بلومبرغ
بعد تأخرٍ دام ثمانية أعوام، افتتح مطار برلين الجديد أبوابه أخيراً أمام المسافرين، في نهاية أكتوبر 2020، في خضم تداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا على قطاع السفر.
وهبطت طائرات من شركتي الطيران "لوفتهانزا" الألمانية، و"إيزي جيت" البريطانية في مطار "برلين براندنبورغ ويلي براندت" (Berlin Brandenburg Willy Brandt Airport)- الذي يُرمز له بـ BER- بعد الساعة الثانية من ظهر يوم السبت الموافق 31 أكتوبر 2020. وبدأت الرحلات المنتظمة من المطار الجديد برحلة مبكرة إلى لندن.
ويقول كورد شلينبيرغ، خبير الطيران في مدينة هامبورغ: "لا يقوم أحد ببناء مطار جديد الآن، لكن ربما هذه هي فرصة مطار برلين، الذي تمَّ افتتاحه وسط تغطية بسيطة، مما يمنح السلطات وقتاً لضمان سير العمليات بسلاسة".
أخطاء فادحة
ويشكل تاريخ المطار رواية محرجة بالنسبة لسمعة ألمانيا التي طالما وصِفت بالالتزام بالمواعيد، والبراعة الهندسية. فقد بدأت عملية بناء المطار في عام 2006، وكان من المفترض أن يتمَّ افتتاحه في يونيو 2012، لكن هذه الخطط ألغيت قبل أسابيع فقط من موعد الافتتاح المفترض، مع استعداد شاحنات نقل الأمتعة للانطلاق، وإصدار التذاكر.
وفي البداية، ألقت السلطات باللوم في التأجيل على تجهيزات السلامة من الحرائق، وزعمت أنَّ هذا العطل سيتمُّ إصلاحه في غضون بضعة أشهر، لكنَّ كوارث التخطيط الأعمق بدأت بالظهور تدريجياً، وتمَّ تأجيل افتتاح المطار عدَّة مرات في الأعوام التالية.
ومن بين الأخطاء الفادحة التي ظهرت في المطار، كانت الأبواب الأوتوماتيكية التي لم يتم تزويدها بالتيار الكهربائي، والسلالم المتحركة الأقصر من المطلوب، كما أنَّ نظم تنقية الهواء معقَّدة للغاية، لكنها غير فعَّالة، التي أطلق عليها اسم "الوحش".
وقد تضاعفت تكاليف المشروع ثلاث مرات لتصل إلى أكثر من 6 مليارات يورو (7.2 مليار دولار)، وساهم هذا الفشل الذريع في رحيل كلاوس فوفرايت من منصبه كعمدة برلين، وهو سياسي وصف العاصمة الألمانية بأنَّها "فقيرة، لكنَّها "مثيرة" في مقارنة لها مع باقي مدن ألمانيا.
وبالإضافة إلى اضطرار المسافرين في برلين للهبوط في منشآت الحرب القديمة، تسبَّب التأخير الطويل لافتتاح المطار بظهور مشاكل أخرى، فقد كانت القطارات الفارغة تمر عبر محطة مهجورة في الطابق السفلي من صالة الوصول الزجاجية، للحفاظ على تدفُّق الهواء، والحد من نمو العفن في المكان.
مطار يعكس مكانة ألمانيا
وحتى في ظل الوباء، فإنَّ برلين بحاجة ماسة إلى مطار حديث يعكس مكانة المدينة كمركز لشركات التكنولوجيا الناشئة، وعاصمة أكبر اقتصاد في أوروبا. كما أنَّها تفوَّقت على روما أيضاً باعتبارها ثالث أكثر مدن أوروبا زيارة في عام 2014، مما أدَّى إلى زيادة الدعوات المطالبة بإنشاء مطار جديد.
وتمَّ إغلاق "مطار تيغيل" في العاصمة الألمانية برلين، الذي يعود تاريخه إلى حقبة السبعينيات، برغم أنَّه أثار كثيراً إعجاب العديد من سكان برلين بسبب موقعه المركزي، وصالة الوصول الرئيسية ذات الشكل السباعي الأضلاع، التي كانت تسمح للركاب بالوصول مباشرة إلى بواباتهم. في حين أنَّ "مطار شونفيلد"، المنشأة الشيوعية السابقة المجاورة لمطار "برلين براندنبورغ"، ستظل كما هي كونها محطة وصول رقم 5.
وبالرغم من أنَّها أكبر مدن ألمانيا، تعدُّ برلين سوقاً ثانوياً للطيران، إذ تتجه معظم الرحلات الجوية الدولية عبر منشآت الطيران في فرانكفورت، وميونيخ، ومراكز أوروبية أخرى.
وهذا الأمر لا يُحتمل أن يتغيَّر على المدى القصير، حتى لو قامت السلطات الألمانية بتحديث خطط مطار "برلين براندنبورغ" لاستيعاب الطائرات الضخمة، مثل طائرة "إيرباص إيه 380".
وقال وزير النقل الألماني أندرياس شوير: "مطار برلين براندنبورغ أشعرنا بالانزعاج وخيَّب آمالنا، لكنَّنا الآن بات يمكننا أن نشعر بالسعادة لافتتاحه أخيراً. سنفعل كل ما يتطلَّبه الأمر ليصبح مركزاً دولياً".
افتتاح المطار
وخلال الأشهر الماضية، حصل المطار على كل الموافقات اللازمة بعد مجموعة من الاختبارات للأنظمة المختلفة. فقد أجرى عملية إجلاء معقَّدة في محاكاة لحريق أحد القطارات فيه، وأجرى نحو 10 آلاف شخص مزوَّدين بنماذج تصاريح صعود على متن الطائرة، واختبارات على مدار عدَّة أسابيع حتى 15 أكتوبر 2020، كما أنَّه تمَّ إعداد الموظفين للتعامل مع الأمور كافةً، بداية من الأمتعة المفقودة إلى حوادث مدَّرج إقلاع، وهبوط الطائرات، والهجمات الإرهابية.
وتمَّ تصميم المطار الذي يقع على بعد 25 كيلومتراً تقريباً جنوب شرق بوابة براندنبورغ، لاستيعاب ما يقرب من 40 مليون مسافر سنوياً، أي ما يقرب من مستويات ما قبل الأزمة. وتتألف القاعة الرئيسية ذات التهوئة الجيدة من 118 نقطة تسجيل، وعشرات المحلات التجارية والمطاعم. كما أنَّ هناك محطة قطار تنقل المسافرين إلى وسط المدينة في أقل من 30 دقيقة.
وداخل القاعة الرئيسية في يوم افتتاح المطار، اختلطت الشرطة مع السكان المحليين وعشرات من نشطاء المناخ، الذين احتجُّوا على الافتتاح، وهم يرتدون ملابس على شكل طيور البطريق، وكانوا يحملون لافتات، كُتب عليها "أنقذوا الناس لا الطائرات".
وبجانب التصميم الداخلي الأنيق وإمكانية التسُّوق بشكل أفضل، هناك فوائد حقيقية للافتتاح الذي طال انتظاره.
إذ يجري تنفيذ مشروع لدمج "مطار تيغيل" القديم ضمن مركز تكنولوجي جديد، وبناء منازل لـِ 10 آلاف شخص في مجاله الجوي الشاسع، وبالتالي تخفيف ضغط الإسكان الذي عانت منه المدينة في الأعوام الأخيرة.
وأعرب إنجلبرت لوتكي دالدروب، مدير مشروع المطار منذ عام 2017، عن تفاؤله حتى في ظل مواجهة الوباء، وعمل لوتكي دالدروب بجِدٍ لإصلاح كل العيوب الفادحة التي ظهرت في المطار.
وبعد الترحيب بكل من كارستن سبور، ويوهان لوندغرين، الرؤساء التنفيذيين لشركتي "لوفتهانزا"، و "إيزي جيت"، اإذ وصلا على متن أولى الطائرات إلى المطار، قال لوتكي دالدروب: "المنشأة تحوي كل ما يحتاجه مطار حديث وجميل، سنتغلَّب على هذه الأزمة معاً، ونضمن نجاح مطار برلين براندنبورغ".