بلومبرغ
في عام 1975، بدأت دونا ستاين بتنفيذ مهمة شبه سرية، تهدف لبناء مجموعة تحف استثنائية من الفن المعاصر لصالح إمبراطورة إيران السابقة، فرح ديبا بهلوي.
وكانت ستاين، قبل تعيينها في السكرتارية الخاصة بالإمبراطورة، قد عملت مساعد أمين متحف في قسم المطبوعات والكتب المصورة في متحف الفن الحديث في نيويورك.
ولم تتلق ستاين خلال فترة عملها لصالح الإمبراطورة، إلا حداً أدنى من التوجيهات، سواء قبل أو في خلال عملها في طهران، حيث لم يتم تقييدها بأي ميزانية، فكتب أحد زملائها لها قبل أن تبدأ العمل: "لم يتم وضع أي رقم محدد، وأشك أن يتغير الأمر بالمستقبل". كما لم يتم تزويدها بأي توجيهات فعلية بخصوص الأعمال الفنية المطلوبة.
وأصدرت ستاين مؤخراً كتاباً بعنوان "الإمبراطورة وأنا: كيف جمعت إمبراطورية تاريخية الفن المعاصر، ورفضته، ثم عادت لاستكشافه" (دار ناشر "سكيرا"، 45 دولارا).
وقالت في الكتاب: "كان يجب على توصياتي المتعلقة بالمشتريات أن تشمل تاريخ الفنّ الحديث"، وأضافت: "في النهاية، تضمنت المجموعة طيفاً كاملاً من احتمالات التقنيات المستخدمة في عالم الصناعة الفنّية".
إدارة سرّية ينخرها الفساد
وتقول ستاين، التي شغلت حتى وقت قريب منصب نائب مدير متحف "ويندي" في كاليفورنيا، في مقدمة كتابها إنها قررت كتابته ونشره لأن: "رؤسائي في السكرتارية الخاصة الذين كنت أعمل تحت اشرافهم اسمياً فقط (بالإضافة إلى القيمين اللاحقين على متحف طهران للفن المعاصر حيث يتم تخزين المجموعة الفنية) نسبوا بكلّ وقاحة الفضل لأنفسهم فيما خصّ اختياراتي الفنية"، مضيفة أنها كتبت أخيراً هذا الكتاب "من أجل تصويب الصورة".
وتقدّم ستاين الرسائل الخاصة بها كوثائق تثبت أقوالها، فتتحدث عن إدارة تعمل بسرية وينخر فيها الفساد، تمكنت مع ذلك من الاستحواذ على بعض أعظم الأعمال الفنية من القرن العشرين، ولم تعرض هذه الأعمال أمام العامة لسنتين فقط، قبل سقوط شاه إيران في عام 1979.
ومن خلال سرد القصة من وجهة نظرها وتصويب الروايات الخاطئة التي تعتريها، تبثّ ستاين الروح والتشويق في المجموعة الفنية التي زادت قيمتها بشكل هائل في السنوات الماضية، لتصل إلى 3 مليارات دولار بحسب التقديرات المعاصرة. واكتسبت هذه المجموعة الفنية أهمية تاريخية كبرى خلال نصف القرن الماضي.
بناء المجموعة الفنية
ويمكن وصف عمليات شراء ستاين للتحف الفنية التي تضمنتها المجموعة بالعشوائية. فعلى الرغم من التقارير المفصلة التي كانت ترفعها، كان للمسؤولين عنها، وهم بالأغلب سياسيون، القرار الأخير بشأن شراء التحف.
وقالت في مقابلة هاتفية: "كان دوري يقتصر على تحديد الجودة والقيمة والندرة"، وتابعت: "لم أكن يوماً جزءاً من عملية المفاوضة على السعر".
يتضمن كتاب "الامبراطورة وأنا" معلومات قيمة للمهتمين بتاريخ سوق الفنّ في القرن العشرين، ويتضمن إشارات إلى بعض تجار الفن الأسطوريين أمثال ارنست بييلير وأوجين ثاو وليو كاستيلي. كما أنه قد يبدو مليئاً بالتفاصيل التقنية بالنسبة للقراء الذين كانوا يأملون متابعة رواية ساحرة عن حياة الترف.
وتقدر ستاين أنها أنفقت خلال عملها مع الإمبراطورة، ما بين 25 إلى 30 مليون دولار (126 إلى 151 مليون دولار وفقاً لقيمة الدولار اليوم) على نحو 350 لوحة ومنحوتة ومطبوعة وصورة، وذلك خلال العامين اللذين قضتهما في طهران.
وقالت: "بناء مجموعة فنية مهمة كان عملاً مجهداً ويرتبط بتقلبات سوق الفن". وتابعت: "على الرغم من توفر تمويل غير محدود نوعاً ما، ظهر أنه من شبه المستحيل الحصول على لوحات كبرى لبعض الفنانين، وذلك ببساطة بسبب ندرتها".
وقد اكتشفت ستاين لاحقاً أنه تم تمويل المشتريات باستخدام إيرادات الحكومة الإيرانية من النفط.
ماذا تضمنت المجموعة؟
تقول ستاين إنه خلال فترة عملها، حصلت طهران على واحدة من أشهر الأعمال الفنية بحوزتها، وهي لوحة "جدارية على أرض حمراء هندية" لجاكسون بولوك، والتي تقدر ستاين أن يكون الإيرانيون قد اشتروها مقابل 850 ألف دولار.
وكان تاجر التحف الفنية كاستيلي، قد قال عند سؤاله عن قيمة لوحة بولوك إنه "باستثناء لوحتين مهمتين إضافيتين قد تطرحان أو لا تطرحان للبيع، وقد تكلفان مليونيْ دولار أو أكثر، يبدو أن هذه اللوحة هي الأفضل بين المجموعة المتوفرة". (حين أرسلت اللوحة في جولة قبل نحو عقد من الزمن، كلّف التأمين عليها 250 مليون دولار).
كذلك، استحوذ الإيرانيون على منحوتة "رجل يسير" الباهرة (نحتت بين 1960 و1956)، لألبرتو جياكوميتي. والتي كان قد نفذّها في ذروة مسيرته المهنية. بالإضافة لمنحوتتين ضخمتين لهنري مور، وعدة لوحات لمارك روثكو، ولوحة زيتية مذهلة لويليم دي كونينغ بعنوان "نور في أغسطس"، التي تعود إلى حوالي العام 1946.
وقد وصلت أيضاً إلى إيران أعمال لكلود مونيه وبابلو بيكاسو وفرانسيس بايكن وروي لينشتنشتاين وماري كاسات، وذلك لتنضم إلى مجموعة الأعمال الفنية الدائمة في متحف طهران للفن المعاصر.
كذلك تقول ستاين إنها اشترت نحو 10 آلاف كتاب فني. وأضافت: "كنت أحاور وأجادل من أجل الحصول على القطع التي أريدها، وفي معظم الحالات حصلت على ما كنت أريده".
إلا أن ستاين لا تعرف الكثير عمّا أضيف إلى المجموعة منذ مغادرتها في عام 1977، إذ يصعب التحقق من الاستحواذات التي قامت بها إيران في السنتين التاليتين. كما يصعب تتبع تحف الفن الحديث التي صادرتها الحكومة الإيرانية من الأفراد الذين تم نفيهم عقب الثورة الإسلامية في عام 1979. وأضافت: "أعقد أن عدداً من التحف الفنية الغربية تعود للأشخاص الذين غادروا البلاد".
واليوم، تضمّ مجموعة المتحف حوالي 1500 عمل فني، بينها أعمال فنية إيرانية وغربية.
ستاين والإمبراطورة
قالت ستاين إن رواتبها كانت تتأخر. كما أن معاداة السامية كانت واضحة في البلاد، هذا إذا لم نقل واسعة الانتشار. كذلك فإن البيروقراطية بالغة التعقيد أرهقت أعصابها. كل هذا دفعها لتقرر ترك عملها في عام 1977. ولم تبدأ ستاين في الحديث مع إمبراطورة إيران، فرح بهلوي التي كانت رئيستها ظاهرياً، إلا بعد مدة من مغادرتها.
وتحدثت ستاين عن الوقت الذي عملت فيه لصالح الإمبراطورة، قائلة: "تواجدت في المكان نفسه معها حوالي ستّ مرات في فعاليات وافتتاحات، ولكنني لم أتفاعل معها قط"، مضيفة: "لم أتحدث معها عمّا كنت أقوم به أو عن الفنّ، على الرغم من أنها كانت تعرف ما كنت أقوم به نوعاً ما".
ولم تتواصل ستاين فعلياً مع فرح بهلوي إلا بعد فرار الأخيرة من إيران مع الشاه. وبعد 11 عاماً على الثورة الإسلامية، في عام 1990، سجلت ستاين حديثاً مع الامبراطورة السابقة نشرت نصّه بالكامل في الكتاب. وتقول ستاين: "لا أزال أتحدث مع الإمبراطورة من حين لآخر عند بروز مسائل ذات اهتمام مشترك".
مع ذلك، وعلى الرغم من ورود كلمة "إمبراطورة" في عنوان الكتاب، إلا أن المضمون لا يحكي كثيراً عن بهلوي نفسها، بل بحسب ستاين يسعى الكتاب ليقيس على الصعيد التاريخي والثقافي والفني، قيمة التحف التي أصبحت لاحقاً المجموعة الفنية الأساسية في متحف طهران للفن المعاصر.