إذا كُنّا قد تعلَّمنا شيئاً من عام 2020، فهو أنّ الحياة متقلِّبة، ومن خلال هذه الرؤية بدأتُ في التخلي عن بعض مبادئ التمويل الشخصيّ المتحفظة.
على سبيل المثال، بدأت أُعارِض هذا الصيف الحكمة المأثورة التي تقول: "الزَمْ مسارَك" بشأن خُطَط التقاعد، ووضعت يدي على حساب التقاعد الفردي الخاص بي للتخلص من بعض الأسهم، كما اشتريت منزلاً في خضمّ ما يمكن اعتباره بيئة محفوفة بالمخاطر، دون أن أشعر بأيٍّ ندم حتى الآن .
وعلى الرغم من ابتعادي مؤخراً عما يدعو إليه العديد من الخبراء الماليين؛ فقد نسيت طموحي في ترك إرث مالي، إذ يبدو أنَّ مبدأ ترك ميراث قيِّم أقل منطقية في الوقت الراهن.
تجربة خاصة في الميراث
أريد أن أعيش تجربتي الخاصة في التوريث من خلال إنفاق معظم -إن لم يكن كُلّ- أموالي على تجارب ذات مغزى، والاستثمار في الأشخاص والقضايا التي أؤمن بها، ويكون كل ذلك قبل أن أغادر الحياة.
وتنتشر هذه الفلسفة المالية بشكل متزايد لدى أصحاب الثروات الضخمة، مثل "لورين باول جوبز"، التي ورثت أكثر من 20 مليار دولار من زوجها الراحل "ستيف جوبز"، المؤسِّس المشارك لشركة "أبل".
فقد تعهدت "لورين" بالتخلي عن جميع أصول ممتلكاتها خلال سنوات حياتها، والإسهام في القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تحتاج إلى دعم مالي.
وقد سبقها في تعهد مماثل كلٌّ من "ستينغ وبيل غيتس ووارن بافيت " بألا يتركوا ميراثاً كبيراً لأبنائهم، فيما لو وُجِد.
لكن هذه الفكرة يجب أن تصبح أكثر انتشاراً، فبعد التحدُّث مع "بيل بيركنز" عن كتابه الجديد "مُت ورصيدك صفر، وتمتَّع بكل ما يمكنك من أموالك وحياتك"، شعرت بالصدمة عندما وجدت نفسي مقتنعة أنَّ إنفاق مزيد من المال في أثناء حياتك، يجعلها أكثر قناعة من تركك حساب تقاعُد.
وتحدَّث "بيركنز" معي قائلًا: "تنخفض قدرتنا بمرور الوقت على تحويل الدولارات إلى تجارب حياة إيجابية، مع كل سنة تمرُّ من حياتنا ".
المنفعة المثلى للمال
وقد أشار إلى أنَّ "المنفعة المثلى للمال"، بحسب وصفه، تتحدَّد في استخدامه للحصول على أكبر قدر ممكن من التجارب في سنوات حياتك. وهذا مهمٌّ، لأنَّ التجارب في الواقع هي التي ستقود إلى تحقيق الرضا والسعادة، وأنا مهتمٌّ أكثر بإنقاذ حياتك من اهتمامي بتوفير أموالك، بحسب قوله .
وبطبيعة الحال، فإنَّ التحدي في هذه المقاربة يكمن عدم الموت برصيد أقلّ من الصفر، وترك ديون مستحقة على شخص آخر.
ولن تمنحني هذه الفلسفة، أنا وزوجي، الإذن في الإنفاق ببذخٍ، بل ستدفعنا إلى ممارسة ضبط النفس ،وأخذِ المشورة عندما نقرر آلية التصرف بأموالنا، ونحن على قيد الحياة.
نعم ، هو النجاح بما فيه الكفاية، لأنَّنا مانزال محتاجين للادخار من أجل التقاعد، مع وضع احتياجاتنا الشخصية فقط في المقام الأول (واحتياجات أيّ من المعالين المتبقّين لدينا)، ونحن مُصِرُّون على أن نحدد هدفاً نقدياً، بدلاً من مجرد تكديس الأموال.
وقد أطلق "بيركنز"، الذي جمع ثروته أولاً من مجال التمويل، في كتابه مصطلح "رقم النجاة"، وهو المبلغ الذي تحتاج إليه لإعالة نفسك، فيما يتعلَّق بالصحّة والمسكن والطعام عندما لا يكون لديك أي دخل كبير.
رقم النجاة
يُعَدُّ "رقم النجاة"، أكثر من مجرَّد توصيةٍ بمدخرات التقاعد القياسية التي تحتاج من 8 إلى 10 أضعاف راتبك، أو العيش على 80 % من دخل ما قبل التقاعد.
وقد يكون هذا الرقم أقرب إلى نسبة 40 أو 50 %، فيما لو قلَّصتَ المبلغ مبكراً، أو كنت تعيش في مكان أكثر تكلفة.
لقد اشترينا منزلنا، على سبيل المثال، في مدينة نيو جيرسي، ونخطط للبقاء هنا مدة 15 عاماً تقريباً حتى ينتهي الأبناء من مرحلة الدراسة الثانوية، ولن يكون من المنطقي بعد ذلك الاحتفاظ بهذا المسكن، نظراً إلى ارتفاع الضرائب الهائل في المدينة، التي تموِّل المدارس العامة بشكل أساسيٍّ.
تحسين الإنفاق
بعد تحديد ما هو "كافٍ"، ينصح " بيركنز" بوضع خطة لتحديد النفقات والتجارب التي تُعدُ بالغة الأهمية لإشباع حاجتك، والأثر الذي تريد تركه في العالم.
وبالنسبة إلينا، فإنَّ خطَّتنا أن نخصص المال لدعم تعليم أبنائنا، وتوفير الرفاهية لهم ونفقات السفر، والعطاء المجتمعي.
أرغب أن تكون لدى عائلتي القدرة على قضاء شهر كامل في بلد أجنبي كل صيف ، قبل أن أجعل الموت برصيد فارغ هدفاً لي، و يبدو الآن أنَّ هذا الحلم، بات جديراً بالاهتمام لتحقيق التجربة الثرية التي أقدِّر قيمتها.
وبناءً على ما يحدث في مجال السفر في فترة ما بعد "كوفيد"، سيكون ذلك أكثر قابلية للتحقيق، لأنَّني لن أؤجله لمجرد تأمين زيادة قليلة في رصيد التقاعد.
وتبدو فكرة ترك أموال للمنظمات غير الربحية في وصيتنا ضارَّة بعض الشيء للقضايا التي نريد دعمها، فلماذا لا نعطي ذلك عاجلاً إن استطعنا؟
وتحقيقاً لهذه الغاية ، فقد قمت بتفعيل بعض دفعات من خطط العطاء الخاصة بي بشكل آلي على غرار الطريقة التي نُسِهم بها في التقاعد.
إعادة التفكير في التقاعد
يضع أحد الكتب الأُولى حول هذا المفهوم، بعنوان "مُت مفلساً" (Die Broke) "لستيفن بولان ومارك ليفين " من عام 998، خطةً من أربعة بنود ٍ لضمان الاستفادة من كل دولار أثناء الحياة.
وتتمثَّل الخطوة الثالثة في "عدم التقاعد"، وكان اقتراحاً جذرياً في ذلك الوقت، مع أنَّه بات مألوفاً بشكل أكبر هذه الأيام .
وتعدُّ هذه الفكرة مهمّة، خصوصاً لأولئك (من خارج طبقة فائقي الثراء) الذين يريدون الموت دون ترك أي دَيْن عليهم، والاكتفاء بما يؤمِّن لهم العيش في سنواتهم القادمة .
وأنا أفكر في الحصول على الرخصة الخاصة بالوكلاء العقاريين في الخمسينيات من عمري فعلياً، من أجل توليد بعض الدخل الإضافي، ودعم احتياجاتنا في فترة التقاعد.
ضع خطة للأبناء
لا يعني عدم ترك ميراث لأبنائك، أنَّك لا تهتمّ بهم، لكنَّه يعني أنَّك تغدق ثروتك عليهم، وهُم صغار في المقابل .
وقد تساعدهم هذه الأموال، وهم يعملون لبدء عمل تجاريّ أو بناء عائلة أو للاستثمار في مشروع ما، ولعل أفضل جزء يكمن في إمكانية أن تشاهد ذلك في حياتك.
ويضيف بيركنز: "إذا كنَّا نحاول إحداث أقصى تأثير في حياة أبنائنا، فنحن نريد أساساً أن نتعمَّد منحهم المال ضمن إطار زمنيٍّ معيَّن، وليس عندما يكونون في الستينيات من العمر، وتكون صحتهم قد تراجعت".
هل نجازف بإفسادهم؟ لايكون ذلك عندما نشرح لهم خطتنا، وإذا فهموا أنَّ الأموال التي يتلقونها على دفعات مخصصة لمساعدتهم في بناء حياة قوية، وذات مغزى لأنفسهم ولأبنائهم.
نحن فعلاً على دراية كاملة بضريبة الهبات (تفرض الولايات المتحدة الأمريكية ضرائب على تحويل الأموال أو الممتلكات إلى شخص آخر بما يزيد على 15000 دولار في السنة).
لذا عندما يكون أبناؤنا صغاراً، فإنَّنا نساعدهم على الاستثمار، ونوفِّر عليهم بعض تلك الضرائب، بداية من خطة الادخار الجامعية 529 إلى حساب الادخار التقاعدي للأبناء القصَّر. وهناك التأمين على الحياة أيضاً، الذي يُعدُّ جزءاً لا يتجزأ من رعاية أبنائنا في حالة وفاة أحدنا في وقت أقرب مما كان متوقَّعاً.
لست متأكِّدة ماستحمله أيام الشيخوخة لنا، لكنَّني على ثقة أنَّ هذا الإطار المالي يمثِّل بديلاً سيمكِّننا من تحقيق الاستفادة القصوى من سنوات حياتنا. و بعد . ماذا عن الأبناء؟ سيكونون بخير.