بلومبرغ
في شهر أكتوبر الماضي، وضع الفنان الرقمي مايك وينكيلمان، الشهير بلقب "بيبل" عملاً فنياً رقمياً ضمن 100 عمل آخر للبيع، وكانت تكلفة كل عمل دولاراً واحداً، وبيعت المجموعة بكاملها في أقل من ثانية واحدة. واليوم، أصبحت الرموز غير القابلة للاستبدال المعروفة اختصاراً بـِ (NFTs) تمثِّل الأعمال الفنية الرقمية المتداولة عبر منصة "نيفتي غايت واي" (Nifty Gateway)، التي تدار بواسطة التوءمان وينكلفوس، وتعدُّ سوقاً للرموز غير القابلة للاستبدال مقابل "أكثر بكثير من 50,000 دولار" على حدِّ تعبير وينكيلمان. ( وبحسب الموقع الإلكتروني، فإنَّ متوسط سعر إعادة البيع يكون 6,559 دولاراً، لكنَّ الفنان يقول، إنَّ ذلك الرقم مضلل، لأنَّه يتضمَّن المبيعات الأولى المنخفضة الأسعار).
هناك الكثير لفهمه
في ديسمبر، أقام "بيبل" مزاداً، عرض فيه إصداراً مفتوحاً من ثلاثة أعمال بسعر 969 دولاراً للقطعة، بيع منها 601 قطعة خلال خمس دقائق، بمبلغ قدره 582,369 دولاراً. وتضمَّن المزاد نفسه 20 عملاً فنياً رقمياً فريداً بلغ مجموع أثمانها 2.2 مليون دولار. وكانت القطعة الأخيرة في المزاد عبارة عن عمل فني منفرد يحتوي على جميع الصور العشرين، وبيعت بعد مزايدة طويلة بسعر 777,778 دولاراً. وفي النهاية وصل ثمن بيع أعمال "بيبل" إلى 3.5 مليون دولار خلال بضعة أيام فقط.
يقول وينكيلمان، الذي يتابعه 1.8 مليون شخص على إنستغرام، الذي كان حتى قبل بضعة أشهر يعمل في صناعة الإعلانات المرئية لعلامات تجارية مثل "آبل"، و"لويس فيتون"، وفنانين، مثل جاستن بيبر، وآريانا غراند إنَّه : "كان هناك الكثير لفهمه، إنَّه مثل جحر الأرنب من ناحية الاحتمالات التي يمكن أن يأتي بها هذا المجال إلى عالم الفن، لا أظن أنَّ الناس يعرفون تماماً أنَّ هذا سيكون شيئاً ضخماً، بل نقلة هائلة".
مرحلة جديدة للعملات الرقمية
تغذي شبكة تدعى "إيثريوم" (Ethereum) هذه النقلة، وهي شبكة تدعم العملة المشفرة "إيثر"، التي يتمُّ التداول بها حالياً عند سعر 1,800 دولار للوحدة.
الجميع يجمعون أعمال بيبل الفنية الرقمية، وجميع الأشخاص الذين اشتروا تقريباً قاموا بالبيع، كما أنَّ هناك ملكيات جزئية للصور التي ينتجها، وهم يستخدمون "إيثر" لدفع ثمنها، في نقلة بلا مجهود من الدولارات والسنتات إلى العملة المشفرة من خلال "كوين بايس" (Coinbase)، و "جيميني" (Gemini)، ومنصات أخرى.
وقال وينكيلمان: "إنَّ "إيثيريوم" تشبه "بتكوين"، لكن باستطاعتك برمجة قواعد لها تتحكَّم في كيفية عملها، وتعدُّ عبارة "الأموال الذكية" أبسط أنواع التشبيه بالنسبة للأشخاص، وهناك عدد من الميزات التي يمكن للعملة المشفرة تقديمها، فهي مثيرة للغاية، وتضيف الكثير من القيمة".
لن تضيع هذه الميزات على الفروع الأكثر تقليدية لسوق الفن، ففي يوم الثلاثاء الماضي، أعلنت دار مزادات كريستي أنَّها ستعرض للمزاد عملاً لبيبل بعنوان، "كل يوم: أول 5000 يوم"، في عرض مستقل، يبدأ من 25 فبراير حتى 11 مارس المقبل.
وكشفت دار المزادات لبلومبرغ أنَّها ستقبل "إيثر" وسيلةً للدفع مقابل سعر العمل الفني الرئيسي، وإن كانت العلاوة، التي تعدُّ التعبير المهذَّب لقول الأجر الذي تتقاضاه دار المزادات بالإضافة إلى السعر، ستدفع بالدولار.
وقال نواه ديفيد، الخبير في دار كريستي الذي نظم المزاد: "نحن على وشك الوصول إلى المرحلة التي تصبح العملة المشفرة أكثر رسوخاً، وطريقة أكثر استخداماً للقيام بالأعمال. ومن خلال هذا البيع، أظن أنَّها ستكون الطريقة المثالية لنختبر عمق الماء ونجرب".
اختبار أسواق جديدة
وأضاف ديفيس أنَّ رغبة دار كريستي بقبول العملة المشفرة للمرة الأولى تخبرنا بالكثير حول محاولة دار المزادات استقطاب جمهور جديد أكثر من إحداثها لنقلة نوعية في سوق الفن التقليدي. وقال: "هناك 1.8 مليون شخص يتابعون هذا الرجل على إنستغرام، ويمكنهم الوصول إلى مزاد يبدأ من 100 دولار، وصولاً إلى بضعة آلاف من الدولارات، ونحن نريد من الناس أن ينضمُّوا إلى اللعبة، ويرون أنَّ المزايدة ليست أمراً يستحيل القيام به، هذا يشبه طريقة الإغراء بحبل مخملي للمشاركة في الثقافة الشعبية".
ويضيف أنَّه في الوضع المثالي يمكن لمجموعة ديموغرافية من الأشخاص غير المهتمين أن يلاحظوا أنَّ سوق المزاد فيه الكثير من المتعة. "أنا أفكر بِـ"ريديت" و"غيم ستوب"، والمعيار المنخفض لدخول منصات مثل "روبن هود". هذه الشبكة هي الطريقة المثالية إلى عالم كريستي".
عمل جديد كل يوم
سمع ديفيس عن بيبل لأوَّل مرة من زميل أصغر سناً أخبره عن النجاحات الكبيرة للمبيعات على "نيفتي غايت واي". واتصل بوينكيلمان، وخاض معه في نقاش أولي يصفه ديفيس أنَّه "تجريدي". وبدوره قام ويلكيلمان بعرض عمل للبيع في كريستي، ووصفه ديفيس بأنَّه "شيء لا يمكننا البدء به". كان، كما قال بعد التفتيش عن الكلمة المناسبة، "مليئاً بالتحدي".
يُظهر العمل الذي نتحدَّث عنه، الذي يمكن للجميع رؤيته على حساب بيبل على إنستغرام، عدداً من الشخصيات من بينها شخصية "باز لايتيير" عارية ومرضعة؛ وحاملاً، ومايكل جاكسون منتفخ، مما يبدو كأنَّه ميكي ماوس مدمى، وله عضلات. ويظهر دونالد ترمب في الخلفية. ويقول ويلكيلمان: "بصراحة، أنا شاكر جداً لدار كريستي لرفضها لذلك العمل".
وكانت فكرته الثانية إنشاء لوحة موزاييك هائلة لجميع أعماله الخمسة آلاف، التي يسميها، "كل يوم"، لأنَّه كان يصنع عملاً فنياً جديداً كل يوم طوال الأعوام الثلاثة عشر الماضية. قال ديفيس: "هكذا يصبح الأمر أكثر اكتمالاً. مما يوضح كم كان مشروعه ملحمياً". (ولا داعي للقلق، فالعمل الذي رفضته كريستي موجود ضمن عمل فني أكبر). وكان سعر الافتتاح 100 دولار، وقال ديفيس، إنَّها محاولة لإظهار "أنَّ مزادات كريستي يمكن الوصول إليها".
إنجاز في سوق الفن
في حال أثبت هذا المزاد نجاحه، وفي حال دفع المشتري الناجح بعملة "إيثر"، فسيمثِّل ذلك إنجازاً في سوق الفن الثانوي.
كانت هناك جهود متتالية حتى الوقت الحالي لتقديم تقنية "بلوك تشاين" إلى عالم الفن، و لم ينجح أي منها، برغم أنَّ أكثر الجهود نجاحاً، مثل شركة "أرتوري" (Artory) كانت لأغراض التصنيف في المقام الأول، ومن خلال إنشاء خط دائم غير قابل للتعديل لتأصيل عمل فني، فإنَّ "البلوك تشاين" يمكنها طرح أسئلة تتعلَّق بالمصداقية.
وقال ديفيس: "نريد أن ننجح بالطريقتين، نريد استخدام العملة المشفرة عندما يكون ذلك منطقياً، لكنَّها ليست بالضرورة القاعدة الذهبية الجديدة، هذا لا يعني أنَّ كل مزاد سيقبل العملة المشفرة".