كيف احتفظ "صراع العروش" بسريّة أحداثه في هذا الزمن؟

time reading iconدقائق القراءة - 6
مزيد من التفاصيل، رجاءً! - المصدر: بلومبرغ
مزيد من التفاصيل، رجاءً! - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

أثناء مشاهدتي الحلقة الأولى من الموسم الأخير لمسلسل "صراع العروش" (Game of Thrones)، يوم الأحد 14 أبريل 2019، تساءلت عن الأحداث القادمة، وخطرت لي فكرة: لماذا لا نعرف الأحداث القادمة مسبقًا؟ طرحت على نفسي هذا السؤال سابقًا، وما زلت أعتقد أنني لا أملك إجابة جيدة.

نعيش في عالم يستطيع فيه المحققون الصحفيون استخراج أسرار "وكالة الاستخبارات الأمريكية" (Central Intelligence Agency) وتسريب تقرير المحقق الخاص في الحملة الانتخابية للرئيس "دونالد ترمب" (Donald Trump)، وهي جهات يمكنها ملاحقة المسؤولين عن التسريب قضائيًّا.

أتفهّم أن غضب هوليوود قد لا يُحمد عقباه، لكنني أعتقد أن اتفاقيات عدم المنافسة لا يمكنها إخفاء الأسرار، إذا ما عزم الصحفيون على كشفها، وفي ظلّ الحماس الذي يبديه الناس من جميع العالم تجاه آخر مسلسل تلفزيوني قد يشاهدونه معًا في الوقت نفسه (1)، من الصعب أن نصدّق ألا يحظى مقال لـ"نيويورك تايمز" (New York Times) بعدد هائل من المشاهدات، إذا قدم المقال مقابلات أجرتها الصحيفة مع مصادر مجهولة في مناصب تتيح لها إطلاعنا على جميع الأحداث غير المتوقعة قبل حدوثها.

لماذا الفشل في تسريب الأحداث

لطالما اعتقدت أن هذا الفشل الجليّ للمؤسسات الصحفية ناجم عن اتفاق ضمني، فالجمهور لا يرغب في معرفة الإجابات مسبقًا، إن صح التعبير، وقد نشعر بالغضب تجاه أي شخص يفصح عنها؛ لكن بعد التفكير مليًا في هذا الأمر، لم أعد متأكدًا من صحة وجهة النظر هذه.

كلنا نعرف أشخاصًا يتابعون "صراع العروش" بشغف كبير؛ فإذا لم يتمكنّوا من مشاهدة حلقة جديدة منه يوم الأحد، سيتفادون وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن يدركوا ما فاتهم، حتى لا يُفسد عليهم الآخرون أحداث المسلسل. لكن المفارقة تكمن في أن هؤلاء أنفسهم يسارعون إلى متابعة المواقع التي تحاول التنبؤ بمن سيموت في الحلقات المقبلة. وفي المواسم التي لا يُعرض فيها المسلسل، ينجذب كثيرون إلى المواقع التي تَدّعي حيازتها معلومات سرية من كواليسه.

تنتشر الادّعاءات بامتلاك معلومات سرية في كل مكان، فإذا تسرّبت بعض الصور من موقع تصوير الفيلم، تأكد أنها ستخضع للدراسة، وكأنها تحمل سر الحياة الأبدية؛ فقد أثار إعلان إقامة تجارب أداء لبعض الأطفال موجة من التوقّعات حول المسلسل؛ وعند ظهور أحد الممثلين علنًا تعرّضت تسريحة شعره إلى التمحيص الدقيق، بحثًا عن أدلة تتعلق بالأحداث القادمة؛ بالنسبة للمتابعين الشغوفين، وقد يحمل مجرد نزول ممثل ما في فندق ما معاني كثيرة.

بناء على ذلك، هل سيشعر المتابعون بغضب حقيقي تجاه محرري إحدى الوسائل الإعلامية، الذين قد ينشرون مقتطفات من نصوص باقي حلقات الموسم الثامن؟.. لا أعتقد ذلك. بل أعتقد أنهم سيقرأون المقتطفات كلمةً كلمة، فهذا بالضبط ما يريدونه.

بلا شك، ليس هناك أي سبب معين يدفعنا للاعتقاد أن الشائعات التي تدور حول "صراع العروش" قد تكون صحيحة، فبعد العرض الأول ليلة الأحد، تبيّن أن المنشور ذائع الصيت على موقع "ريديت" (Reddit) الذي نُشرت فيه تفاصيل كل حلقة من حلقات الموسم الثامن مليء بالأخطاء.

وهذا تمامًا ما أقصده. فليس غريبًا أن تكون عملية انتقال الشائعات مليئة بالأخطاء، فماذا نتوقع غير ذلك؟ فالأشخاص الذين يمررون تسريبات من "صراع العروش"، والتي يعتقد البعض أنها قد تكون خاطئة بشكل متعمّد بهدف التضليل، ليسوا صحفيين محترفين، ولا يملكون أي خبرة في كسب ثقة مصدر معلوماتهم، أو في تحديد الأجزاء الموثوقة من المعلومات التي يفصح عنها المصدر. (2)

وبهذا نرجع إلى السؤال الرئيسي، في ظلّ اهتمام المعجبين الكبير بالأحداث القادمة: لماذا لا يُعيّن المحررون بضعة صحفيين يعملون معهم لتقصي هذه الأحداث؟

3 نظريات توصلت إليها في هذا الصدد.

النظرية الأولى (الأكثر تعقيدًا)، تستند إلى طبيعة تداخل الملكيات في وسائل الإعلام المختلفة، إذ من النادر أن تجد شركة ليس لها نصيب في إنتاج المحتوى وإنتاج الأخبار عن المحتوى أيضًا فإذا بدأت الشركات بنقل الحبكات السرية لأشهر برامج الشركات الأخرى، فهي تخاطر بدفع نفسها والشركة الأخرى إلى حافة الهاوية (فالشركة الأخرى سترد بالمثل فيحظى كل منهما بمشاهدات وتقييمات أقل).

وتكمن مشكلة هذه النظرية في أن الشركات الإعلامية دائمًا ما تنقل أخبارًا سيئة عن نظرائها، وفي بعض الأحيان، تنقل أخباراً سيئة عن نفسها.

النظرية الثانية (الأقل تعقيدًا)، تقوم على أساس أنّ هذه الفكرة لم تخطر للمحررين أبدًا، فما من محرر- يحترم نفسه- قد يقوم بتعيين فريق تحقيق لتقصي الأحداث القادمة لبرنامج تلفزيوني، لأن أخبار عالم الترفيه لا تُعد أخباراً "حقيقية".

لكن هذا لا يعني أن جميع الناس يتابعون الأخبار بحثًا عن الحقيقة، كما في عهد مذيع الأخبار "والتر كرونكايت" (Walter Cronkite)، الذي حاز ثقة الأمريكيين، إذ يتابع كثير من الناس الأخبار خصيصًا للترفيه عن أنفسهم (نعم، أعرف أنها معلومة قديمة). وكما قلت آنفًا، فإن الأخبار الجدية ذات المصادر الجيدة، والتي تحتوي على معلومات قد تفسد البرنامج على المتابعين، قد تحظى بعدد هائلٍ من المشاهدات.

النظرية الثالثة (الأكثر بساطة)، هي أنّ جميع الصحفيين والمحررين هم من معجبي "صراع العروش"، ما يعني أنّهم لن يختلسوا النظر إلى ما لم يُكشف عنه بعد، حتى لا يفسدوا المفاجآت على أنفسهم وعلى أصدقائهم.

أجد النظرية الثالثة مغرية، ربما لدوافع أنانية؛ فهي تلقي نظرة إيجابيّة على الذين يتخذون من الكتابة مهنة لهم، فالكتّاب عامة، والصحفيون خاصة، يتعرضون لانتقادات لاذعة، قد تكون مبررة أحيانًا. إذًا، يبدو أنّ الدفاع عن مفهوم مبهم، مثل حرية الصحافة، يصبح أكثر سهولة إذا ما اكتشفنا أن الصحفيين والمحررين هم كغيرهم من الناس.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان
الآراء الأكثر قراءة