بلومبرغ
تجمهر طلاب في أحد صفوف قاعة "مكولم" في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفرد، بانتظار فرصة التقاط صورة تجمعهم مع أنيتا إلبيرس، بعدما أكملوا الدورة التعليمية التنفيذية التي تدرسها، والتي تلقى رواجاً كبيراً.
رغم أن الدفعة الجديدة من خريجيها ضمّت أسماء لامعة، مثل أيقونة التزلج ميكايلا شيفرين، والممثل الهزلي السابق من برنامج (Daily Show) روي وود جونيور، والفائز بكأس العالم لكرة القدم خوان ماتا، كان واضحاً أن إلبيرس كانت هي النجمة الألمع في الحرم الجامعي، وقال أحد الطلاب بعد التقاط صورة معها: "إن شعبيتها كبيرة جداً الآن".
دراسات عن المشاهير
تشتهر إلبيرس التي غالباً ما تنتعل أحذية "نايكي" الرياضية، بدورتها الدراسية التي تحمل اسم نشاطات الأعمال في الترفيه والإعلام والرياضة، أو BEMS# كما يسميها الخريجون عبر "إنستغرام" و"لينكد إن".
الدورة الاختيارية المفتوحة أمام المحترفين غير الملتحقين بكلية إدارة الأعمال في هارفرد مدتها أربعة أيام، أما رسم الالتحاق بها فهو 12 ألف دولار، وقد حققت نجاحاً كبيراً للجامعة. وغالباً ما يُعلن عن دراسات الحالات التي تعدّها إلبيرس من أجل مقرراتها، مثل إدارة العلامة التجارية الخاصة بديفيد بيكهام، أو استراتيجيات إطلاق بيونسيه لأعمالها الموسيقية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنها نجمة تطرح ألبوماً غنائياً جديداً. وقد استقطبت هذه الدورة الدراسية مديرين تنفيذيين من هوليوود وماديسون أفينيو، والتحق بها أيضاً نجوم مثل شانينغ تاتوم وإل إل كول جيه، على أمل بناء إمبراطورية مشاهير جديدة لهم.
كانت إلبيرس اختتمت لتوّها آخر دورة لهذا الموسم الدراسي، وقد تضمّنت دراسة ظاهرة ثقافية جديدة كان رمزها "مستر بيست" (MrBeast) نجم "يوتيوب". رغم أن إلبيرس ليست مستجدة في ما يخص إدارة صورتها العامة، إلا أنها لم تسمح لي بالتواجد في فصلها الدراسي، ولكنها صورته بغرض إعداد مقاطع ترويجية مصورة.
كانت دراستها عن "مستر بيست" في مارس 2023 أعطت لمحة عن تحليلها للمحتوى الذي يقدمه ويدرّ عليه 100 مليون دولار. فهي تتناول شؤونه المالية، والأهمّ أنها تؤكد على جدارته بالشهرة التي نالها انطلاقاً من تقديمه نموذج أعمال يستحق "اهتمام هارفرد". وقد نقلت عن والدته سو قولها: "نحن نجعل الاهتمام بحاجات الآخرين أمراً رائعاً"، في إشارة إلى جهود ابنها الخيرية.
توجّه طلاب إلبيرس إلى مقهى الحرم الجامعي حيث استمرت المناقشات بعد انتهاء الفصل الدراسي. قال أحد الطلاب، وهو يعمل مؤثراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن دافع "مستر بيست" هو الشغف وليس المال، وإن حاله في ذلك كحال إيلون ماسك.
أمّا مات بابل، كبير مسؤولي العلامة التجارية لشركة الإنتاج التابعة للفنان الموسيقي دريك، فاعترض على بعض الأرقام المتعلقة بإيرادات إعلانات "مستر بيست"، ثم اقترح أن يعدّ مع إلبيرس دراسة عن أعمال دريك. ولكنه لم يشر إلى شجار دريك الأخير مع مغني الراب كندريك لامار الذي وجّه ضربة إلى سمعة دريك. وقد علّقت إلبيرس على اقتراحه قائلة: "سيكون ذلك رائعاً".
بحوث مهّدت للتعليم في هارفرد
تخرجت إلبيرس من الجامعة في بلدها الأم هولندا، ثمّ حصلت على درجة الماجستير في الاتصالات من جامعة جنوب كاليفورنيا، حيث بدأ اهتمامها بصناعة الأفلام، وانتقلت بعدها إلى كلية لندن لإدارة الأعمال حيث نالت درجة الدكتوراه.
في حين اختار زملاؤها القطاعات الاستهلاكية، التي تتوفر لها كميات كبيرة من بيانات السوق مثل الحفاضات ومأكولات الوجبات الخفيفة، وجدت إلبيرس أن ثمة كثيراً من المقاييس المتعلقة بميزانيات الأفلام أو الإيرادات على شبابيك التذاكر تستحق أن تخضع للدراسة على مستوى الماجستير في إدارة الأعمال. وقالت: "لم أتخيل أن أقضي حياتي أسعى لأكون خبيرة في فئة مثل اللبن".
أطروحة إلبيرس حول آليات العرض والطلب في اختيار توقيت إصدار الأفلام على المستوى العالمي، وضعتها على الطريق لتصبح أستاذة متفرغة في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفرد في بداية الألفية. وقد أعدّت هناك دراسات عن الصفقات الإعلانية التي أبرمها ليبرون جيمس، وكيفية تحويل "مارفل" مجلاتها الهزلية إلى عالم السينما.
لقد شكّلت بحوثها أساس مقرّر في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفرد يمتد على مدى فصل دراسي، وهو مخصّص لطلاب الماجستير في إدارة الأعمال، وما تزال إلبيرس تدرّسه حتى الآن، ثمّ توجت ذلك بكتاب (Blockbusters) الذي صدر في 2013، ويتناول اقتصاديات وتسويق الشركات التي تعتمد على إنتاج يحقق نجاحاً كبيراً.
الاستفادة من الصداقات مع المشاهير
حين بدأت إلبيرس بتدريس مقرّرها التنفيذي، كان واضحاً أنها مقتنعة حتى الصميم بكلّ دروسها حول التسويق في عالم المشاهير. وقالت: "أردت منذ البداية أن أجمع بين أصحاب الموهبة، أي الفنانين والرياضيين، والمديرين التنفيذيين".
كانت قد تمكنت بحلول ذلك الوقت من بناء شبكة متينة من المعارف بفضل عملها الجانبي في مجال الاستشارات للعلامات التجارية والشركات، وأقرّت أنها استخدمت صداقاتها لتوقد الحماس حيال مقرّرها الدراسي.
التحقت عارضة الأزياء كارلي كلوس، التي عملت معها إلبيرس كاستشارية لفترة قصيرة، بمقرّرها الدراسي الأول ونشرت عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي العام التالي، التحق نجم فريق "ميامي هيت" دوين ويد بالفصل الدراسي، وجلب معه زوجته الممثلة غابرييل يونيون.
حقق المقرّر الدراسي نجاحاً فورياً، فجاذبيته لم تكن محصورة في تمكين المديرين التنفيذيين العاديين من الدراسة إلى جانب المشاهير، بل مكّن المشاهير أيضاً من الشعور بأنهم طلاب في جامعة عريقة. كتبت المغنية سيايرا قبيل التحاقها ببرنامج إلبيرس عام 2019: "لقد قُبلت هذا الأسبوع بجامعة هارفرد! الكلمات لا تكفي لأصف مدى حماستي!".
في العام نفسه أعلن مقدما برنامج (Fixer Upper) تشيب وجوانا غاينز أنهما تخرجا من هذه الدورة عبر "إنستغرام"، ونشرا صورة لهما وقد ارتديا سترات جامعة هارفرد فيما يحملان شهادتيهما. وقد أعدّت إلبيرس لاحقاً دراسة عن شبكة "مانغوليا" (Magnolia) الخاصة بهما.
عادت إلبيرس إلى مكتبها بعد عدّة أيام من غداء بمناسبة اختتام تلك الدورة، وجلست تتناول الشاي فيما يتعافى صوتها بعد "استنشاق الطبشور لأربعة أيام". قالت إنها تعدّ ثلاثاً إلى أربع دراسات حالات في السنة، مُتّبعة في ذلك اهتماماتها التي يصادف أنها تتماشى مع روح العصر.
كما تتلقى أحياناً طلبات لتعد بعض دراسات الحالات، كما كان الحال حين تواصل معها فريق "فورمولا 1" لدى "مرسيدس-AMG" ليعرض عليها إعداد دراسة عن مدير الفريق توتو وولف. وقد فعلت ذلك ونشرت الدراسة في فبراير 2022. قالت: "في الوضع المثالي، طرح دراسة حالة هو حدث بحدّ ذاته... فأسأل نفسي: هل توجد حالة عن هذا الموضوع؟ يجب أن أكون جزءاً منها. متى موعد الدورة التالية؟".
رفض بعض المشاهير
أقرّت إلبيرس باحتمال أن تبدو استضافة متحدثين نجوم من الصف الأول كضرب من حيل الدعاية، لكنها لا ترى أن الأمر يختلف عن مقرّر دراسي حول الشؤون المالية يستضيف أحد الأسماء البارزة في القطاع المصرفي. قالت: "الأمر لا يهدف إلى إبهار الناس بالمشاهير داخل الصف".
يعج مكتب إلبيرس بالتذكارات الرياضية الموقعة، ومن ذلك صورة لها وهي توجه كرة رأسية إلى ديفيد بيكهام، نجم كرة القدم والمحاضر الضيف السابق في دورتها الدراسية. قالت إن على المشاهير المرور بنفس إجراءات القبول لحجز واحد من 80 مقعداً متاحة في كلّ دورة. لكنها قالت إنه لا ضير في أن تأتي بتوصية من دواين ذا روك جونسون، كما كان الحال مع المتزلجة الأولمبية ليندسي فون.
يحتفل البرنامج هذا العام بمرور 10 سنوات على إطلاقه. قالت إلبيرس إنه كلما زاد رواجه، يتعيّن عليها أن تحذر أكثر من استغلال المشاهير لاسم هارفرد من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية. وقالت: "في بعض الأحيان نرفض بعض الأشخاص إن لم أشعر أنهم هنا لأسباب صحيحة... ليست الغاية أن تلتقط صوراً لنفسك وأنت تتسكع في حرم هارفرد".