بلومبرغ
اعتادت ساحة "تايمز سكوير" العريقة في نيويورك ولمدة 13 عاماً إقامة مسابقة فنية سنوية تحتفي بالحب لمناسبة عيد الـ"فالنتين" أو عيد الحب. في السابق، كان السائحون يشاهدون العمل الفني الفائز وهم في طريقهم لمتابعة عرض مسرحي في برودواي، أو بينما يتأملون اللوحات الإعلانية في الشارع أو يزورون متجر "M&M’s".
ولكن اختلف الوضع هذا العام، حيث شهد عدد السائحين تراجعاً كبيراً في شهر فبراير من هذا العام، و الحشود التي عادة ما كانت تتزاحم في طريقها إلي "تايمز سكوير"، لم تعد تُحبذ ذلك في ظلّ تفشي جائحة كورونا.
أمّا العمل الفني الفائز هذا العام فحمل اسم "Love Letters"، أو "خطابات الحب"، هو عبارة عن نصب مصنوع من الخشب الرقيق على شكل قلبين متداخلين، بدأ عرضه في 10 فبراير. وقد صمّم هذا النصب بمساحات متعددة ما يتيح للزوّار التفاعل فيما بينهم مع الحفاظ على مسافة آمنة. كما يلقي العمل الضوء على مواضيع أوسع من الحب، مثل التكافل والصمود الجماعي ولمّ الشمل، كذلك، يتيح للزوّار عرض رسائل الحب الخاصة بهم، وإذا تعذّر عليهم القدوم، يمكنهم إرسال رسائلهم إلكترونياً.
سنة مليئة بالتحديات
وقالت جين كوني، مديرة البرنامج الفني في تايمز سكوير: "أردنا توسيع فكرة الحب إلى ما هو أبعد من مجرد العشق الرومانسي"، مشيرة إلى أن البرنامج تعاون مع شركة التصميم والهندسة المعمارية "ريديمايد" من أجل الإعداد للمنافسة، مضيفة: "كانت سنة مليئة بالتحديات على عدّة أصعدة، لذا أردنا توسيع فكرة الحبّ لتشمل التآزر".
وتمثّل هذه الموضوعات الجديدة توجهاً أوسع بدأ يظهر في العديد من المدن الأمريكية في عيد "الفالنتين" لهذا العام. فالمدن والمؤسسات التي تنازع بعد عام من الخسائر والعزل نتيجة الجائحة قررت أن تحتفي بعيد الحب بشكل جديد، تماماً مثلما فعلت في المجالات الأخرى التي اضطرت لإدخال تعديلات عليها، من أرصفة الطرقات إلى التصاميم الداخلية للمكاتب. وقد نتج عن كلّ ذلك تركيز جديد على الحب بما يتجاوز العشق الرومانسي، ليشمل الحب الأفلاطوني وحبّ الأماكن التي نعتبرها موطناً لنا والمجتمعات التي نسكن فيها.
الحب بمنظور أوسع هذا العام
وفي هذا العام أيضا، تسعى مدينة بورتلاند في ولاية ماين في الولايات المتحدة باستكمال تاريخها العريق في الاحتفال بعيد "الفالنتين". ففي هذه المدينة، نشأ تقليد "شبح الفالنتين" قبل عقود من الزمن، حيث يقوم أشخاص مجهولون بنشر زينة على شكل قلوب في كافة أرجاء المدينة.
وللاحتفال بعيد الحب، بدأت منطقة وسط المدينة بتلقي رسائل الحب الموجهة إلى المدينة وإلى المؤسسات التجارية المستقلة فيها.
ووصفت كاري تايسون، المديرة التنفيذية لـ"منطقة تنمية وسط مدينة بورتلاند" ذلك بقولها: "إنها حركة تهدف للتذكير بأن تحب أخاك الإنسان وتحب جارك والمكان الذي تتواجد فيه".
ويرى البعض أن هذه الجهود تلعب دوراً فعّالاً في تجاوز الحواجز التي فرضتها الجائحة، مثل ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي، وهي كلّها أمور تعيق التواصل في الأماكن العامة، فقد جعلت الجائحة التفاعل بين الغرباء أمراً محفوفاً بالخطر وأجبرتهم على الابتعاد أو إعادة النظر في علاقتهم مع الأماكن التي كانت في السابق أساسية للحفاظ على الحياة الاجتماعية، من المطاعم والمقاهي وحتى دور العبادة.
زمن الكمامات والتباعد الاجتماعي
وأعربت سيثا لو، الأستاذة اللامعة في مركز دراسات التخرج في جامعة مدينة نيويورك، والمتخصصة في أنثروبولوجيا المساحة والمكان، عن قلقها من أن تبقى المساحة التي نشأت بين الأشخاص قائمة مجازياً حتى بعد زوال الجائحة. ورأت في هذا السياق أن المساعي لإعادة التقارب بين المجتمعات من خلال الفنّ حققت نجاحاً ملحوظاً في تعزيز المشاركة العامة في مثل هذا الوقت الصعب.
وقالت لو: "يوجد عدد هائل من الأشخاص الذين يفكرون في طرق لإعادة إحياء المساحات العامة وتنشيط الحيز العام بطريقة تشمل الجميع وتحدّ من الفواصل فيما بينهم".
ومن بين هذه الأماكن العامة، أطول شارع تجاري في الولايات المتحدة. ففي فبراير من العام الماضي، زينت أعمدة الإنارة في منطقة كولفاكس في دنفر بقلوب حملت رسائل حبّ وأسماء العشاق، أمّا هذا العام، فقد حملت القلوب عبارات تشجيع لعمّال الخطوط الأمامية والمعلمين.
وقالت ميشيل فاليري، مديرة التواصل والبرامج في منطقة تنمية الأعمال التجارية في كولفاكس: "على الرغم من أن هذا البرنامج يقام سنوياً، إلا أن شبح كوفيد خيّم بشكل واضح على الرسائل هذا العام" وأضافت: "تلقينا الكثير من الرسائل للتعبير عن الحبّ الموجه إلى عمّال الخطوط الأمامية والمعلمين والطواقم الطبية، بالإضافة إلى رسائل تشجعنا على حبّ بعضنا بعضا بشكل عام".
وفي مدينة بويز في أيداهو بالولايات المتحدة، بدأ المركز الاجتماعي المعروف اختصاراً بـ" JUMP" بنشر الزينة وأشكال القلوب في المدينة منذ بداية ربيع العام الماضي، ويشمل ذلك بالونات على شكل قلوب وضعها المركز في المنتزه المجاور له وزينة على شكل قلوب تم توزيعها على الجيران وقلوب خشبية سيوزعها أو يعرضها المركز أمام مقرّه يوم عيد "الفالنتين".
وتأمل "تايمز سكوير" إظهار المزيد من العواطف في الأماكن العامة في الوقت الذي يتم فيه فتح الرسائل (ولكن ليس من النوع الذي ينتهك المسافات الآمنة).
وعلى الرغم من تراجع عدد المشاة اليومي في تايمز سكوير في يناير إلى ثلث ما كان عليه في الشهر نفسه من العام الماضي، إلا أن جين كوني، المسؤولة عن البرنامج الفني، مصممة على التواصل مع الزوار من خلال أعمال فنية تحاكي الواقع الجديد الناجم عن الجائحة.
وقالت: "أشعر أنني مسؤولة عن الاستمرار في إشراك زوار هذه الساحات وتقديم لحظات من المرح والسعادة لهم". وتابعت: "إذا كنّا سنستثمر ونبتكر ونساعد مصمّما ما على صنع عمل فنيّ ضخم في مكان عام في هذه اللحظة، فلا بدّ أن يعكس هذا العمل جزءاً من الوعي العام ومن المجتمع الذي يحتضن العمل".
طابع جديد للاحتفال
كذلك يأخذ عيد "الفالنتين" طابعاً جديداً أيضاً هذا العام لدى العشاق أنفسهم الذين يحرصون دائماً على الاحتفال به، فجاين كيم وبي جي كيم كانا قد تزوجا في تايمز سكوير يوم عيد الفالنتين في العام 2014، وهما يعودان كلّ سنة لتجديد عهودهما بينما ترافقهما بناتهما الثلاث. حتى أنهما أطلقا على ابنتهما الصغرى اسم "فالنتين" تيمناً بالعيد المفضّل لديهما.
ويقول الثنائي إن يوم زفافهما كان مميزاً بشكل خاص لأنه أقيم في صخب المدينة، فيما كان الغرباء يمرون من حولهم. بالنسبة لهما، فإن الجائحة تذكرهما بأن الغرباء لا يقلّون أهمية عن الأشخاص المقربين. وأضافت جاين "يساعدك ذلك على تقدير كافة أنواع العلاقات".