجتماعي مع خلفيات باهرة. فالشركة تبدو كأنَّها مولودة في الانترنت، تماماً مثل زبائنها.
بحسب تشارلز شين، مؤسس شركة "ميتسوشال" في شانغهاي التي تعمل على التسويق لـ"شي إن" عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فإنَّ هذا الأمر متعمَّد. وقال: "يتطلَّب الأمر قدراً من الثقة الوطنية لتظهر من أين تأتي"، وأضاف: "لا توجد بعد قدرة تنافسية لتحقيق صورة للعلامات التجارية الصينية، ولا توجد القدرة على بناء اسم تجاري صيني أيضاً حتى الآن".
سلاسل إمداد متماسكة
قد لا تشير الشركة لوجودها في الصين، إلا أنَّها تستفيد بشكل كبير من قربها لأوسع سلسلة إمداد، وأكثرها تطوراً في العالم. إذ تفرض "شي إن" على المصنِّعين الذين تتعاقد معهم لصنع ملابسها أن يوجدوا على مسافة لا تتجاوز خمس ساعات في السيارة من مركز إمدادها في مدينة غوانزو الصينية، وذلك بحسب مستندات الشركة التي اطَّلعت عليها "بلومبرغ".
كذلك، يتعيَّن على الموردين أن يتموا عملية التصميم والإنتاج بعشرة أيام فقط، أي أسرع من دورة الإنتاج الشهيرة التي تبلع ثلاثة أسابيع لدى "زارا. وأسرع بكثير من مهلة التصنيع البالغة ثلاثة إلى ستة أسابيع التي يحتاجها مصنِّعو الملابس التقليديون عادة.
تصميمات تستند للبيانات
كذلك طوَّرت "شي إن" تكنولوجيا خاصة بها لجمع بيانات البحوث التي يقوم بها مستخدمو تطبيقها. وتتشارك هذه البيانات مع المورِّدين من أجل المساعدة في توجيه قرارات التصميم والسعة والإنتاج. وتقدِّم هذه التكنولوجيا التوصيات حيال المواد الأولية وأماكن شرائها. وتمكِّن المورِّدين من الوصول إلى قاعدة بيانات ضخمة من التصاميم ومصادر الإلهام.
من جهتهم، فإنَّ صنّاع الملابس متحمسون جداً للعمل مع الشركة المعروفة بتسديد فواتيرها بشكل أسرع مقارنة بالمعايير السائدة في القطاع.
كلُّ هذه العوامل مجتمعة، بالإضافة إلى عدم اضطرار الشركة للقلق حيال المخزون في متاجرها الفعليه، مكَّنت "شي إن" من أن تستجيب بشكل شبه فوري لأذواق المتسوقين. وهو ما وصفته إحدى النشرات الصادرة عن الشركة بـ"الموضة في الوقت الحقيقي".
وقال هورويتز، المتخصص في سلسلة الإمداد: "في حال نجح تصميم، ستعرفوا عن ذلك بسرعة"، مضيفاَ: "وإذا فشلت قطعة ما، لن يكون لديكم أكثر من بضعة مئات الوحدات منها، فكم سيؤذيكم ذلك؟"
الإعفاءات الضريبية
في ظلِّ الحرب التجارية، بدأ عام 2018 بإعفاء ضريبي في الصين، فقد توقَّفت الحكومة الصينية عن إلزام شركات البيع بالتجزئة عبر الانترنت بتقديم الـ"فابياو"، وهي مجموع الفواتير الرسمية للمورِّدين، التي تستخدمها الحكومة من أجل توثيق وجمع الضرائب على القيمة المضافة. بالتالي، قدَّمت بذلك الحكومة إعفاءً ضريبياً يصل إلى 13%، وذلك على أي رزمة ترسلها "شي إن"، أو أي شركة مصدِّرة أخرى إلى الخارج. وهو ما أسهم في تحقيق نموٍّ أسرع حتى بالمقارنة مع ما قبل بداية الحرب التجارية.
كذلك، أسهم الوباء في إعطاء دفعة جديدة لـ"شي إن" مع توجه المتسوقين العالقين في منازلهم نحو التجارة الالكترونية بكافة أنواعها. ويعود تمكُّن الشركة من تحقيق استفادة قصوى من هذا الارتفاع في الطلب على منتجاتها، بجزء منه إلى كون الشركة الأم لها مسجلة في هونغ كونغ، التي لا تفرض أي ضرائب على الإيرادات التي تحقق في الخارج.
دعم الحكومة الصينية
بصفتها شركة خاصة؛ فإنَّ "شي إن" ليست ملزمة بنشر بياناتها المالية. وقالت في بيان لـ"بلومبرغ"، إنَّ الصين "تشجِّع الشركات العابرة للحدود مثلنا". مشيرةً إلى أنَّها تلتزم بالقوانين الضريبية المحلية في كلِّ الأسواق التي تنشط فيها.
ولكن توجد بعض الشركات الصينية المدرجة في البورصة التي تعتمد استراتيجيات مشابهة التي تظهر تقاريرها العامة مدى انخفاض فاتورتها الضريبية. فعلى سبيل المثال، شركة البيع بالتجزئة عبر الانترنت "لايت إن بوكس" ترسل أيضاً منتجاتها مباشرة إلى المستهلكين من مستودعاتها في الصين، وتدير إيراداتها من خلال الشركات التابعة لها في هونغ كونغ. وخلال السنتين الماضيتين، سجَّلت الشركة التي تتخذ من شانغهاي مقرَّاً لها أرباحاً للمرة الأولى منذ الاكتتاب الأولي العام لها في 2013. وفي الربع الأول من 2021، بلغت فاتورة "لايت إن بوكس" الضريبية 0.5% من إجمالي أرباحها، بحسب البيانات المالية.
استياء أمريكي
وفيما لا يستطيع المنافسون الأميركيون فعل الكثير حيال سياسة الـ"فابياو" الصينية أو القانون الضريبي في هونغ كونغ، إلا أنَّهم أعربوا عن غضبهم الشديد تجاه إعفاء الطرود التي لا تتخطى قيمتها الـ800 دولار من ضريبة الاستيراد. إذ يصل إلى الولايات المتحدة نحو مليونيّ طرد لا تتجاوز قيمته هذا المبلغ يومياً. ذلك بحسب رسالة وجهتها كيم غلاس، الرئيسة والمديرة التنفيذية للمجلس الوطني لمنظمات الأنسجة في أبريل. وذلك في إطار سعيها لحثِّ الحكومة الأميركية على اتخاذ خطوات تخفف من هذا الواقع. وقالت غلاس في الرسالة، إنَّ المصنِّعين الأميركيين للأنسجة والملابس والسلع الاستهلاكية "غالباً ما يجدون أنَّ أسواقهم وقواهم العاملة مهدَّدة بسبب هذا التفادي للرسوم".
وقال ريك هيلفينبين، الرئيس السابق لرابطة الملابس والأحذية الأميركية في واشنطن "تمكنت "شي إن" من الاستفادة من النظام. وقد تمكَّنت من القيام بذلك بشكل جيد جداً". فموجب القوانين الحالية، فإنَّ القميص القطني الذي تبيعه معفي من الرسم الجمركي العادي البالغ 16.5% على الواردات، ومن الرسم الجمركي البالغ 7.5% المخصص للصين.
وأضاف هيلفينبين الذي يعمل اليوم استشارياً خاصا لشركة "سوريني ساميت وشركائها" للاستشارات في واشنطن: "نتحدَّث هنا عن تمكُّن "شي إن" من البيع بسعر أقل من أيِّ طرف آخر بنسبة 24%"، وتابع: "هذه ميزة تنافسية هائلة".
إمكانية الاستمرار
نجاح "شي إن" الذي يعدُّ جديداً نسبياً يجعلها في وضعية غير مسبوقة. فلم يتضح بعد ما إذا كانت الشركة ستتمكَّن من الاستمرار في النموِّ مع انحسار الوباء، وتمكُّن الناس من العودة للتسوق في المتاجر. أو إذا كانت ستحتفظ بجاذبيتها بعد أن يتقدَّم الزبائن الذين يشكِّلون قاعدتها الأساسية في العمر، ولا تعود القمصان غير الرسمية ذات الخمسة دولارات تستهويهم.
ويُظهر الاهتمام الذي أبدته الشركة بشراء "توب شوب" أنَّها مدركة لمحدودية قدرات نموذجها القائم على التجارة الالكترونية حصراً على الاستمرار، إلا أنَّ امتلاك شبكة من المتاجر الحقيقية يترافق مع تحديات خاصة به. وفي حال خفَّضت الولايات المتحدة سقف الـ800 دولار للطرود المشمولة بالإعفاء من الرسوم الجمركية على الاستيراد، كما يطالب قطاع النسيج المحلي من الرئيس جو بايدن، فإنَّ "شي إن" قد تفقد بعضاً من ميزتها التنافسية على صعيد التسعير.
ضغوط الحوكمة
كما أنَّ القطاع نفسه الذي تسعى "شي إن" للسيطرة عليه، يقع هو الآخر تحت الضغط. وذلك في ظلِّ الانتقادات الموجهة للموضة السريعة بسبب أثرها البيئي والمعضلات الأخلاقية المتعلِّقة بالممارسات تجاه العاملين في القطاع، إلا أنَّه بالقياس على النجاح الذي حقَّقته "شي إن" مع الزبائن، ومع بعض كبار أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، يبدو أنَّ هذه المخاوف لم تقوِّض جاذبية الأسعار المنخفضة جداً، وتنوع التصاميم اللامتناهية للشركة.
ولكن ذلك سيتغيَّر على الأرجح في نهاية المطاف، خاصة مع تقدُّم قاعدة زبائن الشركة بالسن، وانتقالهم نحو منتجات أغلى ثمناً. وحين لا يعود بوسع المستثمرين تجاهل مسائل الحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات.
أخطاء واعتذارات
في غضون ذلك، تسبَّب تركيز "شي إن" على التصميمات القائمة على الخوارزميات ببعض السقطات الكبرى للشركة. فـ"شي إن" التي كانت أصدرت بيانات داعمة لحركة "حياة السود مهمة" اعتذرت مؤخراً لعرضها غطاء هاتف يظهر شخصاً أسوداً مقيداً بأصفاد برسم حوله بالطبشور. كما أنَّها سحبت العام الماضي قلادة مع (السواستيكا البوذية) أو الصليب المعقوف البوذي. واعتذرت الشركة أيضاً عن ترويجها لسجادات الصلاة الإسلامية على أنَّها أغراض ديكور منزلية.
مصدر الموارد يبقى مجهولاً
وعلى هذا الصعيد بالذات، يمكن لتصنيف "شي إن" -كونها شركة صينية- أن يتحوَّل إلى نقطة ضعف لها، مهما أبقت أصولها غامضة. فالعلاقات بين الصين والولايات المتحدة بلغت مساراً عالقاً، حتى مع رحيل إدارة ترمب. كذلك، بات المستهلكون الغربيون أكثر إدراكاً بالاعتراضات التي يثيرها القطن المستقدَّم من منطقة شينجيانغ في الصين، التي يقول مراقبو حقوق الإنسان وبعض الحكومات، إنَّه يعتمد على العمالة القسرية.
ياسمين برايس وهي طالبة في الـ18 من العمر من لندن. قالت، إنَِّها حاولت بدون جدوى أن تكتشف مصدر القطن المستخدم في ملابس "شي إن". وأضافت: "لا يوجد أي شيء على موقعهم الالكتروني حول ذلك"، وتابعت: "حاولنا في إحدى المرات أن نرى من يملكها، وبحثنا لحوالي عشر دقائق، وهو وقت طويل للبحث عن شيء ما على الإنترنت".
سوق الهند
قبل عام، قتل 20 جندياً هندياً في اشتباكات حدودية مع القوات الصينية في منطقة متنازع عليها في هضبة التبت. وفي سياق ردِّها، قامت الهند بحظر 59 تطبيقاً صينياً، بينها "شي إن"، وهو ما أحدث صدمة في أكبر سوق آسيوي للشركة.
وقالت سوناندا غوروبراساد، الطالبة الثانوية في بنغالور: "أزعجنا ذلك كثيراً أنا وأصدقائي"، وأضافت أنَّها كانت في "مرحلة الشغف بالسترات الواسعة ذات القبعات (الهودي)"، وكانت تسعى لضمِّ المزيد منها إلى مجموعة ثيابها، حين اكتشفت أنَّه تمَّ إغلاق "شي إن".
وأضافت غوروبراساد: "لقد فوجئت"، وتابعت: "لم أشعر أنَّهم صينيون، فهم لم يبدوا صينيين. وكنت قد بدأت استمتع بالتسوق على "شي إن"، مع أني لم أكن من هواة التسوُّق كثيراً قبل ذلك".
الآن، انتقلت غوروبراساد للتسوق في المتاجر، أو تصفح مواقع "إتش أند أم"، أو "فور إيفر 21". وحتى بعد حظر "شي إن"؛ قامت غوروبراساد بتصفُّح موقع الشركة بضع مرات، وحاولت إعادة تنزيل التطبيق، وذلك في حال كانت هناك عروض يمكن لها أن تستفيد منها بطريقة ما.