الشرق
تُشكّل السياحة العامود الخامس في هيكل تدفق النقد الأجنبي إلى مصر، إلى جانب الصادرات وتحويلات المغتربين وقناة السويس والاستثمارات المباشرة.
وشهد القطاع عام 2019 قدوم 13 مليون سائح أنفقوا 13 مليار دولار، فيما اعتُبر بداية عودة العصر الذهبي للسياحة المصرية. لكن جائحة كورونا أعادت الأمور إلى المربع الأول.
وبينما تُشكّل المنتجعات البحرية ونهر النيل والآثار حجر الزاوية في استقطاب الزائرين من كل بقاع الأرض، يُركز تقرير لوكالة "أسوشيتد برس"، صدر اليوم الأحد، على الاكتشافات الأثرية الأخيرة، وكيف تعتمد مصر عليها للفوز بحصة أكبر من كعكة المسافرين الذين بدأوا يضعون خططهم لفصل الصيف، مع تزايد حملات التطعيم باللقاحات المضادة لفيروس كورونا، لاسيما في الأسواق الأوروبية والصين وروسيا التي تُشكّل مصادر السياحة الأساسية إلى مصر.
تطعيم خجول
خلال الأشهر الأخيرة، تسارعت خطى مصر نحو جذب السياح الدوليين مجدداً إلى مواقعها الأثرية ومتاحفها. حيث يراهن المسؤولون على أن الاكتشافات الأثرية الحديثة ستشكل ميزة تفضيلية في سوق السياحة الدولية خلال منتصف وما بعد نهاية تفشي فيروس كورونا. وتحتاج مصر إلى الزوار للعودة بقوة وضخ النقود في قطاع السياحة، باعتباره أحد ركائز الاقتصاد الأساسية، بحسب "أسوشيتد برس"
لكن في الوقت عينه، تواصل مصر معركتها ضد كورونا، وتكافح من أجل تطعيم شعبها باللقاح المضاد للفيروس. حيث تلقّت البلاد، حتى الآن 5 ملايين جرعة فقط، بينما يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، وفقا لبيانات وزارة الصحة المصرية. وفي أوائل شهر مايو الحالي، أعلنت الحكومة أنه جرى تطعيم مليون شخص، رغم أنه يُعتقد أن عدد الحاصلين على اللقاح قد تجاوز هذا الرقم الآن.
كنز جديد
بغضون ذلك، أبقت السلطات المصرية على تشغيل آلة الدعاية للسياحة، وركزت على الاكتشافات الأثرية الجديدة.
فخلال شهر نوفمبر الماضي، أعلن علماء الآثار اكتشاف ما لا يقل عن 100 تابوت قديم يعود تاريخها إلى العصر الفرعوني المتأخر (664 – 332 قبل الميلاد، وانتهى بغزو الإسكندر الأكبر لمصر) والعصر اليوناني البطلمي، إلى جانب 40 تمثالاً مطلياً بالذهب، عثر عليها بعد 2500 عام من دفنها. جاء ذلك بعد شهر من اكتشاف 57 تابوتاً آخر في نفس الموقع، وهو مقبرة سقارة التي تضم الهرم المدرج.
ووصف وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني، أثناء إعلانه عن اكتشاف شهر نوفمبر، الماضي منطقة سقارة بأنها "كنز"، مُقدّراً أن ما جرى اكتشافه حتى الآن لا يتعدّى 1% فقط مما يحتويه الموقع. مُضيفاً: "مشكلتنا الآن هي أننا لا نعرف كيفية إبهار العالم بهذا الاكتشاف".
أيضاً، وفي شهر أبريل الماضي، أعلن زاهي حواس، أشهر عالم آثار مصري، عن اكتشاف مدينة مفقودة عمرها 3000 عام في جنوب الأقصر، مكتملة بمنازل من الطوب اللبن، وتضم تحفاً وأدوات من العصر الفرعوني. يعود تاريخ هذه المدينة إلى عهد أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، التي تعتبر فترة حكمها (1390-1353 قبل الميلاد) عصراً ذهبياً لمصر القديمة.
مصر كلها متحف
تزامن هذا الاكتشاف مع احتفالية نقل 22 مومياء ملكية من وسط القاهرة إلى مقرها الجديد في منشأة ضخمة تقع أقصى جنوب العاصمة، وهو المتحف القومي للحضارة المصرية.
إلى ذلك، باتَ منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر الآن مقراً لمتحف شرم الشيخ القومي، كما هو الحال بالنسبة لمطار القاهرة الدولي. في وقتٍ تجري التحضيرات على قدمٍ وساق لافتتاح المتحف المصري الكبير الجديد بجوار أهرامات الجيزة بحلول شهر يناير المقبل، بعد سنوات من التأجيل. كما جرى تخفيض رسوم الدخول للمواقع الأثرية فضلاً عن تكلفة التأشيرات السياحية.
وتُشكّل الآثار محور حملة الحكومة المصرية، المستمرة منذ سنوات، لإحياء صناعة السياحة المضطربة في البلاد، والتي سبق أن تعرضت لضربة شديدة أثناء الثورة. وما إن بدأ القطاع بالوقوف على قدميه حتى تعرّض لجائحة كورونا.
تفاؤل حذر
بحسب الوزير العناني، فإن عائدات السياحة الخارجية بلغت 13 مليار دولار عام 2019، حيث استقبلت مصر حوالي 13.1 مليون سائح أجنبي، لتصل بذلك إلى مستويات ما قبل 2011. بينما لم تستقبل البلاد أكثر من 3.5 مليون سائح في 2020، بسبب كورونا.
لكن العناني يوضح، في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس" مؤخراً، أن حركة السياحة شهدت تطوراً في الأشهر الأولى من 2021، دون تقديم أرقام محددة. مُعرباً عن تفاؤله بقدوم المزيد من السياح الأجانب على مدار العام، قائلاً إن "مصر وجهة مثالية لما بعد كورونا، لأن سياحتنا بحق هي سياحة في الهواء الطلق".
علينا أن نرى ما إذا كانت الحكومة المصرية ستُبقي كورونا تحت السيطرة حقاً، فلقد سجلت البلاد إجمالي 15 ألف حالة وفاة جراء الفيروس، ولا تزال تشهد أكثر من ألف حالة إصابة جديدة يومياً.
عودة الروس
لدى مصر سبب إضافي للتفاؤل، يتمثل في إعلان روسيا في شهر أبريل الماضي أنها تخطط لاستئناف الرحلات الجوية المباشرة إلى المنتجعات المصرية المطلة على البحر الأحمر في يونيو 2021، بعد أن أوقفت موسكو هذه الرحلات، إبان تفجير إرهابي طال طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء في شهر أكتوبر من عام 2015، ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها.
لعل كلمات المرشد السياحي محمود الريس، الواردة ضمن تقرير "أسوشيتد برس"، هي خير مُعبّر عن واقع قطاع السياحة المصري وآفاقه للمدى القريب، إذ يقول: "2019 كان عاماً رائعاً، لكن كورونا قلب كل شيء رأساً على عقب.. إنها ضربة قوية".
مُشيراً إلى أنه رغم مشاهدته لبدء قدوم السياح بأعداد أكبر، إلاّ أنه يعلم أن التعافي التام لن يحدث بين عشية وضحاها، بل "سيستغرق الأمر بعض الوقت للعودة إلى ما قبل الجائحة".