بلومبرغ
تسعى شركة "تينسنت" لإثبات أنها في أفضل حالاتها لمواجهة عاصفة من التدقيق بشأن مكافحة الاحتكار قضت على نحو 200 مليار دولار من قيمة أكبر شركة في الصين في غضون أشهر.
وتؤكّد نتائج الشركة التي نُشرت الخميس الماضي مرونة أكبر شركة لنشر الألعاب في العالم، في الوقت الذي ينحسر فيه الوباء، مدعومةً بالنمو الذي شهدته المجالات الأحدث مثل التكنولوجيا المالية والسحابة. مع ذلك فإن الشركة تكافح لاستعادة القيمة السوقية التي تراجعت عنها منذ ذروتها في يناير، في الوقت الذي بدأت فيه بكين حملة تضييق على مجموعة جاك ما "علي بابا" وشركة "آنت غروب" قبل الانتقال إلى النجم الصاعد "ميتوان" (Meituan).
استطاعت "تينسنت" النجاة إلى حد كبير من الحرب حتى الآن، رغم تطبيق "وي تشات" المنتشر في كل مكان مقدماً رؤى لا مثيل لها في كل جوانب الحياة الصينية تقريباً، والمالك لحصة هائلة في أسواق الألعاب والموسيقى ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن الأسئلة لا تزال قائمة حول التداعيات النهائية لحملة تهدف إلى الحدّ من نفوذ شركات الإنترنت الصينية، وكما هو الحال في الغرب، فضحت الانتهاكات المزعومة مقدار القوة التي أصبحت تملكها هذه النوعية من الشركات.
تهدئة المستثمرين
من شأن مجموعة النتائج الجيدة أن تقطع شوطاً طويلاً في تهدئة المستثمرين، فمن المتوقع أن تحقق الشركة التي تتخذ من شنجن مقراً لها نمواً في الإيرادات 24% لربع مارس بفضل المدفوعات القوية واستعادة الخدمات السحابية، فيما تستمرّ الألعاب والمحتويات الأخرى في جذب المستخدمين.
وأعطى ما يقرب من 96% من المحللين الذين يتتبعون الأسهم في "بلومبرغ" الشركة التصنيف الممتاز أو ما يعادله، وهي أعلى نسبة منذ بدأت بكين حملتها لمكافحة الاحتكار في نوفمبر. وحقّق سهم الشركة يوم الخميس مكاسب بلغت 1.3% للتداول، بما يمثل تغيُّراً طفيفاً.
وقالت جوليا بان، المحللة العاملة في شنغهاي في "يو أو بي-كاي هيان": "إذا لم يكُن قلق تنظيمي، فإن (تينسنت) جذابة للغاية من حيث التقييم، إنها لعبة دفاعية داخل قطاع التكنولوجيا، لأنهم لا يحتاجون إلى حرق الأموال لأعمالهم الأساسية مثل (علي بابا) و(ميتوان)".
الحاضر الغائب
رغم أن حكومة شي جين بينغ لم تختر بعد "تينسنت" بعد في حملتها لمكافحة الاحتكار، لم يستبعد المستثمرون كلياً التداعيات المحتملة لإمبراطورية الملياردير جاك ما المترامية الأطراف على الإنترنت.
من جهتهم، يجادل المنافسون مثل شركة "بايت دانس" المالكة لـ"تيك توك"، بأن "وي تشات" تغلق نظامها على المستخدمين عن طريق حظر روابط الخدمات الخارجية.
وعوقبت شركات محفظة "تينسنت" مثل "شينجيانغهوي" (Shixianghui) و"يوانفاوداو" (Yuanfudao) بسبب تكتيكات الأسعار غير العادلة وغيرها من السلوكيات الضارة بالمنافسة. وتواجه الذراع الموسيقية للشركة تدقيقاً شديداً بشأن التعاملات الحصرية مع شركات التسجيلات. ولعلّ الأمر الأكثر إثارة للقلق أن ذراع "تينسنت" للتكنولوجيا المالية -أقرب نظير لـ"آنت" في الصين- يقال إنها ستكون التالية في حملة زيادة الرقابة.
ومن المرجح أن يسعى المسؤولون التنفيذيون مرة أخرى لطمأنة المستثمرين، إذ طالما كانت الشركة حذرة تجاه لوائح التكنولوجيا المالية، وستلتزم ممارستها العادية المتمثلة في الحصول على حصص أقلية في الشركات الناشئة، إذ قال مارتن لاو رئيس "تينسنت"، للمستثمرين في مارس الماضي، إن: "الامتثال شريان حياتنا".
لكن تدقيق بكين قد يظهر في النتيجة النهائية لشركة "تينسنت"، وقد تتأثر مبيعات الإعلانات إذا قررت الشركات الناشئة التي تقدم خدمات تعليمية عبر الإنترنت -السوق الضخمة للغاية في الصين- البقاء في الجانب الجيد مع بكين. وقد يعني النهج الحكيم للتكنولوجيا المالية أيضاً تحولات نموّ في مدفوعات البطاقات الائتمانية بدلاً من الأعمال المربحة الناتجة عن إدارة الثروات والإقراض.
في الوقت الحالي، من المتوقع أن تنمو أعمال التكنولوجيا المالية والسحابة في "تينسنت" 41% في ربع مارس –كأسرع نمو في ثمانية أرباع– بعد أن كان شهد انخفاضاً قبل عام عندما ظهر "كوفيد-19".
قطاع يُدِرّ الذهب
عندما دخلت الصين حالة إغلاق بداية عام 2020، أصبحت الألعاب عبر الإنترنت من أكبر المستفيدين من طفرة الترفيه في المنزل. لهذا تواجه "تينسنت" الآن مقارنة صعبة للنمو السنوي تتمثل في تحقيق زيادة أبطأ متوقعة في المبيعات بنسبة 16% للأعمال التي تُدِرّ الربح الأساسي لها. مع ذلك فإن الألعاب الأساسية مثل "أونر أوف كينغز" و"بي يو بي جي موبايل" تتصدر قائمة إنفاق اللاعبين العالميين، على الرغم من المنافسين الهائلين مثل لعبة "غينشين إمباكت" التي تنتجها شركة "ميهويو" (miHoYo).
أعلنت "تينسنت" عن خط إنتاج لأكثر من 40 لعبة جديدة خلال عرض الألعاب السنوي، وبعد عام من اقتطاع أجزاء من 31 شركة ألعاب على الأقلّ حول العالم، تحاول الآن إنتاج نجاحات جديدة للجوال مستندةً إلى محتوى مألوف، بما في ذلك سلسلة الألعاب اليابانية "ون بيس" و"أبطال الديجيتال".
وكتبت شركة أبحاث الألعاب "نيكو بارتنرز" في مذكرة نُشرت في 16 مايو: "لا تزال (تينسنت) تواجه منافسة قوية من شركات التكنولوجيا الكبيرة مثل (بايت دانس) و(علي بابا)، فضلاً عن الشركات المتوسطة الحجم مثل (ليلث غيمز) و(ميهويو)، لكنها ليست في خطر مباشر يُفقِدها مكانتها الرائدة في السوق".
سباق الخيل
على المدى الطويل، على المستثمرين الانتباه أيضاً للمنافسة.
وتشتهر "تينسنت" بثقافة المنافسة الداخلية التي لا ترحم، والتي غالباً ما تشبه سباق الخيل بسبب طبيعتها السريعة والصارمة، إذ تتنافس الفرق المتعددة لتطوير منتجات مماثلة إلى أن يفوز واحد منها. ولتسبُّب هذه العملية في "تحطيم بعض الجدران الداخلية"، يجب توجيه الجهد إلى القتال الخارجي بشكل أفضل.
وجمع العملاق الاجتماعي الشهر الماضي تطبيق الفيديو المصغَّر ومنصة بث الفيديو ومتجر الهاتف المحمول في وحدة أعمال واحدة في عملية إعادة هيكلة نادرة. وتَولَّى روس ليانغ، الرئيس السابق لتطبيق (QQ) الاجتماعي، منصب الرئيس التنفيذي الجديد لمجموعة "تينسنت ميوزك إنترتينمنت"، بعد عام من تعديل قيادي مماثل في ذراعها الأدبية.
يسلّط كل هذا الضوء على جهود "تينسنت" لحشد مواردها كافة من أجل بناء كيان قوي على غرار شركة "والت ديزني" واستعادة ما فقدته لصالح منافسين مثل "بايت دانس"، التي كانت تطبيقاتها المسببة للإدمان تتناقص في ما يتعلق بوقت شاشة المستخدم والدولارات التي تجلبها الإعلانات. فعلى سبيل المثال، سيشارك منشئو المحتوى على تطبيقات الموسيقى من "تينسنت" مقاطع قصيرة على حسابات الفيديو سريعة النمو في "وي تشات"، لأن الأنظمة الأساسية الداخلية تعمل معاً بشكل وثيق، حسبما قال ليانغ في مكالمة بعد الأرباح الثلاثاء الماضي.
لكن المنافسة شرسة أيضاً في الخدمات السحابية، وتَسبَّب الوباء في تعطيل مشروعات تكنولوجيا المعلومات، لكن الوتيرة كانت سترتفع في الربع الماضي مع انتعاش الاقتصاد الثاني في العالم. وستكون شركة "تينسنت" حريصة على تعويض الخسائر في عام 2021. وتفوقت شركة "هواوي" على "تينسنت" العام الماضي لتصبح المزود الثاني للبنية التحتية السحابية في الصين، بحصة سوقية تبلغ 16.3% مقابل 35.1% لشركة "علي بابا"، وفقاً لأبحاث "غارتنر".