بلومبرغ
موسم الذروة
في الوقت الحالي تشهد مطارات الولايات المتحدة، أعداد مسافرين أكبر من أي وقت مضى خلال فترة تفشي وباء "كوفيد-19"، إذ يتجاوز عدد المسافرين اليومي، حاجز مليون مسافر بشكل مستمرّ. كما أن نسبة الإشغال في بعض الفنادق جيدة، بشكل يتجاوز موسم الذروة في بعض الأحيان.
وأخيراً، بدأت في التشكُّل حركة الطلب على السفر الذي طال كبته، سواء وافقت عليه مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أم لا، لكن قطاع الرحلات البحرية هو القطاع الوحيد الذي لا يزال ثابتاً في مكانه.
فبعد مرور بضعة أشهر كارثية عليه في أوائل عام 2020، عندما أصبحت السفن البحرية الضخمة ناقلاً رئيسياً لعدوى "كوفيد-19"، قررت مراكز السيطرة على الأمراض وقفها حتى إشعار آخر، موضحة أن الإبحار أصبح من مخاطر المستوى الرابع، وهو الحد الأقصى من مستويات تقييم المخاطر.
والآن، مع عودة الآمال نحو الرحلات المستقبلية -كانت مسارات بعض الرحلات تشهد مبيعات جيدة حتى عام 2023- أصبحت شركات الرحلات البحرية بحاجة إلى إجراءات إصلاحية بشكل يتعدى مجرد إجراءات متعلقة بالأرباح.
وعلى مدى عدة أشهر، تعامل قطاع الرحلات البحرية مع الآثار السلبية الناتجة عن انتشار الأخبار السيئة المتعلقة بالوباء، بداية من سجلّ المتابعة الضعيف لحالات الإصابة بالوباء، إلى المخاطر البيئية والقضايا السياحية في الأوقات العادية.
ولدى جوش ليبوفيتز كثير ليقوله عن كل هذه الأمور، بصفته الرئيس الجديد لسفينة "سيبورن" فائقة الرفاهية التابعة لشركة "كارنيفال كوربوريشن" (Carnival Corp)، فإنه ينتظر أول يوم عمل يستطيع فيه الترحيب بالضيوف الذين سيُدِرّون الأرباح، لكن لم تتضح بعدُ إمكانية حدوث ذلك. وجدير بالذكر أن ليبوفيتز تولى هذا المنصب في خضم الوباء، تحديداً في يوليو من عام 2020.
وكانت "كارنيفال كوربوريشن" ألغت مؤخراً رحلات 2021، المقرر إجراؤها حتى يوليو المقبل على الأقلّ، بما في ذلك بعض رحلات البحر الأبيض المتوسط الصيفية الأكثر ربحاً.
ورغم نفاد صبر بعض المنافسين تجاه مركز السيطرة على الأمراض، وإطلاق مسارات لم يسبق لها مثيل في منطقة البحر الكاريبي فقط لتجنب ولايته القضائية. إلا أن ليبوفيتز رفض اتّباع نهج مماثل، واستمر في انتظار موافقة المركز الأمريكي قبل استئناف الخدمة التجارية.
وحتى ذلك الحين كان يسعى ليصحح الأوضاع بشأن الطرق التي يقول إن شركته قد واجهت ظلماً فيها، والأسباب التي تشير إلى أن السفن الخمس الصغيرة التابعة لشركته، قد تكون في الواقع من أكثر الأماكن أمناً على وجه الأرض.
معايير مزدوجة
وتُعَدّ الخرافة الأولى التي يحاول ليبوفيتز تبديدها، هي فكرة أن سفنه غير مجهزة للعمل في ظل الوباء. ورغم أنها لا تنقل الركاب إلى باندول أو فرنسا أو سانت تروبيز، فإن غالبية السفن لا تزال تعمل، وإن مع طاقم العمل فقط، كما يقول ليبوفيتز.
وقد كان الحفاظ على سلامة الموظفين وسيلة لاختبار مدى نجاح بروتوكولات "كوفيد-19" في القطاع لمدة عام تقريباً، وعن ذلك قال ليبوفيتز: "لدينا أقنعة طبية ونطبق إجراءات التباعد الاجتماعي، ولدينا أشعة فوق البنفسجية للتعقيم، وفلاتر متقدمة لأنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، وبعض من أكثر الاختبارات صرامة في العالم". وأشار إلى أنه لم يُكشف سوى حالات معزولة بين أطقم العمل، وحُدّدت جميعاً من خلال الاختبارات المتقدمة التي حصلت على موافقات أولية من مركز السيطرة على الأمراض.
ويشبّه ليبوفيتز وضع صناعة الرحلات البحرية بدوري الرابطة الوطنية لكرة السلة لعام 2020، عندما يتعلق الأمر بتدابير السلامة ضد الوباء، فقد قال: "إذا حُكم علينا جميعاً على محورين، هما القدرة على اختبار حالات الإصابة، والقدرة على التحكم بها، فإن فقاعة دوري كرة السلة الأمريكي، عندما ظهرت لأول مرة، ستكون في أعلى القائمة من حيث الأمان من مخاطر الوباء".
وجدير بالذكر أن لاعبي دوري السلة الأمريكي لم يسجلوا أي حالات إيجابية مؤكدة خلال جولة اختبارات الكشف عن الإصابة، التي أعلنتها رابطة الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين في يوليو من العام الماضي.
ويضيف ليبوفيتز: "مستوى اختبارات عالية، وسيطرة عالية، يمكن أن يكون متجر البقالة الخاص بك في أسفل القائمة من حيث تقييم المخاطر، إذ لا يخضع أي شخص للفحص، وتدابير ارتداء الأقنعة الطبية ضعيفة. وخطوط الطيران في أسفل القائمة كذلك (بوضع أفضل من متاجر البقالة)، حيث الضوابط الجيدة، لكن ليس هناك اختبارات للكشف عن الإصابات. أما صناعة الرحلات البحرية فهي الصناعة الوحيدة في مجال السفر التي تدفع نفسها إلى أعلى الربع الأول من القائمة".
وفي الواقع لا تقع الرحلات البحرية في هذا الربع وحدها، فعدد كبير من الفنادق، بخاصة في قطاع الرفاهية، يتولى مسؤولية مطالبة النزلاء بنتائج اختبار سلبية لكورونا (PCR) قبل الوصول، ولو لم تكن حكومة الدولة التي يتجهون إليها تطالب بذلك.
ومنذ فرضت الولايات المتحدة اختبارات "PCR" على دخول البلاد، أصبح معظم الفنادق الدولية من فئة خمس نجوم يطالب بضرورة الخضوع للاختبار. وقال منتجع "باها مار" في جزر الباهاما، في تصريحات لـ"بلومبرغ" في مارس، إنه أجرى 40 ألف اختبار منذ إعادة افتتاحه في ديسمبر الماضي.
لكن المغزى الأوسع نطاقاً لليبوفيتز ينطوي على أن "الاختبار يهدف إلى الكشف عن الحالات الإيجابية". وإذا لم يكن الجميع في صناعة السفر يختبر أو يتعقب الوباء، فسيكون من المستحيل معرفة كيف تنشر السفن البحرية الفيروس بإفراط.
والفكرة القائلة بأن الصناعة تثير الأخبار السيئة حول نفسها هي ما يسميه ليبوفيتز تأثير السيف ذي الحدين، إذ قال: "علينا أن نتراجع ونعترف بأن وجود المستشفيات وإجراء الاختبارات بالسفن البحرية ليس مصدراً لسوء السمعة، بل إنه ميزة".
لن يُفرَض اللقاح
من جهتها أعلنت شركة "كريستال كروزز"، وهي شركة منافسة لـ"سيبورن"، مؤخراً عودتها إلى عالم البحار من خلال تسيير رحلات إلى جزر الباهاما فقط، لتنتهك بذلك توصيات مركز السيطرة على الأمراض المتعلق بعدم دخول المياه الواقعة ضمن ولايته. وقررت الشركة وضع قواعدها الخاصة بالسلامة بعد أن شهدت نجاح شقيقتها "دريم كروزر"، التي أبحرت دون أي حوادث في سنغافورة منذ نوفمبر، حيث طبقت الشركة ما قاله المسافرون المحتملون عن شعورهم بالأمان على متن الرحلات البحرية، إذ قال 80% من المسافرين إنهم يفضلون السفر بين الضيوف الذين تَلقَّوا اللقاح فقط.
لكن هذه ليست القاعدة التي يستعد ليبوفيتز لتطبيقها في "سيبورن"، فهو يقول: "خبراء الصحة العامة هم المسؤولون حقاً"، مضيفاً أن اللقاحات توفّر جزءاً من الحماية ضد الوباء، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة للمضي قدماً.
وتابع: "علينا أن نرى ما إذا كانت مجموعات سكانية ذات مناعة جيدة بالفعل، وبالتالي قد لا تحتاج إلى اللقاح على الفور، أو قد يكونون مرضى بالفعل، أو ربما لديهم ردّ فعل تحسُّسي تجاه اللقاح بنفس طريقة الحساسية التي يعانيها البعض تجاه المكسرات. فهل هذا يعني أنهم لا يستطيعون الانضمام إلى البقية؟ نحن لم نصل بعدُ إلى المرحلة التي تتيح لنا القول إن اللقاح يجب أن يكون القاعدة".
ويقول ليبوفيتز إن الشركتين الشقيقتين "كوستا كروزز" و"عايدة كروزز" نجحتا في الإبحار في خضم الجائحة في أوروبا بلا حاجة إلى لقاح، لكنهما ركّزتا بدلاً من ذلك على "الكشف والوقاية والإدارة".
ورغم أن الشركتين عايشتا تفشّي الوباء على متنهما، فإن هذا لا ينبغي أن يكون المقياس الحاسم. وأضاف: "علينا أن نتجاوز عن وجود حالات إيجابية أو سلبية، وندرّب أعيننا على نتيجة الحدث. هل ساهمت الحلول الموضوعة في خفض انتشار الحالات الإيجابية؟ وهل رُعيَ المصاب بأفضل طريقة ممكنة؟"، وتابع: "حقيقة وجود أو عدم وجود إصابة على متن أي رحلة بحرية يجب أن لا تكون نهاية هذه التجربة".
الخطوة الأولى على الطريق
وفي خضمّ هذا الوباء قررت الفنادق أن القليل من الأعمال يبقى أفضل من لا شيء على الإطلاق، فمعظمها يعمل بنسبة إشغال تتراوح بين 30% و40%، على حد تعبير محلل الصناعة "إس تي آر".
وبالنسبة إلى الرحلات البحرية، فهذا الأمر غير مُجدٍ اقتصادياً، لأن نقطة التعادل في قطاع الملاحة البحرية يتطلب نسبة إشغال تقارب 50%. وذلك يتخلف حسب حجم السفينة وأسعار الرحلة، وفقاً للتعليقات التي أدلى بها المدير المالي لـ"كارنيفال كوربوريشن" ديفيد برنشتاين، العام الماضي.
وبالإضافة إلى حقيقة أن الرحلات البحرية لا يمكن أن تبحر إلى الوجهات التي لا تزال حدودها الدولية مغلقة، أصبحت الأسباب الكامنة خلف إبقاء شركات الرحلات البحرية سفنها في حالة توقف واضحة إلى حد كبير.
لكن ليبوفيتز يرى طريقاً يمكن اتباعه لخفض العمليات بشكل منطقي في ظل الظروف الراهنة. ويقول إن الرحلات البحرية المتجهة إلى أي مكان لديها متسع للنمو. وأوضح: "أيام البحر التي قُضيَت عبر المحيط الأطلسي تُعَدّ من الأيام الأكثر شعبية في الرحلات البحرية لكونارد"، مشيراً إلى الخط البريطاني المعروف برحلات عبور المحيطات التي تستغرق أسبوعين.
وشهدت سنغافورة وتايوان مثل هذا النجاح بفضل "الرحلات البحرية المتجهة إلى أي مكان"، إذ تقدّم شركة "بي آند أو" الشقيقة لشركة "سيبورن" الآن رحلات مماثلة في إنجلترا.
ويركز كثير من الرحلات البحرية الآن على الجزر الخاصة، التي غالباً ما تكون مملوكة لشركات الرحلات البحرية نفسها. ويقول ليبوفيتز إن هذه الأنواع من الرحلات ستمكّن الشركات بسهولة من توسيع بروتوكولات الوباء الخاصة به إلى اليابسة.
نهج آخر يتبعه المنافسون، هو تجاوز المواني الأمريكية والخروج من دول الكاريبي المعتمدة على السياحة. ورغم عدم وجود تطورات كثيرة لمشاركتها، فإن ليبوفيتز يقول إن الشركة "تجري مناقشات نشطة مع عدد قليل من الوجهات لتحديد إمكانية إعادة الرحلات البحرية، وسيُشارَك ازيد من التفاصيل في الوقت المناسب".
وفي ظل الوباء أو من دونه، فإن "سيبورن" تعتزم تقديم تجارب غير مزدحمة، ومكافحة السمعة التي تلاحق الصناعة بأنها تلقي بآلاف الركاب في موانٍ مزدحمة لا يمكنها استيعاب كثير من الأشخاص بسهولة. وتعمل الشركة على بناء سفينتين فائقتَي الفخامة للرحلات الاستكشافية، بهدف زيارة المناطق النائية في القطبين الشمالي والجنوبي، وذلك من القارة البيضاء نفسها إلى خليخ سكوريسبي ساوند غير المستكشَف، والمليء بالمسطحات المائية الساحلية الطويلة والضيقة داخل الأرض، في غرينلاند.
ويقول ليبوفيتز أخيراً: "الناس يرغبون في الاستكشاف بطريقة تسمح لهم بالاستمتاع بالطبيعة، بوجود عدد قليل من الأشخاص حولهم".