بلومبرغ
بعيدًا عن الألماس والزمرّد والياقوت، فإنَّ الفئة الأكثر خبرة من هواة جمع الأحجار الثمينة يبحثون اليوم عن تلك النادرة واللافتة والمختلفة، وأحيانًا التي يكاد يكون من المستحيل العثور عليها.
يرغب الناسُ عادةً في اقتناء الأحجار الكريمة المذهلة نظرًا إلى كونها تتمتع بتأثيرات بصرية رائعة مثل انعكاسات الألوان خلالها، كما في حالة حجر الألكسندريت، أو كونها نتاج عملية عضوية فريدة، مثل لؤلؤ المحار.
ويُعَدُّ المصْدَر الذي جاء منه الحجر أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة إلى رُقِيّ الأحجار الكريمة. ولهذا تابع معنا في هذه الجولة الإرشادية حول العالم القصص التي تقف وراء أكثر الأحجار إثارة في سوق الجواهر.
الزبرجد - ميانمار
الزبرجد، الذي يتميزُ بلونٍ أخضرٍ مائلٍ للاصفرار، يُعَدُّ أحد أقدم الأحجار الكريمة المعروفة في العالم، فقد كان مطمعًا منذ زمن قدماء المصريين، الذين أطلقوا عليه اسم "حجر الشمس". وكان ربط المعدن منذ ذلك الوقت بالنجوم بمثابة تنبُّؤٍ بالمستقبل، إذ بالفعل يرجع اليوم تكوين بلورات الزبرجد إلى النيازك التي اصطدمت بالأرض. كما جمعت مركبة فضائية تابعة لوكالة الفضاء والطيران الوطنية الأمريكية "ناسا" بلّورات الحجر ذاته ضمن عيٍّنات من آثار غبار المذنبات في الفضاء.
ويأتي الزبرجد في مجموعة من درجات الألوان، فهناك الأحجار ذات اللون الأكثر عمقًا من درجات الأخضر، التي تجعل العين أحيانًا تخطئ بينها وبين أفضل قطع الزُمرُّد، قبل أن يُحدِّد المختبر هُوِيّة الأحجار، كما يتميز الزبرجد بمعامل انكسار مزدوج مرتفع، ويعني في عالم الأحجار قدرته على عكس مزيد من الضوء من كل جوانبه، ما يضفي عليه بعضًا من بريق وتألق الألماس.
وتأتي أجود أنواع الزبرجد تقليديًّا من ميانمار، إذ تشتهر هذه الأحجار بألوانها النابضة بالحياة والمشبّعة.
ويستعرض هذا العقد من جواهر "فيندورا Verdura 55" زبرجدًا بورميًّا بقطع الوسادة يزن أكثر من 275 قيراطًا، ويبلغ سعره 265 ألف دولار.
ألكسندريت - روسيا
عُثِر على هذه الجوهرة الرائعة لأول مرة في جبال الأورال الروسية في عام 1830، وقد سُميت تيمُّنًا باسم الأمير الذي أصبح القيصر ألكسندر الثاني. يتغيًّرُ لون الحجر تحت مصادر الضوء المختلفة، إذ يتحوَّل لون حجر الألكسندريت في ضوء النهار إلى الأخضر المزرق، فيما يتفاوت لونه تحت الضوء الصناعي، فيتراوح بين الأحمر والأحمر الأرجواني.
ورغم أنَّ إنتاج المناجم الروسية، التي كانت المصدر الأساسي للأحجار الكريمة، أصبح محدودًا في الوقت الحالي، فقد عُثِر على بعض الرواسب أيضًا في سريلانكا والبرازيل وشرق إفريقيا. ويُعتبر حجر الألكسندريت واحدًا من أغلى الأحجار في العالم، إذ يصل سعره في بعض الأحيان إلى 70 ألف دولار للقيراط الواحد، وذلك في العيِّنات عالية الجودة التي تتميز بتغيرات قوية في درجات الألوان وزهوها. ومع ذلك، تَزِنُ معظم أحجار الألكسندريت أقلَّ من قيراط واحد، مما يجعل الأحجار الكبيرة ذات قيمة استثنائية.
هذا الخاتم، من تصميم "أوسكار هايمان"، يحمل حجر ألكسندريت رائعًا يبلغ وزنه 5.74 قيراط، محاطًا بماسات بيضاوية. إنّ حجم الحجر وقوَّة ألوانه يجعلان منه قطعة لا مثيل لها لهواة جمع القطع المميزة، ويقدَّر سعره بـ370 ألف دولار.
بارايبا تورمالين - البرازيل
يأتي التورمالين بعدة ألوان، ولكن الألوان الخاصة والفريدة من نوعها هي الوحيدة التي استحقَّت أسماءها. اكتُشف حجر بارايبا تورمالين لأول مرة في ولاية بارايبا بالبرازيل في الثمانينيات، واشتُهِرَ بلونه الأزرق الشبيه بلون مياه حوض السباحة. تُضفي عليه رواسب النحاس الموجودة في المنطقة درجة لون فيروزية مثيرة حقًّا في أفضل الأحجار.
وعلى الرغم من العثور على القليل من الرواسب في موزمبيق ونيجيريا، فإنَّ التربة تحتوي على القليل فقط من النحاس في تلك المناطق، مما يجعل لون الأحجار يبدو أقلَّ جاذبية.
يعتبر بعض المتشدِّدين في مجال الأحجار أنَّ حجر بارايبا تورمالين الأصلي هو المستخرَج حصرًا من مناجمه الأصلية في البرازيل. وبالطبع فإنَّ الأحجار البرازيلية من هذا الحجر هي ذات الأسعار الأعلى. وحاليًّا تَسبَّب إغلاق تلك المناجم الأصلية في الحدِّ من إمدادات أمريكا الجنوبية بهذه الأحجار الكريمة، ولكن في الوقت نفسه فإن نُدرتها أسهمت في اكتشاف جمالها من قِبل هواة جمع الأحجار، كما استجابت السوق بدورها، إذ يقول كويج برونينغ، رئيس قسم الجواهر في دار "سوذبيز" (Sotheby’s) في نيويورك: "لقد شهدنا قفزة هائلة في الطلب على أحجار بارايبا تورمالين عالية الجودة في المزادات خلال السنوات القليلة الماضية"، مما أدى إلى بيعها بأسعار حطمت الأرقام القياسية.
يَستعمل صانع الجواهر "أوسكار هايمان" أحجار بارايبا تورمالين في تصاميمه بشكل متكرر، ويُعتبر هذا العقد مثالًا استثنائيًّا، إذ يضمُّ 32 حجرًا من أحجار بارايبا تورمالين على شكل كمثرى متطابقة تمامًا، بالإضافة إلى 52 ألماسة منتشرة بطول العقد، ما يعزز من لونه ويضفي عليه بريقًا خاصًّا. ويبلغ سعر العقد 600 ألف دولار.
الغرانديديريت - مدغشقر
الغرانديديريت هو حجرٌ نادرٌ جدًّا، لدرجة أنَّ معظم هواة جمع الأحجار لم يسمعوا به من قبل، ناهيك برؤيته. وقد اكتُشف لأول مرة في مدغشقر في عام 1902، ثم عُثِر على القليل منه لاحقًا. وبمقياس جودة الأحجار الكريمة، تفي قطعة واحدة فقط من بين كل 10 آلاف قطعة خام مكتشفه منه بمعايير الجودة، الأمر الذي تسبّب في عدم دخوله في صناعة الجواهر حتى اكتُشفَت رواسبه في جنوب مدغشقر عام 2014.
يتميز الغرانديديريت عالي الجودة بلون أخضر مائل إلى الزرقة مشبّع بشكل مكثَّف، وتميل أحجاره إلى كونها صغيرة جدًّا. وفي العام الماضي كانت "فيليبس" قد حصلت على أول حجر غرانديديريت، وربما الوحيد الذي يباع في مزاد علني، وهو حجر كريم استثنائيّ غير مركَّب يَزِنُ 4.78 قيراط، بيع مقابل 52500 دولار، بواقع 11 ألف دولار لكل قيراط.
تقول سوزان أبيلس، النائب الأول لرئيس قسم الجواهر في شركة "فيليبس"، إنَّ المزايدين كانوا أكثر جامعي الأحجار الكريمة خبرة، و"يدركون أنه حجر فريد ومختلف، وقد لا يعرفون أيَّ شخص يمتلك الغرانديديريت المتماشي مع مقاييس جودة الأحجار الكريمة ضمن مجموعته".
اليوم، لا يَنِتجُ سوى عدد قليل من المتخصصين جواهر الغرانديديريت حسب الطلب، بما في ذلك "أومي بريفيه" (Omi Privé)، الذي صنع هذا الخاتم المميز بحجر عيار 2.21 قيراط محاط بالألكسندريت والألماس، وسعره 97 ألف دولار.
ياقوت البادبارادشا - سريلانكا
يأتي ياقوت البادبارادشا، الذي يأتي بأندر ألوان الياقوت الرائعة، من سريلانكا، إذ تعتز البلاد به منذ عدة قرون. ويتمتع ياقوت البادبارادشا بلون برتقاليّ زهريّ مميّز، إذ استمدَّ اسمه من الكلمة السنهالية لزهرة اللوتس، التي يميزها لون مشابه.
يقول برونينغ من دار "سوذبيز" في نيويورك: "إنَّ التوازن النادر بين اللونين الوردي والبرتقالي هو الذي يمنح هذا الياقوت دفئًا مشرقًا وملمسًا ناعمًا ورقيقًا في آنٍ واحد".
لا يظهر ذلك اللون في أيِّ حجرٍ كريمٍ طبيعيّ آخر، وتتمتع أغلى أحجار ياقوت البادبارادشا بلون أكثر قوّة يذكّرنا بغروب الشمس الاستوائي. وقد عُثِر على ياقوت يتمتع بمظهر مماثل في شرق إفريقيا، لكنَّ عديدًا من تجار الجواهر وهواة الجمع يعتقدون أنَّ ياقوت البادبارادشا الأصلي يأتي من سريلانكا فقط. ويجعل العرض المحدود أجود أنواع الأحجار باهظة الثمن.
تستعرض مصممة الجواهر لورين شوارتز في هذه المجموعة من الأقراط تنوّع تلك الأحجار الكريمة من حيث الشكل واللون من خلال مزج قطع مختلفة، بما في ذلك الكمثريّ والبيضاويّ والمستطيل، وتميّزها درجات ألوان مختلفة تتراوح بين الورديّ والبرتقاليّ. ويبلغ سعرها 245 ألف دولار.
التنزانيت - تنزانيا
يوجد التنزانيت الأزرق البنفسجي المكثف في مكان واحد فقط على الأرض، وهو تنزانيا. يقول الجيولوجيون إنَّ رواسب التنزانيت تكوَّنت في نفس الوقت الذي تكوَّن فيه جبل كليمنغارو. وقد مَنَحَ وجود عنصر كيميائيّ نادر خلال حركة طبقات الأرض، وهو الفاناديوم، تلك البلورات لونها الرائع.
وفي ظل وقوف هذه الظروف الاستثنائية وراء تكوينه، يعتقد الخبراء أنه لا يمكن مصادفة وجود التنزانيت في أي مكان سوى تلال ميريراني. ويتوقع أن ينضب مخزون المنجم من المركّبات تمامًا في غضون 30 عامًا، وقد لا يتوفر تنزانيت جديد، مما يجعله حجرًا مميزًا لهواة جمع الجواهر بالفعل.
اكتشف العملاء التنزانيت في أواخر الستينيات فقط، عندما سمَّت "تيفاني آند كو" الحجر الجديد وقدَّمته إلى العالم في مجموعة رائعة من الجواهر. إنه حجر متعدد الألوان البلورية، مما يعني أنه يُظهِر ثلاث درجات مختلفة من اللون الأزرق والبنفسجي عند النظر إليه من اتجاهات مختلفة.
وتتمتع أغلى أحجار التنزانيت بلون أرجوانيّ داكن، ما يميزه عن حجر أزرق شهير آخر وهو الياقوت الأزرق.
يبرز هذا العقد الاستثنائي من جواهر "تيفاني" الراقية بحجر يَزِنُ 108 قراريط من التنزانيت بشكل الكمثرى ومحاط بالألماس، بلونه البنفسجي، وقد بلغت قيمته 245 ألف دولار.
لؤلؤ المحار - الكاريبي
شأنها شأن اللآلئ الأصلية، تأتي لؤلؤة المحار من الرخويات، لكنها لا تتكون من الصَدف (عرق اللؤلؤ) مثل اللؤلؤ الأصلي، فهي عبارة عن تكاثر صخريّ. ومنذ قرون، كانت الصُدفةُ وحدها وراء اكتشاف كل من لؤلؤ المحار والمحار الحقيقي في الطبيعة، مما جعله نادرًا وثمينًا للغاية بحيث يرتديه الملوك والنبلاء حصرًا. أمَّا الآن، فتُزرَع اللآلئ الحقيقية بكميات كبيرة، الأمر الذي أدى إلى تضاؤل التعطش إلى وجود النسخ البرّية.
ولكن على الجانب الآخر، لا يمكن استزراع لآلئ المحار، لذا فهي تظلُّ نادرة للغاية وبالتالي من بين أغلى العيِّنات. وتوجد اللآلئ الوردية فقط في منطقة البحر الكاريبي، داخل محارة الملكة. وعلى الرغم من وفرة المحار في المنطقة، فإنَّ فرص العثور على لؤلؤ المحار داخل إحداها نادرة للغاية، بحيث تتراوح بين 1 لكل 10 آلاف أو لكل 15 ألفًا.
وتعتبر 10 في المئة فقط من الأحجار التي يُعثَر عليها بجودة الأحجار الكريمة. وتأتي لآلئ المحار في درجات من الأبيض والوردي والأحمر والبني، ولكن اللون الوردي الداكن هو اللون الأكثر تفضيلًا.
ويمتاز سطح تلك اللآلئ بطابع خاصٍ يشبه اللهب، ويبدو كخطوط النار الخافتة المموجة، فهي ناعمة ولامعة وأحيانًا تُقارَن بالبورسلين.
صانع الجواهر "كيكادا" (Cicada) يستعمل هنا لؤلؤة محار يبلغ وزنها 4 قراريط تقريبًا، ويحيطها بأحجار الألكسندريت في هذا الخاتم، الذي يقدر بـ74 ألف دولار.
الياقوت النجمي - سريلانكا
يُظهِر بعض الأحجار الكريمة، بما في ذلك الياقوت، ظاهرة يُطلَق عليها الظاهرة النجمية، التي تؤدي إلى ظهور نجمة عندما يُسلَّط الضوء على الحجر بالطريقة الصحيحة. وعلى الرغم من أن الياقوت النجمي كان شائعًا جدًّا في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، فإنه لم يعُد معروفًا بشكل جيّد في الوقت الحالي، ولكنه ظلَّ مطمعًا لهواة جمع الأحجار الكريمة.
يوجد هذا الياقوت النادر في سريلانكا ومدغشقر، لكن جمال الياقوت النجمي أكثر أهمية من مصدره، فهو يتمتع بمظهر حريريّ، وفي أفضل القطع تظهر نجمة مموجة واضحة في وسط الأحجار المصقولة المقببة. وتمتاز تلك الأحجار بوجود شرائط من شوائب تشبه الإبر تتقاطع في مركز الحجر، مما يؤدي إلى انعكاس الضوء وخلق صورة السراب النجمية داخله.
تعتمد جودة الياقوت النجمي على عدة عوامل كما يوضح توم هايمان من دار جواهر "أوسكار هايمان"، إذ يقول: "تُظهِر أفضل أنواع الياقوت النجمي ظاهرة النجمة، وتتكون من ستة سيقان مستقيمة متباعدة بشكل متساوٍ تتقاطع في وسط الحجر. ويبحث جامع الأحجار عن حجر يمتاز بوجود الخط الأساسي الممتدُّ على طول المحور الطويل للحجر".
يمكن أن تظهر العلامة النجمية في الياقوت من جميع الألوان، ولكن حجر الياقوت الأزرق يُعتبر من بين الأكثرها الجودة. يتميز هذا الخاتم من "أوسكار هايمان" بحجر كبير من الياقوت النجمي بلون أزرق داكن بوزن 5.04 قيراط ومحاط بألماسات بيضاوية، بقيمة 70 ألف دولار.
الأوبال الأسوَد - أستراليا
تُنتِج الطبيعة الجيولوجية الفريدة في أستراليا 95 في المئة من الأوبال في العالم، ويقتصر وجود بعض أنواعه على تلك القارَّةُ فقط. ويُعَدُّ الأوبال الأسوّد الرائع هو الأكثر شهرة والأغلى ثمنًا على الإطلاق.
وعلى عكس الاسم، فإنَّ الأوبال الأسوَد حجر مليء بالألوان الغنية والنابضة بالحياة، التي عادةً ما تكون درجات من الأخضر أو الأزرق تومض عبر سطح الحجر الداكن.
وتوجد أحجار الأوبال الأكثر شهرة والأعلى قيمة في ثلاث مدن صغيرة فقط، وأشهرها لايتنينغ ريدج، في نيو ساوث ويلز.
تتميز هذه الأقراط الرائعة من جواهر "شوبارد" الراقية بقطعتين من الأوبال الأسوَد المستخرج من لايتنينغ ريدج، وقد ثُبِّت داخل أزهار مفتوحة ومرصعة بالكامل بأحجار كريمة ثمينة باللونين الأزرق والأخضر تُبرِز تلاعب ألوان الأوبال، بما في ذلك الياقوت الوردي والأزرق والعقيق والتسافوريت والزُمُرُّدَ والألماس، وهذه الأقراط يُكشَف عن سعرها فقط عند الطلب.