بلومبرغ
عيّنت شركة الإعلانات العملاقة "بابليسيس غروب" (Publicis Groupe SA) مسؤولاً تنفيذياً خارقاً في منتصف عام 2022، وهو عبارة عن "أفاتار" رقمي برأس أسد يُدعى ليون، ليكون "المسؤول الرئيسي عن ميتافيرس"، حيث كانت مسؤوليته هي تقديم الإرشادات للعملاء في العالم الافتراضي الذي استحوذ على اهتمام العالم الحقيقي، وإن كانت فترة حضوره في دائرة الضوء لم تدم طويلاً.
بعد 5 أشهر منذ تلك الخطوة، ظهرت أداة "تشات جي بي تي" للمرة الأولى، وتحوّل الصخب الذي أحاط بعالم "ميتافيرس"، منذ أن أعاد مارك زوكربيرغ تسمية "فيسبوك" لتصبح "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platforms Inc)، إلى الذكاء الاصطناعي. "ليون" ونظراؤه من المسؤولين البشريين الذين ركزوا على ميتافيرس -وهو واقع رقمي غامر يتيح للبشر التفاعل مع بعضهم بعضاً- سرعان ما أصبحوا من الأنواع المهددة بالانقراض.
رحل المسؤولون التنفيذيون الذين قادوا جهود "ميتافيرس" في شركات "والت ديزني" (Walt Disney Co) و"بروكتر آند غامبل" (Procter & Gamble) و"كريتيف أرتيستس" (Creative Artists Agency). واختفى الملف الشخصي لـ"ليون" على "لينكد إن" (نعم، فقد كان له ملف)، ولا توجد إشارة له على الموقع الإلكتروني للشركة، فضلاً عن بيانه الصحفي التمهيدي. رفضت مجموعة "بابليسيس غروب" التعليق على الأمر.
اقرأ أيضاً: إنفوغراف: ماذا أضافت "ميتافيرس" لزوكربيرغ؟
تعيين تنفيذيين للذكاء الاصطناعي
بدلاً من ذلك، تسعى الشركات جاهدة لتعيين تنفيذيين مسؤولين عن الذكاء الاصطناعي، ومنها شركتا "أكسنتشر" (Accenture) و"جي إي هيلث كير" (GE HealthCare) اللتان قامتا بتعيينات جديدة مؤخراً. حتى أن بعض المسؤولين التنفيذيين في عالم "ميتافيرس" أعادوا وصف أنفسهم على اعتبار أنهم خبراء في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تحولوا ببراعة من تقنية رائجة إلى أخرى. يزيد متوسط حزم الأجور على مليون دولار سنوياً، وفقاً لمسح أجرته شركة "هيدريك آند ستراغلز" (Heidrick & Struggles) الاستشارية لأبحاث التنفيذيين والقياديين. في الأسبوع الماضي، قالت شركة "بابليسيس" إنها ستستثمر 300 مليون يورو (327 مليون دولار) على مدى السنوات الثلاث المقبلة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والكوادر المتخصصة في هذا المجال.
قال فاواد باجوا، وهو مسؤول في مجال الذكاء الاصطناعي العالمي في شركة أبحاث التنفيذيين والاستشارات "راسل رينولدز أسوشيتس" (Russell Reynolds Associates): "منذ وقت طويل أجريت نقاشاً مع عميل حول ميتافيرس. ربما لا يزال ميتافيرس موجوداً، لكن في مكان وحيد".
يوضح هذا التحوّل في تخصصات التنفيذيين الطبيعة المتقلبة التي تطغى على اتجاهات التكنولوجيا، والصعوبة التي تواجهها الشركات في التمييز بين الصيحة والواقع.
طالع أيضاً: صندوق النقد: الذكاء الاصطناعي سيؤثر على 40% من الوظائف
تحوّل الاهتمام بعيداً عن ميتافيرس
تحوّل اهتمام معظم الشركات إلى حد كبير بعيداً عن "ميتافيرس". فقد ذُكِرت كلمة "ميتافيرس" مرتين فقط في مكالمات الأرباح لدى الشركات المدرجة ضمن مؤشر "إس آند بي 500" في الربع الأخير من العام الماضي، مقارنة بـ63 مرة في الربع الأول من عام 2022، وفقاً لبيانات بلومبرغ. في ذلك العام، قال ثمانية من كل عشرة رؤساء تنفيذيين إنهم إما يوظفون كوادر متخصصة من ذوي الخبرة في هذا المجال، أو أنهم يوسعون مسؤوليات فرقهم القيادية لتغطية هذا المجال، وفقاً لـ"راسل رينولدز". كانت كل هذه الشركات تهرول للحاق بمجال يضم فرص عمل على مستوى العالم، والتي أشارت تقديرات مستشاري شركة "ماكنزي آند كو" في ذلك الوقت بشكل متفائل إلى أن حجمه قد يصل إلى 5 تريليونات دولار بحلول عام 2030.
قرار شركة "أبل" بالإشارة إلى سماعة الواقع المختلط الجديدة "فيجن برو" على أنها جهاز "حوسبة مكانية"، دون أي ذكر على الإطلاق لسمات العالم الافتراضي، هو علامة أخرى على أن "التركيز قد تحول بالتأكيد"، وفقاً لما قالته ندى يوسينا، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة "إن يو أدفيزوري بارتنرز" (NU Advisory Partners)، وهي شركة أبحاث واستشارات تنفيذية تركز على مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين. تفوقت شركة "مايكروسوفت" خلال الشهر الجاري على "أبل" باعتبارها الشركة المدرجة الأكبر قيمةً في العالم، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى حماس المستثمرين لاستثماراتها القوية في الذكاء الاصطناعي. حتى أن "زوكربيرغ"، وهو صاحب فكرة "ميتافيرس" -الذي وصف ذات مرة هذا العالم بأنه "الحدود المستقبلية"- حوّل تركيزه مؤخراً إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي بعد إنفاق المليارات على مبادرات "ميتافيرس" التي لم تثمر سوى عائدات محدودة.
تغيير الوظائف
كل هذا جعل بعض خبراء "ميتافيرس" يسعون إلى تغيير أوضاعهم إلى أخرى جديدة، أو يعيدون هيكلة أدوارهم. غادرت جوانا بوبر، كبيرة مسؤولي عالم "ميتافيرس" في "سي إيه إيه" (CAA)، وهي وكالة لاستقطاب المواهب، بعدما قضت ما يزيد قليلاً على عام بها، ثم عملت كـ"مراقب مجلس إدارة" في شركة "ميتافيزيك. إيه آي" (Metaphysic.ai) الناشئة التي تركز على الترفيه، وترتبط بشراكة مع "سي إيه إيه". (لم تستجب بوبر لطلب التعليق على الأمر). أما براتيك ثاكار، الذي قاد جهود التحوّل إلى "ميتافيرس" في شركة "كوكا كولا" من خلال حملتها التسويقية التفاعلية "السحر الحقيقي" في عام 2021، فيشغل حالياً منصب الرئيس العالمي للذكاء الاصطناعي التوليدي لشركة المشروبات العملاقة.
لكن ليس كل خبير في عالم "ميتافيرس" يمكنه أن يمضي في هذا السبيل. قال باجوا إن مجموعات المهارات التي يتمتع بها قادة الذكاء الاصطناعي "مختلفة تماماً. إنك لا تريد فقط إعادة توظيف شخص ما. لن تحصل على الخبرة العميقة التي تريدها".
وقع مسؤول تنفيذي واحد على الأقل ضحية لعملية إعادة هيكلة في الشركات. فقد غادر مايكل وايت من شركة "ديزني" بعد عودة بوب إيغر لإدارة "ماوس هاوس" (Mouse House)، وألغى قسم "ميتافيرس" الذي أسسه وايت في إطار عملية إصلاح شاملة. ويشغل الآن منصب كبير مسؤولي الإنتاج في شركة السيارات ذاتية القيادة "زوكس" (Zoox) المملوكة لشركة "أمازون دوت كوم". عادة ما يكون هناك قدر أقل من صراع المسؤولين، فقد تركت لوانا ماتاي من "بي آند جي" (P&G) بهدوء شركة تصنيع الحفاظات في الصيف الماضي، وهي الآن تدير قسم الابتكار في شركة زراعية عالمية. لم يستجب وايت لطلبات من بلومبرغ للتعليق، وامتنعت ماتاي عن التعليق أيضاً.
مسؤولون مستمرون في ميتافيرس
استمر بعض مسؤولي "ميتافيرس" في ممارسة أدوارهم، بمن فيهم يايزا روبيو في شركة الاتصالات الإسبانية "تليفونيكا" (Telefonica)، ونيلي مينساه في شركة "إل في إم إتش مويت هينيسي لوي فيتون" (LVMH Moët Hennessy Louis Vuitton SE). لكن خبراتهما تشمل العديد من التقنيات الناشئة، مثل تقنية "بلوكتشين" وهي بمثابة دفتر الأستاذ الرقمي. قالت أليسيسون روبنسون من شركة "هيدريك آند ستراغلز"، إنه حتى الشركات التي ترغب في استكشاف استخدامات "ميتافيرس" قد تختار مستشاراً الآن. قالت روبنسون، وهي مسؤولة القطاع العالمي للمستهلكين والتكنولوجيا والترفيه والإعلام بالشركة المتخصصة في أبحاث التنفيذيين: "لا يزال هناك اهتمام بالتعامل مع المستهلكين في عالم ميتافيرس، ولكن ليس اهتماماً بالتعيين في الإدارة التنفيذية".
من جانبه، قال جيف وونغ، كبير مسؤولي الابتكار العالمي في شركة الخدمات المهنية العملاقة "إرنست آند يونغ"، إن إدارته ربما خفضت استثماراتها في مجال "ميتافيرس" إلى النصف خلال العام الماضي أو نحو ذلك. وأضاف: "بعض الناس يسخرون من هذا المجال، كما لو أنه أصبح يافعاً وناضجاً"، على الرغم من أنه ليس أياً مما سبق. قال وونغ: "هناك الكثير من الوعود فيما يمكن أن يحققه ميتافيرس".
في المقابل، ذكر أن لدى "إرنست آند يونغ" الآن اثنين من كبار المسؤولين التنفيذيين يترأسان برنامجها العالمي للذكاء الاصطناعي، مع التأكد من دمج هذه التقنية في كل جانب من جوانب العمل. وأضاف: "هذه صفقة كبيرة بالنسبة إلينا".