بلومبرغ
بدأت أوروبا تستيقظ من سباتها الناجم عن وباء كورونا، ففتحت المقاهي الباريسية أبوابها، كما عادت محلات "الجيلاتو" في روما، في اختبار قوي لمدى التعافي الذي حقَّقته المنطقة على الصعيدين الصحي والاقتصادي.
تخفيف قيود كورونا
في هذا السياق، بدأت السلطات المحلية على امتداد القارة بتخفيف القيود التي تفرضها نتيجة تراجع أعداد الإصابات، وتوسع حملات التلقيح.
إيطاليا على سبيل المثال، التي كانت المركز الأساسي لأزمة كورونا في أوروبا، سترفع حظر التجول على المستوى الوطني خلال الأسابيع المقبلة، فيما بدأت ألمانيا تدريجياً بتخفيف بعض القيود القاسية.
وفي فرنسا، بدأت المطاعم يوم الأربعاء، باستقبال الزبائن في الساحات الخارجية، كما تعتزم المتاحف مثل "اللوفر" البدء باستقبال الزوار مجدداً.
وفيما تستعد المقاهي الباريسية، بينها مقهى "لي دو ماغو" لفتح أبوابها، انضمَّ ملهى "مولان روج" إلى هذه الاندفاعة الحماسية، فانتشرت راقصات "الكان كان" في الشوارع للترويج لإعادة افتتاح الكباريه الشهير في سبتمبر، وكشفن عن الموعد المرتقب المدوَّن أسفل تنانيرهن.
مخاوف من انتكاسة جديدة
مع ذلك، على الرغم من الحيوية الكبيرة، ما تزال سحابة رمادية تخيِّم فوق أوروبا التي كانت قد عانت من عدة انتكاسات في مساعيها لتخطي وباء كورونا.
وفي ظل الانتشار السريع للسلالة الجديدة المُعدية التي نشأت في الهند، وامتدت إلى أماكن أخرى، ستستمر السلطات في اتخاذ إجراءات واضحة.
ففي برلين، لا بدَّ من الخضوع لاختبارات كورونا من أجل تناول الطعام في المطاعم الخارجية التي ستفتح أبوابها يوم الجمعة، كما أنَّ الحياة في الشوارع الباريسية ستبقى أقل صخباً مما كانت عليه قبل الوباء.
وقال باولو فيغليانيسي، البالغ من العمر 66 عاماً، مالك مطعم "باباراتزي" في ساحة هادئة خلف دار الأوبرا في باريس: "نحن مسرورون لإعادة فتح أبوابنا، ومحظوظون بهذا الموقع الرائع، ولكن الأمور لن تعود كما كانت من قبل".
قبل الأزمة، كان المطعم يضم 39 موظفاً، ولكن "فيغليانيسي" قال، إنَّه سيبدأ مع طاقم من 15 موظفاً فقط، بعد العودة لاستقبال الزبائن. وهو يأمل أن يتمكَّن في نهاية المطاف من استضافة حول 100 زبون على الغداء، و100 زبون آخر على العشاء، أي نحو ثلثيّ العدد الذي كان يستقبله قبل الوباء.
وعلَّق على الاستعدادات لإعادة فتح أبواب مطعمه قائلاً: "أشعة الشمس، والطقس الدافئ سوف يساعدوننا، ولكن عليك إعادة ابتكار نفسك".
النمو في أوروبا
ثمة الكثير على المحك، فبعد انطلاقة بطيئة لحملة التلقيح، تأخر فتح الاقتصاد في أوروبا عن بريطانيا والولايات المتحدة، ولم يعد في وسع القارة تحمّل المزيد من التأخير.
وكانت المفوضية الأوروبية رفعت الأسبوع الماضي توقُّعات النمو لعام 2021 في منطقة اليورو إلى 4.3% بعد أن احتسبت للمرة الأولى صندوق التعافي المشترك البالغة قيمته 800 مليار يورو (975 مليار دولار) الذي أنشأه الاتحاد الأوروبي.
مع ذلك، ما تزال النسبة أقل من توقُّعات التعافي البالغة 6% على الأقل في كلٍّ من الولايات المتحدة وبريطانيا.
صراعات سياسية
على الصعيد السياسي، على القادة الأوروبيين أن يوازنوا بين الاقتصاد وحماية الصحة العامة.
ففي ألمانيا، يتصارع المحافظون، حزب المستشارة أنغيلا ميركل، مع حزب الخضر على قيادة أكبر اقتصاد في أوروبا، فيما يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون- الذي حاول بدون جدوى تفادي الإغلاق الثالث- تحدياً صعباً في الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
حالياً، الجو العام مائلٌ للتفاؤل الحذر. إذ كانت إجراءات الحظر قد أسهمت في الحدِّ من تفشي العدوى بشكل كبير، كما توسَّعت حملات التلقيح بسرعة.
مع ذلك، ما يزال الخطر قائماً مع ظهور سلالات متحورة جديدة من كورونا مثل السلالة الهندية. ويبدو أنَّ السلطات تعلَّمت الدرس من الصيف الماضي حين بدا أنَّ الوباء تحت السيطرة، ثم عاد أشدُّ فتكاً في الخريف.
وقال المتحدِّث باسم ميركل، ستيفان سيبرت، هذا الأسبوع: "يمكننا أن نكون واثقين، ولكن غير متهورين".
وفيما ما تزال معدلات الإصابة أعلى بكثير مما كانت عليه في العام الماضي، قال سيبرت: "لم نصل بعد إلى مرحلة تُمكِّننا من الاستمتاع بصيف هادئ كما في العام الماضي".
عودة حذرة
بسبب هذه المخاوف، جاءت إعادة فتح بعض المؤسسات فاترة، مثل الحال في حديقة البيرة "شينيسيسشر تورم" في "ميونيخ" التي افتتحت أبوابها الأسبوع الماضي بعد تراجع معدل الإصابات إلى ما دون مستوى الخطر.
في العادة، كان نحو 7 آلاف ضيف يجتمعون لتناول النقانق، وشرب "البيرة" حول الطاولات المشتركة، ولكن اليوم تبدو الأعمال بطيئة بسبب قلَّة السياح الأجانب والطقس الغائم، وخطر إعادة تشديد القيود.
وقالت ماريا بينزغير، المتحدِّثة باسم حديقة "البيرة": "بما أنَّنا نستطيع أن نُبقي أبوابنا مفتوحة، فنحن مسرورون بذلك، ولكن توجد بعض المخاطر مثل سلالات كورونا التي لا نستطيع أن نتوقَّعها الآن".
المطاعم الأوروبية تشتاق للزبائن
في أسبانيا، أعادت المطاعم والمسارح فتح أبوابها قبل نحو أسبوعين، مع فرض قيود على القدرة الاستيعابية، وتحديد أوقات إقفال مبكرة في معظم المناطق.
ففي برشلونة، الطلب المحلي لا يكفي للتعويض عن ملايين السياح الذين كانوا يتدفَّقون إلى المدينة، بحسب سيرغي فيرير، رئيس رابطة أصحاب المتاجر في منطقة برشلونيتا الشاطئية.
وقال "فيرير" الذي يدير مطعماً عند مرفأ المدينة: "إذا لم يأتِ السياح هذا العام، فإنَّ ذلك سوف يؤدي إلى هلاكنا".
وأضاف: " امتلأ المطعم بالسكان المحليين خلال النهار أيام الجمعة والسبت والأحد، ولكن الأمور ليست جيدة بما يكفي لنفتح في الليل".
في روما، تمديد حظر التجول إلى ما بعد الساعة العاشرة مساءً سَيُحدث فرقاً كبيراً بالنسبة للمؤسسات، مثل مطعم السمك "ريبا 12" في منطقة "تراستيفيري" الراقية.
على الرغم من أنَّ المطعم أعاد فتح أبوابه منذ نهاية إبريل الماضي، إلا أنَّ الطاولات الخارجية تبقى فارغة في بداية المساء، مما يؤشر إلى أنَّ التعافي سوف يكون تدريجياً.
وقال مالك المطعم "فينسينز وكولاو": "زبائننا هم من الموظفين الذين يعملون لوقت متأخر، ونادراً ما يأتون قبل الساعة التاسعة مساء".
وأضاف أنَّه بما أنَّ حظر التجول مستمر حتى هذا الأسبوع "فالعديد منهم لم يأتوا"، مشيراً إلى تراجع إيراداته بنحو 70% مقارنة بما قبل الوباء.
والأمر مشابه في باريس، حيث طاولات مطعم "باباراتزي" في الخارج ستخصص لستة أشخاص فقط، مع ترك مساحة آمنة فيما بينها. كذلك، تمَّ تخفيف عدد الأطباق في قائمة الطعام. ويتوقَّع "فيغليانيسي" ألا يعود الكثير من موظفي المصارف والمحامين الذين كان يستقبلهم في السابق.
وقال، إنَّ "العمل من المنزل سوف يستمر". وأضاف: "سيأتي الناس إلى المكتب مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، ثم سيهرعون إلى الريف. كنت فعلت الأمر نفسه لو أمكنني ذلك".