بلومبرغ
لطالما كان لدى اليخوت الفاخرة - الرمز المطلق للإفراط - نفحة دنيئة وسط كل هذه الروعة.
في نسخة هذا العام من "معرض دبي العالمي للقوارب"، كان يأتي ذكر كلمات أخرى تبدأ بحرف (S)– ألا وهي عقوبات (Sanctions) ومصادرات (Seizures).
في الأوقات العادية، يكون معرض اليخوت هذا، الذي يُقام في مرسى جديد كلياً، مثله مثل جميع المعارض الأخرى: يتم عرض معروضات مذهلة وباذخة لاجتذاب عالم متزايد من المشترين المحتملين، ولإثارة إعجاب المتفرجين العاديين.
لكن دفعت الحرب في أوكرانيا، والعقوبات ضد البعض من أفرد النخبة الثرية الروسية، باليخوت الفاخرة إلى صدارة الوعي العام كما لم يحدث من قبل.
ما يزال المعرض هذا الأسبوع مليئاً بالقوارب البعيدة عن متناول 99.99% من الناس، على الرغم من أنه لا يوجد شيء يمكن مقارنته بيخت "ديلبار" (Dilbar)، ذاك اليخت الفاخر المملوك من قبل أليشر عثمانوف، وهو أكبر يخت تم بناؤه على الإطلاق من حيث الحجم، العالق حالياً في ألمانيا بسبب عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على الملياردير الروسي. بالإضافة إلى السفن الأخرى العالقة في فرنسا وإيطاليا. والتي كانت إحداها على وشك الغرق قبالة سواحل إسبانيا.
إنها دراما أكثر مما كان يمكن أن يتخيله منظمو معرض القوارب في الإمارة الخليجية أثناء تخطيطهم للمعرض، الذي عاد بعد توقفه لعامين بسبب الوباء.
ما يزال مكان المعرض مفعماً بالحياة. بعد ظهر يوم الخميس، تجول العارضون، ومندوبو المبيعات، والعائلات التي ترتدي ملابس أنيقة مع الأطفال في درجات حرارة تصل إلى 32 درجة مئوية. كان النوادل يطوفون وفي أيديهم صواني من عصير البطيخ، وكان قسم كبار الشخصيات الذي أقامه منتجع "نيكاي بيتش" ممتلئاً. إنه جو صاخب يليق بحدث بارز لهذه الصناعة، ويأتي في أعقاب عام من المبيعات القياسية.
الوضع
رغم كل ذلك، كان موضوع الحرب وتداعياتها منتشراً في الأجواء. رجعت كل محادثة مع المتخصصين في الصناعة إلى مصطلح يبدو محايداً لغزو روسيا لأوكرانيا المجاورة: "الوضع".
يقول راينر بيهني، رئيس مجلس إدارة شركة "بيهني مار" (BehneMar)، سمسار ومستشار اليخوت: "الكل يتحدث عن ذلك".
تشعر شركات بناء اليخوت، المبتهجة بالارتفاع الهائل في المبيعات خلال الوباء، بجرعة صادمة من الخوف من تداعيات العقوبات والتدقيق العام غير المسبوق.
وما زاد القلق، هو إضافة "فريق العمل المعني بالإجراءات المالية"، حيث إنه في وقت سابق من هذا الشهر ضُمَّت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى "القائمة الرمادية" للبلدان التي يُنظر إليها على أنها تعاني من أوجه قصور في التعامل مع التمويل غير المشروع.
يقول بهني: "إذا أراد شخص ما شراء يخت، فهذا صعب .. البنوك ترتجف بجنون".
يشكل الروس أكبر نسبة من مالكي اليخوت الفاخرة الحاليين، بعد المواطنين الأمريكيين، وتقريباً يعادلون الأمريكيين في عدد القوارب الجديدة التي تم طلبها خلال العقد الماضي، وفقاً لتقرير عام 2021 من "سوبر يخت تايمز" (SuperYacht Times). العديد من اليخوت كبيرة وتفاخرية - وبالتالي كثيفة العمالة - وهي نعمة إضافية للبناة والمصممين.
تجاهل العديد من ممثلي الصناعة تأثير العقوبات، مستشهدين بثقافة السرية الشديدة التي تحجب معرفة معظم العمال بهويات عملائهم. ولهذا السبب، رفض معظمهم التحدث رسمياً.
تصريحات سياسية
يقول فاروق نفزي، كبير مسؤولي التسويق في شركة بناء اليخوت الهولندية "فيدشب" (Feadship): "من الصعب جداً على شركة ما الإدلاء بتصريحات سياسية حول هذا الموضوع". ويضيف أنه من بين 490 قارباً صنعتها الشركة منذ عام 1949، كانت ثمانية فقط مخصصة للعملاء الروس، وتراقب الشركة بشكل متكرر قوائم العقوبات في أوروبا والولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، لا يوجد نقص في التدقيق في حركة ذهاب وإياب اليخوت الفاخرة، خاصة تلك التابعة لأغنى أغنياء روسيا وأولئك الذين يعتبرون مقربين من فلاديمير بوتين. إذ أن المؤسسات الإخبارية تتبعت كل تحركاتها. الأمر ذاته ينطبق على المراهق في فلوريدا الذي اشتهر بتتبع طائرة إيلون ماسك الخاصة.
تشير بيانات الأقمار الصناعية التي تم جمعها خلال الأسبوعين الماضيين إلى نهج اتبعته القوارب المملوكة للروس، بانسحابها من المياه الأوروبية إلى أراضي خارج الاتحاد الأوروبي.
يخوت أثرياء روسيا تتجه لجزر المالديف وسيشل بعد فرض العقوبات
رست بعض اليخوت الروسية في دبي، بما في ذلك يخت "أ" (A)، وهو قارب شراعي بطول 143 متراً يملكه قطب الأسمدة أندريه ميلينشينكو، و"مدام غو"، وهي سفينة صناعتها هولندية لونها أزرق وأبيض تنتمي إلى عائلة المستثمر وعضو "مجلس الدوما"، أندري سكوتش.
يذكر أنه ليس هناك دليل يربط بين هذه التحركات والحرب.
تشكل العقوبات مأزقاً للصناعة، التي يتعين عليها تجاوز أزمة لم يسبق لها مثيل تؤثر على صورتها.
أسئلة لوجستية
ثم هناك اللوجستيات.
إن اليخوت الفاخرة كبيرة جداً لدرجة أن حوض بناء السفن لا يمكنه التعامل إلا مع عدد قليل من المشاريع في وقت واحد. يقول سام تاكر، رئيس قسم اليخوت الفاخرة في شركة البيانات البحرية "فيسلز فاليو" (VesselsValue)، إنه من المرجح للغاية أن تكون العديد من السفن قيد البناء بحسب الطلب مملوكة لأشخاص من روسيا. تمنع العقوبات شركات بناء السفن تلقي مدفوعات من الأفراد أو الشركات الخاضعة للعقوبات، كما أن الهياكل المكتملة جزئياً، والتي يصعب نقلها، تأخذ مساحة ثمينة يمكن فيها بناء سفن للعملاء الذين يمكنهم الدفع.
قال أشخاص في معرض دبي إن المنافسة على المساحة شرسة للغاية، لدرجة أن عروض اليخوت الفاخرة غير المكتملة للروس الخاضعين للعقوبات قد بدأت بالفعل في التدفق. تتطلب المشاريع العديد من الموردين، وتستغرق سنوات عديدة، ومع استمرار عدم اليقين تجاه نتيجة الحرب، يتنافس المشترون الأثرياء على تولي العقود جزئياً.
قد يسبب نقل العقود مشاكل في المستقبل إذا تم رفع العقوبات فجأة. لكن ذلك افتراض آخر في مستقبل ضبابي بالفعل.
يقول توماس ويرينغا، مدير التسويق لشركة بناء السفن "دامين ياختنغ" (Damen Yachting)، "من يدري" في إشارة منه إلى التأثير على أحواض بناء السفن، "كنا في ميامي قبل ثلاثة أسابيع - لم يكن أحد يتوقع أي شيء".