السلع "الطبيعية" لم تعد جميعها "أخلاقية" بالضرورة

time reading iconدقائق القراءة - 9
لماذا تستخرج الماس من المناجم بينما يمكنك الحصول عليه من المختبر بدون إيذاء للبيئة - المصدر: بلومبرغ
لماذا تستخرج الماس من المناجم بينما يمكنك الحصول عليه من المختبر بدون إيذاء للبيئة - المصدر: بلومبرغ
- مقال رأي

من الحرير والجلد المصنوعين من مصادر نباتية بالكامل إلى الماس الغير مستخرج من المناجم، وحتى العطور المهندسة بيولوجياً، يبدو أن المنتجات المطوّرة في المختبرات بطريقة تلتزم المعايير الأخلاقية ستهيمن في مستقبل السلع الفاخرة.

فبعد إعلان عملاقة صناعة المجوهرات "بندورا" مؤخراً عزمها التوقف عن استخدام الماس المستخرج من المناجم في منتجاتها، يبدو أن صعود السلع الفاخرة المطوّرة بواسطة التكنولوجيا بات يشكّل نقطة تحول ثقافية.

ومنذ ما يقرب نصف قرن من الزمان، نشأت قطاعات كبرى تقوم على مفهوم بأن المنتجات "الطبيعية" من الأطعمة ومواد التجميل وغيرها من السلع، هي أفضل للبشر ولكوكب الأرض أيضاً.

وهذا موقف يمكن أن ننسبه إلى رومانسيي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، الذين رفضوا التطور الصناعي، مفضّلين المشاهد الطبيعية الجميلة وما تثيره مشاعر الحنين الريفية. فبالنسبة لهم، الموجود بالطبيعة هو أمر جيد والمصنوع مثير للشكوك، وبالأخص إذا كان مصنوعاً حديثاً.

إلا أن هذا الاعتقاد السائد بدأ يأخذ نهجاً عكسياً، حيث بات رواد الأعمال والمستهلكون، على حدّ السواء، يتوجهون نحو التكنولوجيا بحثاً عن مواد صديقة للبيئة، والتي يتم انتاجها بشكل يلتزم بالمعايير الأخلاقية. وبالفعل، بدأت المواد المنتجة في أحواض التخمير أو المبنية ذرة بذرة، تحلّ محل تلك المستخرجة من باطن الأرض، أو المأخوذة من المصادر النباتية أو الحيوانية، أو تلك التي من الممكن أن تسبب بأي معاناة بشرية.

المنتجات الأخلاقية

تتمتع هذه المنتجات عالية التقنية بالجاذبية على المستوى الأخلاقي وتطرح إمكانيات مثيرة للاهتمام. مع ذلك، فإن بعض المعايير الأخلاقية قد تكون بحدّ ذاتها نوعاً من الترف، على الأقل إلى حين التوصل إلى ابتكارات تجعل هذه السلع أقل تكلفة. فمن شأن تحويل الماس إلى سلعة شائعة أن يساعد على توفير هذه الأحجار بأسعار أقل. كما قد يسهم في تبني طرق جديدة حول التنقيب واستخدامات الطاقة. كذلك، فإن إنتاج اللحوم، أو الحرير، أو الجلود في الأحواض، قد يجعل بدائلها التقليدية "الطبيعية" تبدو مثيرة للاشمئزاز في المستقبل.

وبعض هذه المنتجات يصنع بشكل جديد تماماً مثل الـ"برغر" النباتي واسع الشعبية من شركة "إمبوسيبل ميت" أو الجلد البديل من شركات مثل "موديرن ميدو"، و"بولت ثريدز"، و"إكوفاتيف"، وهي سلع تشكل بديلاً للمنتجات التقليدية. (تصنع "بولت" أيضاً حريراً نباتياً مهندساً بيولوجياً، ولكن لم يتم طرحه بكميات تجارية بعد). فيما تبقى بعض المنتجات الأخرى هي نفسها، ولكن يتم انتاجها بطريقة جديدة.

القادم الجديد

لنأخذ الماس المصنوع في المختبر على سبيل المثال، فهو مماثل تماماً للألماس الطبيعي على المستوى الكيميائي والهيكلي ومستوى الشكل أيضاً. وهو ما يثير غضب مروجي التنقيب عن الماس (فهم يدركون كيف أثّر اللؤلؤ المستزرع على أسعار اللؤلؤ). ومع ذلك، حتى شركة "دي بيرز" التابعة لعملاق المناجم "أنغلو أمريكان" الذي كان رئيسها التنفيذي قد وصف الأحجار الكريمة المصنوعة في المختبرات بأنها "غير حقيقية"، أطلقت قسماً خاصاً لبيع الأحجار المصنوعة في المختبر ضمن مجموعة من مجوهرات الأزياء منخفضة التكلفة.

وعلى الرغم من أن الماس الصناعي موجود منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن صناعته بجودة الأحجار الكريمة لم تبدأ إلا مؤخراً، وهي تقنية تم تطويرها في الأصل من أجل صناعة رقاقات الكمبيوتر ورقاقات الخلايا الشمسية، ولكن بطريقة أكثر تعقيداً.

يستخدم قطاع أشباه الموصلات عملية ترسب الطبقة الذرية لبناء رقاقات حول مادة بسماكة مئة ذرة. ومن أجل جعل بلّورات الماس كبيرة بما يكفي لتستخدم في المجوهرات، يتوجب على المنتجين بناء ما يصل إلى 10 مليارات طبقة من هذه الرقاقات.

خلال مقابلة، قال مارتن روسشايسن، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "دايموند فاوندري" في سان فرانسيسكو: "إذا حصل خطأ في الطبقة ألف أثناء عملية التصنيع، فهذا الخطأ لن يصحح نفسه"، وأضاف: "عليك أن تبني 10 مليارات طبقة دون أي خطأ". واليوم، بات الجيل الثامن من مفاعل البلازما الخاص بالشركة يملك كثافة أكثر بمئة مرةّ من تلك المستخدمة في قطاع أشباه الموصلات.

أسعار باهظة

يبلغ معدل سعر أحجار "دايموند فاوندري" 282 دولاراً للقيراط الخام، أي أكثر بمرتين من معدل سعر الماس المستخرج من المناجم من شركة "دي بيرز". ولكن، على مستوى أسعار التجزئة، الماس المصنوع في المختبر أرخص بكثير. وسبب هذه المفارقة بسيط جداً، فالماس المستخرج من المناجم يأتي بخليط من الأحجام والنوعيات المختلفة، وبالتالي فإن الأحجار الصغيرة والمتضررة وشاحبة اللون تؤدي إلى خفض السعر، فيما الماس المصنوع في المختبر كلّه ذو جودة عالية من الأساس. وبما أنه لا يتم تسعيره بمبالغ باهظة، فهو أرخص ثمناً بالنسبة للمستهلك، إذا أخذنا بالاعتبار الجودة. (النوعان يخضعان لنفس عمليات القطع والصقل).

على الرغم من أن كلّ حجر مصنّع في المختبر يختلف قليلاً عن الآخر، إلا أن كلها كبيرة إلى حدّ ما (نحو خمسة قيراطات قبل القطع والصقل) وجيدة اللون. هذا التناسق هو ما يجعل حتى مفاعل البلازما يستهلك كمية أقل بكثير من الطاقة لكلّ قيراط من الجوهرة بالمقارنة مع عمليات التنقيب في المناجم، وهذا ما يجذب أيضاً الزبائن المتحمسين لحماية البيئية.

استنبات الجواهر

كانت "بندورا" قد أضاءت في إعلانها عن التخلي عن ماس المناجم على موضوعيّ خفض التكلفة والاستدامة البيئية من أجل جذب قاعدة جديدة من العملاء.

يذكر أن المنتجات الفاخرة الجديدة يتم "استنباتها" وليس استخراجها، وهذا مصطلح ألطف بكثير.

من جهتها، قالت كريستينا أغاباكيس، المديرة الإبداعية في شركة "جينكغو بيووركس" في بوسطن: "الكثير من المنتجات الفاخرة والرائعة هي في الواقع أمور نستخرجها من أشياء في الطبيعة"، وأضافت:

توجد كمية صغيرة من الجزيئيات في النبات تعطي عبقاً جميلاً، فنقوم نحن بتدمير غابة كاملة لاستخراج هذا الجزء الصغير واستخدامه

بدلاً من ذلك، تعمل "جينكغو بيووركس" على إخضاع الخمائر للهندسة البيولوجية من أجل إنتاج الجزئيات المناسبة. وبحسب أغاباكيس، فإن الهدف هو التوصل إلى عملية "متجددة بالفعل"، وتتابع: "إذا أردت المزيد، يمكنك أن تستنبت المزيد". بهذه الطريقة، لا يتم قتل الحيوانات ولا قطع الأشجار، ولكن الجزئيات تبقى هي نفسها.

وحالياً، الشركة تستبدل مواد عدة، من الكولاجين في مستحضرات التجميل إلى الباتشولي في العطور. ولكن في المستقبل، قد يخترع العلماء مواد جديدة أو يسترجعوا مواداً كانت موجودة في الماضي.

كانت أغاباكيس قد قادت مشروعاً حيث تعاون العلماء في الشركة مع فنان وخبير عطور من أجل إعادة ابتكار الروائح المحتملة التي كانت تتمتع بها بعض أنواع الزهور المنقرضة، وذلك انطلاقاً من تسلسل الحمض النووي للعينات المحتفظ بها في "جامعة هارفرد".

لا تشكيك في الأصل

وفيما قد تفتقر الجزيئيات المهندسة حيوياً والماس المصنع في المختبر إلى منشأ السلع الفاخرة التقليدية، إلا أنها لا تعد مزورة. فهي أصلية استناداً إلى التحليل الكيميائي وأيضاً إلى الحواس البشرية. وما أن تخرج إلى العالم، سيتعذر التمييز بينها وبين السلع التقليدية إلا من خلال تتبع أوراقها حتى المنشأ.

وكتب سوديب أغاروالا، خبير علم وراثة الخمائر ومدير البرامج في "جينكغو بيووركس" قائلاً: "هذا عبق من الذاكرة، ذاكرتي وذاكرة الجميع. إنه العبق الذي أحببناه لآلاف السنين والذي سحر الأجيال، والأشخاص الذين أعرفهم وأحبهم، وجدتي"، في إشارة إلى العود الهندي الذي يأمل أن يعيد ابتكار رائحته مستخدماً الخمائر. ويتساءل: "هل العبق الذي سأبتكره بالخمائر سيكون حقيقياً"؟ إذا تمكن من استرجاع الذكريات نفسها، فأجل إنه سيكون حقيقياً".

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان