بلومبرغ
تشهد مدينة لندن –التي كانت متزمتة ذات يوم– تغييراً يرسم ملامح العصر. فالمصرفيون الذين يعودون إلى مكاتبهم يتركون بدلاتهم في المنزل، ويعلنون نهاية زمن المحرَّمات التي تعود لعقود ضد الأحذية البنية.
وقد تكون شوارع المدينة مزدحمة بشكل متزايد –إذ تصل مبيعات الشطائر في لندن إلى 88% من مستويات ما قبل كوفيد– إلا أنَّ المزيد من العمال العائدين لا يظهرون كما كانوا في مارس 2020. بل أصبحوا في حال أفضل الآن بسبب الأريحية التي تمنحهم إياها الاجتماعات عبر الإنترنت ومكالمات الفيديو، حيث يظهرون بمظهر أنيق غير رسمي، ويتبنون أسلوب "اللباس اليومي".
كانت المرونة تتسلل بالفعل إلى قواعد اللباس الخاصة بالمدينة قبل أن تنتشر جائحة كوفيد-19. إلا أنَّ الأدلة تشير إلى أنَّ المصرفيين الذكور لديهم الآن العديد من الخيارات الراقية أكثر من مجرد إنفاق ما يزيد عن 2,500 جنيه إسترليني (3,400 دولار) على بدلة واحدة مفصَّلة حسب الطلب.
في السابق، اشترطت البنوك الكبرى أن يرتدي الموظفون بدلة لجميع الأنشطة التجارية. وفي بعض الحالات، كانت القمصان الزرقاء أو البيضاء هي المقبولة فقط، وفقاً للخياطين. وكانت الأحذية البنية زلّة اجتماعية ومهنية ظاهرة للعيان.
وفي حين تقول البنوك، إنَّها لم تقم بإجراء تغييرات رسمية على قواعد اللباس لديها، إلا أنَّ قواعد اللباس المتطورة وغير المكتوبة تسمح الآن بارتداء سراويل الـ"تشينو" غير الرسمية في المكتب، والسترات عند الغداء، وبدلة من قطعتين أنيقتين للاجتماعات مع العملاء. أما النساء، فلم يعدن مضطرات لحشر أرجلهن في أحذية عالية الكعب غير مريحة في محاولة لإظهار جو من الاحتراف والقوة.
في رسالة عبر البريد الالكتروني، قال غاي فوستر، كبير الاستراتيجيين في شركة "بروين دولفين" (Brewin Dolphin): "ما زلتُ أرتدي ربطات العنق من وقت لآخر، إلا أنَّني أعتقد أنَّها أصبحت نادرة للغاية، وأحياناً أكون رسمياً من الخصر إلى أعلى، وأنيقاً بشكل غير رسمي من الخصر إلى الأسفل، إذا كان يومي مليئاً بالاجتماعات الافتراضية".
يضيف فوستر: "لديَّ عدد قليل من البدلات الأنيقة غير الرسمية، إذ تتناسب السترة بشكل جيد مع سراويل "التشينو" المتوافقة معها. كما يبدو أيضاً أنَّه من المقبول تماماً ارتداء أحذية بنية اللون في المدينة الآن، والتي من الواضح أنَّها كانت محظورة عندما بدأتُ العمل".
وفي الواقع، سارع الخياطون إلى تقديم المساعدة للعمال المرتبكين. فقد شهد متجر "ماكان بيسبوك" (McCann Bespoke)، الذي يتخذ من المدينة مقراً له، أفضل شهر تجاري له على الإطلاق في أكتوبر، مدفوعاً جزئياً بـ"حزمة العودة إلى العمل"، وذلك بالإضافة إلى سترتين، وزوجين من الجينز، وسروالين من التيشنو، وثلاثة قمصان، وبدلة واحدة. وماذا عن الكلفة؟ سعر رائع يبلغ 3,250 جنيهاً للخيار المفصل، و2,000 جنيه للخيار الأكثر تواضعاً من الملابس الجاهزة.
من جانبه، قال أليكس كاتسيف، مدير المبيعات والخياط في شركة "ماكان": "نحن ندرك تماماً أنَّ قواعد اللباس قد تغيرت بين عشية وضحاها تقريباً. واليوم، أصبحت ملابس العمل أكثر عصرية ومثيرة قليلاً".
يُشار إلى أنَّ هذا الاتجاه يقود إلى النمو لدى تجار التجزئة عبر الإنترنت، مثل "ثرد" (Thread)، و"ستيتش فيكس" (Stitch Fix)، إذ يزاوجان بين التصفح التقليدي، والاقتراحات التي تعتمد على الخوارزميات. فقد قال تيري بيتس، رئيس تطوير الأعمال في شركة "ثرد"، إنَّ ملابس المكتب اعتادت أن تكون "بدلة الرجل المدرعة، وهو شيء لم يكن عليك التفكير فيه حقاً. وبمجرد إعادة رسم هذه القواعد، فقد احتاج الكثير من الرجال إلى القليل من الدعم".
كما تقول شركة "ثرد"، إنَّها شهدت نمواً في الإيرادات بأرقام من ثلاث خانات في العام الماضي، مع زيادة المبيعات بأكثر من الضعف على السترات، وسراويل التشينو، والسراويل الرسمية المنفصلة، والأحذية البنية. في الوقت نفسه، أبلغت الشركة عن "انخفاضات كبيرة" في مبيعات البدلات، وربطات العنق، وأحذية أكسفورد. كذلك أبلغت شركة "ماركس آند سبنسر" (Marks and Spencer Plc) البريطانية مؤخراً عن نمو مبيعات البدلات، ولكن بشكل ملحوظ من خلال مبيعات أقوى من السراويل.
خيارات وول ستريت
وفي حين أنَّ الرجال لديهم بالفعل خيار السترة والقميص، تقول كاتي إيستوود، "سفيرة أسلوب" المملكة المتحدة في شركة "ستيتش فيكس"، إنَّ النساء يواجهن الآن مجموعة محيرة من خيارات الملابس. "يُعدّ هذا التحول أكبر بالنسبة للنساء، إذ إنَّ الانتقال من البدلات "التقليدية" يعني بالنسبة للنساء الانفتاح على الكثير من الخيارات، وإعادة تعريف معنى "الأناقة" بالنسبة لهن".
كما أنَّ هناك جانباً جاداً في الجدل حول قواعد اللباس. إذ تقول المستثمرة الأمريكية ناتالي مولينا نينو، التي تعمل على إطلاق شركة خدمات مالية جديدة، إنَّ "وول ستريت" ستدفع الثمن إذا حاولت الإصرار على اللباس الرسمي.
علاوةً على ذلك، قالت مولينا نينو، وهي تتحدث من متجر لبيع البيغل في نيويورك، وترتدي الجينز وقميصاً منقوشاً قبل اجتماع مهم: "سواء كانوا مستعدين أم لا، فأنا أوظف عنهم، لذا فهم إما سيُدركون المسألة، أو سيحزنون على عدد الأشخاص الذين أستقطبهم من بين صفوفهم. وحتى الملابس الأنيقة غير الرسمية في الأعمال تبدو مبالغة أيضاً".
تضيف نينو: "عندما ترى المسافة التي قطعها الناس لتصميم حياة أكثر انسجاماً مع سعادة أسرهم وصحتهم العقلية الشخصية؛ فإنَّ إخبارهم أنَّ هناك قواعد لباس تحكمهم، يبدو كما لو أنَّك ترمي بقنبلة يدوية عليهم".
ومع ذلك، لا ينوي بعض المصرفيين تغيير أساليبهم، فقد قال نيك دارانت، الرئيس المشارك للدخل الثابت لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في "سيتي غروب" (Citigroup Inc): "لقد ارتديت بدلة وربطة عنق كل يوم على مدار العشرين عاماً الماضية، كما أُخصص أفضل ربطات العنق ليوم الجمعة"، مشدداً على أنَّ ما ترتديه هو اختيار شخصي إلى حدٍّ كبير.
يضيف دارانت: "نحن نعمل في دور سندات مرموقة غارقة في التقاليد والتاريخ. وأنا أؤيد التغيير التدريجي، ولكن يجب على المرء أن يكون حريصاً على عدم رمي شيء ذي قيمة إلى جانب الأشياء الأخرى غير المرغوب فيها".
علاوةً على ذلك؛ فإنَّ تقلبات الموضة ودوراتها تعني أنَّ المظهر الرسمي من المرجح أن يعود إلى الصدارة في مرحلة ما، ربما يكون مدفوعاً بالموضة بدلاً من الإملاءات الإدارية. مع ذلك، يأسف آخر تاجر أقمشة مستقل في لندن على التراجع الحالي في ارتداء البدلة باعتباره ضحية للتقدم.
معزولاً بين قماش التويد والبياضات والأقمشة في مخزنه في سبيتالفيلدز؛ يشعر مارتن وايت بالأسف للدفع نحو خياطة الملابس غير الرسمية. ويقول: "تأتي السيدات إليَّ طوال الوقت، ويخبرنني أنَّني أرتدي الملابس الرائعة، ويتمنين أن يتألق رجالهن بالطريقة نفسها. لكن لم يعد الناس يُدركون كيفية ارتداء الملابس بعد الآن".