قهوتك اليومية لن تعرض مستقبلك التقاعدي للخطر

time reading iconدقائق القراءة - 5
لن يفسد كوب فاخر استمتاعك بسنوات ما بعد التقاعد. - المصدر: بلومبرغ
لن يفسد كوب فاخر استمتاعك بسنوات ما بعد التقاعد. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

إذا كنت كملايين الأمريكيين الذين ينفقون بضعة دولارات على مشروبات، مثل قهوة اللاتيه والكابتشينو وغيرهما من أنواع القهوة الفاخرة، فهل يعتبر ذلك نوعا من انعدام المسؤولية المالية، التي قد تعرّض مستقبلك التقاعدي للخطر؟

الإجابة هي: على الأرجح لا، مع بعض التحفظ، إلا أن "سوزي أورمان" (Suze Orman)، المستشارة المالية الشخصية، ربما تختلف مع هذا الرأي، إذ أنها حذرت المستثمرين، في مارس 2019 من احتمالية أن يتسبب ذلك بالإفلاس في سن التقاعد.

إليكم السبب في تحفظي على هذا الأمر: يحتاج الجميع إلى توفير المال من أجل التقاعد، لأن الاعتماد على "الضمان الاجتماعي" (Social Security)، في سنوات ما بعد التقاعد، يمكن أن يسبب خيبة أمل كبيرة.

نعم.. إذا كان إنفاقك 5 دولارات في اليوم على كوب قهوة هو الذي يحدد مصيرك بين الأمن المالي والفقر، فمن المؤكد أن لديك مشكلات أكبر عليك التصدي لها، ولن يساعد التوقف عن تناول كوب القهوة اليومي، أو التوست بالأفوكادو، في حل المشكلة.

لذا استمتع بالأمور الصغيرة (فالأمور الكبيرة أمر مختلف)، ولنلقِ نظرة على بعض النقاط التي تحدثت عنها "أورمان":

1. قوة الفائدة المركبة:

لنفترض أنك تستهلك عادةً 5 أكواب قهوة أسبوعيًا، ما يساوي نحو 100 دولار شهريًا. وافترض الآن أنك بدلًا من إنفاق هذا المبلغ اخترت أن توفره على مدى 40 عامًا، وأنك ربحت منه عائدًا سوقيًا بنسبة 8 بالمئة. وفقًا لحاسبة الفائدة المركبة في "هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية" (Securities and Exchange Commission)، سيجعلك ذلك توفر نحو 350 ألف دولار.

(كان الجدال بيني وبين "أورمان" قائمًا على افتراضها أن الشخص الذي يوفر ثمن القهوة يوميًا سيكسب عائدًا سنويًا بنسبة 12 بالمئة لمدة 40 عامًا، ما يعني أنه سيوفر أكثر من مليون دولار، وهذا ليس ممكنًا).

2. تعديل القيمة وفقًا للتضخم:

لاحظ أن مبلغ 350 ألف هو مجرد مبلغ رمزي، وليس معدلًا وفقًا للتضخم، ولو افترضنا أن معدل التضخم لن يتعدى 2.5 بالمئة بحلول عام 2059، سيكون المبلغ الذي جرى توفيره للمستقبل أقل بكثير، ليبلغ 131 ألف دولار بعملة اليوم تحديدًا، ومع أن ذلك ليس مبلغًا كبيرًا، فهو أفضل من لا شيء.

إليك الأمر من منظور آخر: كان متوسط سعر المنزل قبل 40 عامًا يساوي 62 ألف دولار (بينما يساوي اليوم 317 ألفا و400 دولار)، في حين كان متوسط الدخل أقل من 20 ألف دولار مقابل 61 ألفا و372 دولارا اليوم.

3. لنزيل الالتباس حول هذه الأرقام:

لا بد أن توضع الأرقام في سياقها الصحيح، فالمبلغ التقديري الناتج عن التقليل من شراء القهوة لا يمكن أن يؤخذ به بمعزل عن إيرادات الفرد أو استثماراته.

خلال الـ40 سنة القادمة، ستوفر أي حافظة استثمارية متوسطة الحجم لها قيمة مالية متزايدة ومساهمات منتظمة ملايين الدولارات، فماذا عن إيرادات الفرد؟ لنفترض أنك تكسب متوسط دخل يبلغ 61 ألفا و372 دولارا- دون أن تحصل على علاوة طيلة 40 عامًا- فسيكون المجموع 2.45 مليون دولار. أما إذا حصلت على علاوة بمعدل 3 بالمئة سنويًا، فيصبح المبلغ النهائي 4.63 مليون دولار، وإن تلقيت علاوة سنويًا بمعدل 5 بالمئة سنويًا، فإن إجمالي الأرباح التراكمية سيكون 7.5 مليون دولار.

4. التكاليف الكبيرة والثابتة هي المشكلة:

لا شك في أن الأمريكيين لا يوفرون أموالهم بما فيه الكفاية، وأننا نشهد أزمة تهدد عددًا كبيرًا من الناس بعد تقاعدهم، ولا يزال على رؤسائنا المتعاقبين أن يبتكروا حلولًا جيدة لهذه المشكلة الوشيكة.

إليكم أمرًا آخر أغفله رؤساؤنا: لم تتغير أجور العاملين كثيرًا طيلة 3 عقود، كما أن الحراك الاقتصادي (قدرة الفرد أو العائلة أو أي مجموعة أخرى على تحسين أو خفض وضعها الاقتصادي) يتراجع، وتكاليف الرعاية الصحية تستمر في الارتفاع بشكل أسرع من الأجور، عدا عن أن الرسوم الجامعية باهظة للغاية، إذ تتجاوز ديون الطلاب 1.5 تريليون دولار، وما زالت تكاليف السلع الأساسية التي نحتاج إليها مستمرةً في الارتفاع، وتكاليف السلع غير الضرورية التي نرغب بامتلاكها آخذةً في الانخفاض.

وتكمن المشكلة في التكاليف الثابتة لأمور مثل السكن والرعاية الصحية في أنها حقًا ثابتة، ومن الصعب جدًا، أو من المستحيل أحيانًا، تخفيضها، وجميع الاحتياجات الأساسية، من السكن إلى الرعاية الصحية والتعليم، باهظة الثمن، على الرغم من أنها ضرورية، في حين أن القهوة، حتى الجيدة منها، ليست مُكلفة.

لذلك لن يشكل التوقف عن شراء القهوة يوميًا فرقًا كبيرًا، فهناك أمور أهم بكثير، كالدخل والدَين والحراك الاقتصادي والتضخم، التحكم بها خارج عن إرادتنا للأسف.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان