بلومبرغ
كتب: رودريغو أوريويلا وديردري هيبويل
بعد أسابيع قليلة من إعلان إسبانيا إغلاقًا كاملًا على مستوى البلاد في منتصف شهر مارس لمحاربة تفشي فيروس كورونا المتزايد، بدأت البضائع التابعة لشركة "إنديتكس إس إيه" (Inditex SA) لبيع الملابس بالتجزئة في النفاد.
متاجر التجزئة الكبرى لبيع الملابس في العالم عادةً ما تبتعد عن الاعتماد على المخازن الكبرى لتخزين بضائعها، مفضلة بدلًا من ذلك الاحتفاظ بمعظم مخزونها في متاجرها التي تتضاعف أهميتها كذلك كمراكز للبيع عن طريق الإنترنت أيضًا، إذ من خلال ذلك يصبح من السهل أيضًا تجديد البضائع بشكل دوريّ في المتاجر لتحديث الرفوف بسرعة، كما يصبح تخزين البضائع في حدِّه الأدنى والضروري لمتابعة الطلبات فقط.
وكما في كل المجالات التي غيَّرها الوباء، ومع إغلاق أكثر من 3500 متجر في جميع أنحاء العالم، وصلت دورة تصنيع البضائع المتوازنة هذه إلى نقطة تحوُّل، فبحلول شهر أبريل أرسلت شركة "إنديتكس" طلبًا غير معتاد لموظفيها، بحثًا عن متطوعين لإحضار الملابس والإكسسوارات المتبقية في غرف التخزين ومن فوق الرفوف في المئات من متاجر "زارا" و"ماسيمو دوتي" وغيرها من متاجر العلامات التجارية التابعة للشركة، وذلك لتلبية طلبات التجارة الإلكترونية المتزايدة.
مزيج غير تقليدي
المزيج غير التقليدي لأعمال الشركة، الذي يركّز على التصنيع المحلّي، والإدارة الذكية، والاحتضان القوي للتجارة الإلكترونية، كلّها عوامل أسهمت مجتمعة في مساعدة "إنديتكس" على مواجهة تداعيات الإغلاق العالمي بشكل أفضل، مقارنة بعديد من تجّار التجزئة الآخرين. كما أنها ساعدت الشركة في أن تكون جاهزة لتجربة التسوق الجديدة، إذ إنّ ارتداء أقنعة الوجه، وقلّة زيارات الزبائن إلى المتاجر، والتباعد الاجتماعي، كلها دفعت بأعداد أكبر من المستهلكين إلى الشراء عبر الإنترنت أكثر من أيّ وقت مضى.
وبينما أبلغت الشركة عن أول خسارة لها على الإطلاق في تاريخها عندما كشفت عن أرباحها ربع السنوية في سبتمبر، تمكنت "إنديتكس" من الاعتماد على تجارتها عبر الإنترنت للحفاظ على سير عملياتها، وهو ما حدّ من الضرر الناجم عن الإغلاق الذي بدأ يخفّ تدريجيًّا في دول مختلفة. وحتى سبتمبر من هذا العام بلغ انخفاض أسهم الشركة هذا العام نحو 16 في المئة.
نظام توزيع وتخزين فريد
ريتشارد تشامبرلين، المدير التنفيذي لقسم التجزئة الأوروبية في بنك الاستثمار الدولي (RBC)، يقول: "قبل (كوفيد-19) بلغت مبيعات (إنديتكس) عبر الإنترنت ما يقرب من 14 إلى 15 في المئة من إجمالي مبيعاتها، لا شك أن هذه النسبة ستتسارع بالنموّ خلال الفترة القادمة. وقد يكون أهمّ امتياز للشركة هو نظام مستودعاتها المركزية التي تتيح شحن البضائع إلى كل متاجرها لعدة مرات في الأسبوع، لذا فإنّ فكرة الشحن مباشرة إلى المستهلكين في جميع أنحاء العالم ستكون سهلة للغاية".
كونها حديثة العهد نسبيًّا على التجارة الإلكترونية، أطلقت "إنديتكس" أول ظهور لنشاطها التجاري عبر الإنترنت في عام 2010، ووسّعت أعمالها الرقمية معتمدة بشكل كبير على التكنولوجيا المرتبطة بنظام الإدارة والتوزيع الخاصّ بها والفريد من نوعه في عالم التجزئة.
يقوم النظام على ركيزتين أساسيتين هما: أولًا الحركة السريعة والمرنة للمنتجات التي تنتقل من مرحلة الطلبيات إلى البيع في المتاجر بصورة سلسة، وثانيًا قرب الإنتاج، مع وجود الجزء الأكبر من المصانع في إسبانيا والبرتغال والمغرب وتركيا، إذ يُرسَل جميع المنتجات تقريبًا إلى عدد قليل من المراكز في إسبانيا ويُعاد توزيعها من هناك إلى منافذ البيع في جميع أنحاء العالم.
ويختلف هذا النهج بشكل كبير عمّا يتبعه المنافس الاسكندنافي "إتش أند إم" (Hennes & Mauritz AB)، الذي عمل على مدار فترة طويلة من أجل تقليل مخزونه المتزايد والبالغ 4 مليارات دولار. ومع حلول نهاية فبراير، كان مخزون "إتش أند إم" (H&M) من البضائع يعادل 16 في المئة من مبيعات 12 شهرًا. وتختلف نتائج السنوات المالية لشركة "إنديتكس" و"إتش أند إم" كل شهر، مما يتيح المقارنة المباشرة، ويتوقع المحللون أن تكون خسارة "إتش أند إم" أكثر بأربعة أضعاف من خسارة "إنديتكس" في الربع المالي الأخير من 2020.
إدماج التكنولوجيا بشكل كامل
عندما أطلقت "إنديتكس" أعمالها التجارية عبر الإنترنت في مجال الملابس في عام 2010، عوضت عن دخولها المتأخر من خلال تسخير التكنولوجيا بشكل فعّال بكلّ عملياتها. فقبل عامين من ذلك أدخلت الشركة ما يسمى بتقنية "RFID" أو "تحديد الهوية بموجات الراديو" في عملياتها، عن طريق إدخالها في بطاقات الشعار الموجودة على كل منتج، لتصبح هذه البطاقات موصولة وتبثّ بشكل مباشر إلى قارئ بيانات، ما يتيح تتبع أيّ سلعة بمجرد دخولها إلى المستودع، ولا تُعطَّل إلا عند بيع المنتج، وهو ما وفر لـ"إنديتكس" تحكمًا دقيقًا وآنيًّا في مخزونها.
بابلو إيسلا، الرئيس التنفيذي لشركة "إنديتكس"، قال خلال حوار صحفيّ أجراه في فبراير: "كان من المهمّ اعتبارًا من يوم الإطلاق أن يكون الإنترنت مترابطًا مع الشركة ومتكاملًا تمامًا مع بقية الأعمال. لقد تكيّفنا جيدًا مع عالم الإنترنت لأنه كان طبيعيًّا تمامًا، لكن ذلك لم يكن ممكنًا دون تقنية تحديد الهوية بموجات الراديو (RFID)، ولم تكن الـ(RFID) ممكنة دون التفكير بأجهزة التنبيه وتطبيقها".
معرفة ما يوجد في المخزون بشكل محدد ودقيق يُعَدّ أمرًا هامًّا بالنسبة إلى "إنديتكس"، إذ تتطلب عملياتها الإدارية شحن الجزء الأكبر من منتجاتها من المصانع إلى مراكز التوزيع في إسبانيا. بعد ذلك، وبناءً على طلبات مديري المتاجر في جميع أنحاء العالم، ترسل الشركة الملابس مرتين أسبوعيًّا إلى كل متجر. هذا يؤدي إلى تقليل كمية المخزون، ويمنع تراكمه الذي يمكن أن يتحول إلى عبء كبير على تجّار التجزئة إذا لم تُبَع البضائع لسبب ما، سواء كان ذلك السبب أحوالًا جوية غير متوقعة، أو مجموعة أزياء غير ناجحة، أو كما هي الحال اليوم في ظل الفيروس العالمي.
نظام ماليّ متماسك
عندما تعطَّل مخزون الشركة في المتاجر في فترة الإغلاق، اعتمدت "إنديتكس" على عمال متطوعين للذهاب وإحضار الملابس والمنتجات الأخرى من متاجرها. وساعد في تحقيق ذلك أنها لم تعطِ الموظفين إجازة غير مدفوعة في إسبانيا، وكان الحصول على البضائع الإضافية أمرًا هامًّا جدًّا لمبيعات الشركة، إذ قدّمت "إنديتكس" في شهر مارس زيادة كبيرة في الخصومات عبر شبكة الإنترنت، وهي خطوة نادرة للشركة أكّدت مدى ترابط وتناغم أعمالها التجارية في المتاجر وعبر الإنترنت.
في أثناء الوباء، برزت أهمية البيع عبر الإنترنت، كونه في معظم البلدان الأوروبية حيث تعمل "إنديتكس" سُمِح للتجارة الإلكترونية بمواصلة العمل، وذلك حتى مع إغلاق المحلات التجارية المؤقت. وقد حدث هذا في إسبانيا، أكبر أسواق "إنديتكس"، إذ أعلنت الحكومة إغلاقًا محليًّا في 14 مارس، مما تسبب في انخفاض مبيعات التجزئة بنسبة 14 في المئة في ذلك الشهر.
على الرغم من ذلك، لا تزال الشركة في حالة جيدة بفضل ميزانيتها القوية التي تضم 8 مليارات يورو (9.04 مليار دولار) من النقد وما يعادله، وأيضًا بفضل أعمالها التجارية المتكاملة عبر الإنترنت، ومخزونها المنخفض مقارنة بالمنافسين، وفقًا لما يقوله تشامبرلين، الذي يضيف: "(إنديتكس) لديها ميزانية عمومية قوية نسبيًّا، وهو ما يمنحها القدرة على الصمود في وجه العاصفة والاستمرار في الاستثمار على المدى الطويل والاعتناء بموظفيها ومورّديها بشكل جيّد للغاية".