بلومبرغ
بالرغم من أنَّه رائد في الطرق التقليدية التي تطوَّرت بها صناعة الموسيقى، إلا أنَّ الموسيقي والمنتج أندريه أنجوس، الحائز على جائزة غرامي، والمعروف باسم "راك" (RAC)، بات يتطلَّع للاعتماد في أعماله على الرموز المشفَّرة غير القابلة للاستبدال (NFTs).
وتمثِّل الرموز المشفَّرة غير القابلة للاستبدال، نوعاً جديداً من تقنية الـ"بلوكتشين" التي تعتمد على الندرة القسرية، محوِّلة المقتنيات الرقمية، لأصول ذات قيمة قابلة للبيع. وقد شهد المجال انتشاراً كبيراً مؤخراً. بداية هذا العام، أجرت دار "كريستيز" للمزادات عملية بيع قياسية بقيمة بلغت 69.3 مليون دولار أمريكي، لأحد الـ(NFTs)، التي تعود للفنان الرقمي بيبل. وفي الوقت نفسه تقريباً، حصل أنجوس على 708 ألف دولار مقابل بيع مجموعة من الرموز المشفَّرة غير القابلة للاستبدال من ألبومه الأخير "يو"، وذلك بقيمة تفوق إجمالي مبيعات ألبوماته خلال السنوات العشر الماضية. وقد بلغ إجمالي مكاسبه من بيع الـ(NFTs) نحو مليون دولار.
صناعة موسيقية جديدة
طموحات أنجوس المتعلِّقة بالـ(NFTs) تتجاوز الأموال فقط. فهو يأمل أن تستطيع تقنية "بلوكتشين" من تغيير العمل في صناعة الموسيقى بأكملها. وخاصةً فيما يتعلَّق بالوسطاء المتعددين من الوكلاء، والمحامين، ومديري الاستوديوهات، الذين يحصلون على النصيب الأكبر من مكاسب الموسيقيين، بالإضافة إلى شركات التسجيلات التي تموِّل الألبومات بفائدة مرتفعة.
عن ذلك، قال أنجوس في مقابلة: "إذا تمكَّنا من إعادة تشكيل صناعة الموسيقى، فسيتعيَّن على كل هؤلاء الوسطاء أن ينافسوا الرمز المشفَّر". أنجوس يرى أنَّه وعلى الرغم مما تقدِّمه شركات التسجيلات من أمور جيدة، إلا أنَّها كثيراً ما تعاملت مع الموسيقيين، كما لو أنَّهم لا يستحقون أن يتقاضوا مدفوعات عادلة. وأضاف: "سأكون قلقاً بالفعل لو كنت واحداً منهم الآن، هم لا يدركون ما الذي ينتظرهم".
أنجوس ينضمُّ لقائمة متزايدة من الفنانين الذين نجحوا في تقاضي الملايين من معجبيهم مباشرة، ومنهم "ديدماو 5"، وغريميس، وتوري لينيز. وفي فبراير الماضي، باع الفنان جستن بلاو المعروف باسم (3lau)، مجموعة تضمُّ 33 رمزاً من الـ(NFTs)، منحت المشترين إصدارات محدودة من الأسطوانات، وموسيقى لم تصدر بعد، بالإضافة لتجربة متميزة، ذلك وفقاً لموقع "بزنيس إنسايدر". وقد حصل بلاو مقابل مبيعاته هذه على 11.6 مليون دولار.
هذا التحوُّل، يساعد الفنانين في التعويض عن المكاسب القليلة التي يحققونها من بثِّ أغانيهم على منصات، مثل: "سبوتيفاي"، و"أبل ميوزيك" التي تدفع أقل من سنت واحد عن كل استماع، كما تساعدهم في تعويض الخسائر الناتجة عن غياب الجولات الموسيقية على مدار العام الماضي بأكمله.
منصات البث..ليست للجميع
"أحلام الفيل" كانت أوَّل رمز من الـ(NFTs) يبيعه أنجوس، وقد حصل مقابله على 26 ألف دولار. وقال أنجوس: "كنت سأحتاج لثلاث سنوات لكي أحصِّل تلك الإيرادات من "سبوتيفاي"". حالياً يقتصر حق ملكية هذا العمل الفني، على المشترين للنسخة الإلكترونية السمعية البصرية، بالإضافة للمصمم أندريه ريسينغر.
تقول فيكي نومان مؤسسة شركة استشارات الموسيقى الرقمية "كروس بوردر ووركس"، إنَّ منصات البث قد تكون جيدة للنجوم الكبار ممن تظهر أعمالهم بشكل كبير ضمن القوائم الموسيقية المتداولة. إلا أنَّ الفنانين المستقلين "سوف يعانون حقاً"، وكذلك بالنسبة للغالبية العظمى من المؤديين ممن هم في منتصف طريقهم الفني، فإنَّ نموذج منصات البث "لن يكون مناسباً لهم"، كما تقول نومان.
وتابعت، أنَّه في الوقت الحالي، باتت معظم شركات الإنتاج الموسيقى ذات النظرة المستقبلية، تمتلك أقساماً وفرقَ عمل متخصصة بالرموز المشفَّرة غير القابلة للاستبدال، التي تعمل حالياً على تقييم الأعمال، والفيديوهات، والأغاني، التي بالإمكان تحويلها إلى رموز مشفَّرة.
نموذج منصات البث، كان قد ظهر كردَّة فعل لمكافحة خدمة "نابستر" الموسيقية، التي سمحت لأيِّ شخص بتحميل ملفات الموسيقى مجاناً على الإنترنت.
تقول نومان: "نحن على وشك التخلي عن نموذج العمل الذي اعتبرته الصناعة أفضل طريقة لتفادي القرصنة، والقائم على منح المستخدم باقة ترفيهية تمكِّنه من الوصول إلى الخيارات المتاحة كافةً، مقابل 9.99 دولاراً شهرياً" وأضافت: "تميل صناعة الموسيقى إلى أن تكون بطيئة وبيروقراطية، لكنَّ موسيقيين، مثل: "راك" استطاعوا القفز لاستعمال تقنيات جديدة تخدم مصالحهم".
واستطردت نومان قائلة: "يمكن للفنانين القفز إلى التقنيات الجديدة بمجرد ظهورها واستخدامها لمصلحتهم على الفور. لهذا السبب أنا متحمسة للغاية للـ(NFTs)".
موسيقى العملات المشفرة
بالنسبة لأنجوس أو "راك"، الذي صمم جهازاً يعمل على نظام تشغيل "لينكس"، وهو في الثالثة عشرة من عمره فقط، فقد بدت له فكرة البرامج متاحة المصدر منطقية جداً. إذ يقول أنجوس: "لقد رأيت ما حدث مع خدمة "نابستر" التي نجحت الشركات التجارية الكبرى في إغلاقها، لأنَّها مثَّلت نقطة فشل رئيسية بالنسبة لهم". ثم جاء بعد ذلك برنامج "بيت تورينت"، الذي استطاع المستخدمون من خلاله تنزيل أجزاء من الأفلام أو الأغاني ضمن شبكات الند-للند. وسرعان ما أدرك أنجوس أنَّ برنامج "بيت تورينت" لا يمكن إيقافه، لأنَّ الكثير من الناس أرادوا استخدامه. وهي الفكرة نفسها التي لاحت له بالنسبة لتقنية الـ"بلوكتشين".
يقول أنجوس: "إنَّه تطور مستمر لما يجري" ويضيف: "المبدأ الأيدولوجي متطابق في الحالتين". وللسبب نفسه، كان أنجوس من المتحمِّسين لعملة "إيثريوم" المشفَّرة التي تستطيع تسجيل العقود الذكية، وإجراء الحسابات المترتبة عليها تلقائياً، لذلك في حال استوفت هذه العقود شروط معينة. وقد تكون إحدى تطبيقات هذه التقنية، تتمثَّل بتقسيم الإيرادات تلقائياً بين أعضاء الفرقة الموسيقية في كل مرة يتمُّ فيها بيع أحد التسجيلات.
ويكمل أنجوس: "إذا فكرت بشيء ما، فيمكنك بناءه". وعن الـ"إثيريوم"، يقول: "كانت اللحظة الفارقة، عندما قلت لنفسي يا لها من فكرة، يمكننا الآن إعادة بناء صناعة الموسيقى".
أصدر أنجوس ألبومه "إيغو" في عام 2017 عن طريق منصة "يوجو ميوزيك"، التي سمحت للمعجبين بشراء الألبوم باستخدام العملة المشفَّرة "إيثريوم"، في حين كان معروضاً للبيع بالدولار الأمريكي أيضاً على منصات مثل "آي تيونز".
قيمة جديدة للأعمال الموسيقية
يعدُّ العامل الرئيسي الذي نجحت تقنية "بلوكتشين" في تقديمه هو الندرة الرقمية. فعلى عكس ملفات "إم بي ثري" التي يمكن إعادة مشاركتها مليون مرة، فإنَّ الملف الرقمي المرتبط بتقنية "بلوكتشين" يرتبط بسجل ملكية كامل مرفق به. ويشبه الأمر سوق الفن التقليدي إلى حدٍّ ما، إذ يمكن لشخص امتلاك صورة عن لوحة للفنان إدوارد هوبر، في حين يمتلك آخر اللوحة الأصلية التي رسمها الفنان. صحيح أنَّ كلا اللوحتين يمكن تعليقهما على الحائط، إلا أنَّ أحدهما فقط تمتلك قيمة مرتفعة. هذا التصديق للأصليّة، يمكنه جعل أعمال مثل الأغاني أو الفنون الرقمية، قابلة بشكل غير مسبوق، للجمع كمقتنيات الأعمال الفنية تماماً.
وبسبب تلك التقنية رأينا اليوم أحد معجبي أنجوس يدفع 2250 دولاراً مقابل نسخة واحدة من ألبومه الجديد "يو"، الذي سيتمُّ إنتاج 100 نسخة منه فقط. وفي حين يمكن للمشترين نسخ وبيع الأغاني بعد ذلك من الألبوم، إلا أنَّها لن تكون أصلية، وبالتالي لن تكون ذات قيمة كبيرة.
أغنية لا تتوقف عن التطوّر
كذلك، فإنَّه بالإضافة إلى تحويل الأغاني لمقتنيات يمكن جمعها؛ فقد استخدم أنجوس إمكانيات الملفات الرقمية النادرة، لصنع الموسيقى بطريقة جديدة أيضاً. إذ عُرض تسجيله "سيلكولار" على المعجبين، بنسخة بمزيج موسيقى رئيسي، وأخرى بمقاطع منفردة من أجزاء الأغنية مثل تلك التي يعزفها البيانو أو الجيتار. ويعلِّق أنجوس: "كل طبقة من الأغنية، يمتلكها شخص مختلف." وكل شخص يمكنه إجراء تعديلات من قبله، ويمكن من خلال ذلك جعلها تبدو كأغنية مختلفة تماماً. في النهاية، يمكن القول، إنَّه عمل موسيقي تعاوني.
يقول أنجوس: "الفكرة برمَّتها خلف أغنية "سيلكولار"، تتلخَّص بعدم وجود نسخة نهائية لها". فإذا ذهبت الآن لموقع (Asynch) الموسيقي، فإنَّك "ستحصل على إصدار مختلف عما كان عليه بالأمس". وأضاف أنجوس: "لا يمكنك فعل ذلك على منصة "سبوتيفاي".
كذلك، فإنَّه لا يمكنك على منصة "سبوتيفاي" كسب 83 ألفاً و718 دولاراً من بيع المزيج الرئيسي للأغنية. وتمثِّل هذه القيمة، السعر الأخير الذي تمَّ دفعه بشكل مباشر لأنجوس مقابل الرمز المشفَّر لها.
حريّة إبداعية
هذه الإمكانية لتحقيق الأرباح، منحت أنجوس الحرية لتنفيذ الأفكار الإبداعية التي يريد. يقول أنجوس: "لقد شعرت بالكثير من الحرية". في حين تشرح نومان: "يوجد لدينا ميزانية نلتزم بها، لكنَّها أصبحت فضفاضة بعض الشيء". وتشير إلى أنَّ هذه المكاسب قد تغيِّر الطريقة التي يتعامل بها الموسيقيون مع التسجيل الموسيقي والجولات الغنائية مستقبلاً.
تستطرد نومان: "أصبح لدى الفنانين بالفعل حرية الاختيار، وهو أمر لم يكن متاحاً لهم من قبل. بات الفن يتطوَّر بسبب التكنولوجيا، وسوف تتطوَّر التكنولوجيا من خلال الفن، وفي هذه المرحلة سيكون الوضع مثيراً حقاً".
يشير أنجوس أنَّه لا يواجه مشاكل مع صناعة الموسيقى بأكملها، لكنَّه يرغب في تغيير الطريقة التي تمنح فيها شركات التسجيل القروض للموسيقيين لتسجيل ألبوماتهم، بأرباح مكلفة للغاية. فقد بلغت تكلفة ألبومه "بوي" نحو 80 ألف دولار، وهو ما يراه أنجوس مبلغاً معقولاً، لكنَّه يتساءل: "لماذا يتمُّ تمويل ذلك المبلغ بفائدة تصل إلى 50%ز إنَّه أمر سخيف". ويضيف أنجوس أنَّ القروض غالباً ما تتمُّ إعادة هيكلتها بطرق "لا يمكنك معها، إنهاء سدادها أبداً".
في مارس الماضي، أسس أنجوس وكالة "6 " الرقمية المتخصصة في الـ(NFTs). وذلك لتشجيع زملائه الفنانين على استكشاف إمكانات تلك الرموز غير القابلة للاستبدال.
يضيف أنجوس أخيراً: "بمجرد إضفاء هذا الطابع الديمقراطي على عملية التمويل، ستأخذ الجوانب الأخرى منحاها الصحيح". متابعاً: "سيشكِّل هذا مكاناً جيداً لبدء حلِّ المشاكل في صناعة الموسيقى".