بلومبرغ
يبدو أن موسم التزلج، الذي ربما لم يبدأ بعد، يقترب أخيراً من نهايته، فبعد إغلاق الجبال بشكل مفاجئ في بداية تفشي الوباء في عام 2020، لم يتضح ما إذا كان يمكن استمرار عمليات الإغلاق طَوال شتاء "كوفيد-19" بأكمله، لكن في معظم الأماكن شكلت المسارات الذكية فارقاً كبيراً وعززت مواسم الشتاء الناجحة بإيرادات جيدة، إن لم تكن طبيعية تماماً.
ولا شك أن هذا الأمر ينطبق على شركة "منتجعات فيل" (Vail Resorts)، ففي أوائل مارس أعلنت الشركة، التي تهيمن على مشهد التزلج في الولايات المتحدة، تسجيل إيرادات صافية قدرها 147.8 مليون دولار للربع الثاني من عام 2021، بانخفاض سنوي نسبته 28.4%. لكن زيارات المتزلجين خلال موسم التزلج انخفضت بنسبة 8.2% فقط مقارنة بالعام السابق.
وتكبدت الشركة خسائر هذا العام في عروض مدارس التزلج وعروض الطعام، التي بلغت 43% و57% على التوالي، فكلتاهما تعد جزءاً من تجربة الجبل التي تعتمد على الاتصال البشري الوثيق بشكل أكثر من التنقل في مسارات المنتجع الخلفية على زلاجات طولها ستة أقدام.
وسجّل قطاع السفر والسياحة انخفاضاً بنسبة 74% العام الماضي، لتحقق بذلك الشركة نجاحاً نسبياً، لكن هذا النجاح يعكس التفكير المستقبلي في مختلف أنحاء الصناعة.
وفي الأيام الأولى للوباء، اجتمع المديرون التنفيذيون لصناعة التزلج معاً لطرح كل الأفكار الممكنة حول انتشار الوباء، ووضع معظم المنتجعات أنظمة حجز جديدة، وفرض حدود قصوى يومية للتزلج، ووسعوا نطاق تطبيقات طلب الطعام، وحتى خدمات التوصيل أصبحت منتشرة، وانتشرت كاسحات الثلج لتوصيل البيتزا إلى ممرات التزلج.
ويوضح روب كاتز، الرئيس التنفيذي لمنتجعات "فيل": "لن نعود إلى الطريقة التي كنا نعمل بها من قبل؛ لقد كان هذا العام صعباً بشكل لا يصدق بالنسبة إلى الجميع على كل المستويات. نحن لدينا معلومات كثيرة سنتمكن من استخدامها في المستقبل".
لا يُشترط الحجز
قبل أيام من إصدار منتجعات "فيل" لتصاريح الدخول بخصم 20% لموسم 2021-22، قال كاتز لحاملي جوازات السفر، عبر البريد الإلكتروني، إن الحجوزات لن تكون مطلوبة لفصل الشتاء. وهذا الأمر أثار بدوره الإحباط بشكل خاص في نفوس السكان المحليين الذين يكافحون للوصول إلى الأراضي الجليدية الموجودة في ساحاتهم الخلفية.
وصرح كاتز لـ"بلومبرغ: "في حين أن أنظمة الحجز لن تبقى بنفس الطريقة التي كانت عليها، فإننا علمنا كثيراً حول كيفية الحد من الزحام وإدارة السعة الاستيعابية بشكل أفضل". ويشير إلى أن بعض التقنيات المستخدمة في بناء هذا النظام سيظل موجوداً، ليسهم في حجز المطاعم على الجبال.
وأضاف: "كل شيء كان مقيداً هذا العام بسبب قيود التباعد الاجتماعي المفروضة، لكن يمكننا وضع هذه الأنواع من السياسات في نصابها الصحيح لتحسين التجربة بشكل عام".
تجديد للصناعة
ردد المنافس ريستي غريغوري، الرئيس التنفيذي لشركة "ألتيرا ماونتن"، الكيان الكامن خلف ممر التزلج "أيكون باس"، هذه المشاعر علناً. فهو يعتقد أن العملاء المستقبليين سيسجّلون للحصول على أماكن في قائمة انتظار إلكترونية للنزول والتمكن من شراء نظارات واقية في متجر التزلج فيما ينتظرون دورهم. وتخصص شركة غريغوري ما قيمته 30 مليون دولار لتوسيع وظائفها الرقمية، مما يسمح بخطوط توصيل افتراضية وأيضاً بالقدرة على "استدعاء" مدرب تزلج عند الطلب، كما تفعل "أوبر".
ويعمل كاتز على زيادة حجم فريق دعم العملاء التابع لمنتجعات "فيل" بأربعة أضعاف، ويرجع ذلك جزئياً إلى التعامل مع طلبات الاسترداد والإلغاء المتأخرة التي أثقلت كاهل موظفيه هذا العام. ويأتي هذا الأمر بالإضافة إلى خطط تشكيل جيش قوي قادر على الإجابة عن الأسئلة في الوقت الفعلي من خلال الرسائل النصية أو الـ"واتساب" أو المكالمات أو أي منصة أخرى يمكن تصورها.
واعترف كاتز بأن "خدمات العملاء المركزية لم تسِر بشكل جيّد بالنسبة إلينا هذا العام". وأوضح: "لقد كانت إدارة مراكز الاتصال وغرف الدردشة وكل الأشياء الأخرى صعبة للغاية. العملاء يريدون رداً سريعاً جداً على أي مشكلة يتعرضون لها، والمعلومات أحد أهم الأشياء التي نحتاج إلى توفيرها لهم".
حوكمة اجتماعية
ويقول كاتز إن مفتاح نمو الصناعة يكمن في توسيع نطاق الجذب ليشكل شبكة أوسع من المستهلكين مع خفض الحشود أيضاً. وهذا الأمر لا يتعلق بتفشي فيروس كورونا فقط، بل أيضاً يتعلق بفكرة عدم تفضيل أي شخص للانتظار في طوابير طويلة أو التزلج على أراضٍ منهكة. هذه الأهداف ليس ضرورياً أن تكون متعارضة.
ويوضح كاتز: "أحد أسباب عدم نمو أعمال التزلج على الجليد أو عدم نموه بشكل سريع هو أننا نشهد في الغالب مشاركة تقتصر على السكان البيض". ووصف الافتقار إلى التنوّع بأنه "تهديد وجودي وفرصة" للصناعة بشكل عام. وقال: "استقطاب الزوار أمر بالغ الأهمية لتحقيق أهدافنا النهائية، لكن هذا الأمر يبدأ بالتأكد من أن شركتنا متنوعة وجذابة لجميع الأعراق".
وتحقيقاً لهذه الغاية، كان في "فيل" عمليات تدقيق داخلي. ويقول كاتز إن التدقيق الداخلي الذي أجراه "فيل" قبل عدة أعوام أدى إلى تقسيم الرتب القيادية بشكل أفضل بين الجنسين، مثل مجلس إدارة الشركة، إذ كانت نسبة تمثيل الإناث قريبة من العدم لكنها تبلغ الآن 50% تقريباً.
وستركز مبادرات التنوع والإدماج الجديدة على التوظيف والانخراط مع العدالة الاجتماعية في الساحة السياسية عبر لجنة العمل السياسي الداخلية، بجانب توسيع نطاق الوصول عبر تقديم تذاكر تزلج مجانية للشباب أصحاب البشرة الملونة في المجتمعات المحيطة بالمنتجعات.
وتعتبر هذه الخطوة الأخيرة مهمة بشكل خاص، فالأسعار المرتفعة كانت تشكل في أغلب الأوقات عائقاً أمام السكان المحليين، من جميع الخلفيات، عند استحواذ شركات كبرى مثل "فيل" و"ألتيرا" على أحد الجبال. لكن الشركات المسؤولة عن التزلج تدرك أن ملء الأماكن الشاغرة للتزلج في منتصف الأسبوع هو الوسيلة الأفضل لنشر الحشود مع تحقيق أعداد أكبر بشكل عام. كما أن إنشاء الولاء مع السكان (بدلاً من الحشد السريع) يساعد في تحقيق هذا الهدف.
وخلال فترة تفشي "كوفيد-19"، تدفقت أعداد كبيرة من السكان الأكثر ثراءً على عديد من مدن التزلج، وأقاموا إقامة دائمة في منازلهم الخاصة بالعطلات للتغلب على الوباء، مما أبقى الجبال مشغولة حتى خلال فترات "الإغلاق". ويمكن أن يساعد تحفيز الإيجارات طويلة الأجل، وخفض أسعار التذاكر الموسمية، وبناء جاذبية للمدن نفسها، في تكرار هذا النجاح في الأعوام المقبلة.
الاستعداد البيئي
لا يزال تغير المناخ يمثل أكبر تهديد لصناعة التزلج، فهذا التهديد يفوق الوباء بكثير، كما يقول كاتز، الذي نوّه بأن تغير المناخ يعتبر القضية العالمية الأكثر إلحاحاً للمجموعة، كما أنها تشكل تهديداً لاستقرار العالم.
وعندما سُئل عن ترتيب "كوفيد-19" وتحديات التنوع والمخاوف المناخية حسب شدة التهديد، قال إن "كوفيد-19" هو مصدر القلق الأصغر بلا شك.
وأضاف كاتز: "حتى لو تعاملنا بشكل مثالي مع البيئة، فلن نحل مشكلة تغير المناخ بمفردنا، لذا نحن نتطلع إلى أن نكون قادة ونصبح قدوة يحتذى بها لفعل الشيء الصحيح".
جاء ذلك في أثناء شرح مدى التزام "فيل" أن تصبح شركة ذات حياد صفري بحلول عام 2030، من خلال القضاء على كل الانبعاثات ومخلفات مدافن النفايات، فضلاً عن التأثير في الغابات والموائل.
وتنطوي جهود "فيل" على تركيب معدات صنع الثلوج منخفضة الطاقة، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة بالكامل. كذلك تتضمن الاستثمار في تعويضات الكربون، وعملية التسميد، وإشراك الموردين لخفض انبعاثاتهم الكربونية.
وتتعدى هذه الجهود حقيقة كونها مجرد تصريحات، بل هي ساعدت فعلياً في تمكين وجهات فيل وبريكنريدج في ولاية كولورادو، واعتبارهما اثنتين من ثلاث مدن أمريكية مدرجة في قائمة أفضل 100 وجهة خضراء عالمية في عام 2020. ويذكر أن المنظمة غير الربحية تتبع ممارسات التنمية المستدامة وتصنفها حول العالم.
وفي ما يتعلق بكل من التنوع وتغيّر المناخ، قال كاتز: "هذه الأهداف ليست من النوع الذي يمكن الابتعاد عنه. يستغرق الأمر وقتاً، لكن إذا التزمتها فستجد أن الأمر يجدي نفعاً. ونحن لا نحتاج إلى الصمود كصناعة فحسب، بل أيضاً نحتاج إلى الازدهار".