بلومبرغ
مع بدء انخفاض درجات الحرارة في مدن أمريكا الشمالية، بدأت المطاعم بالتجهيز لتدليل روادها، وكانت البداية من أجهزة التدفئة (التي تشبه شكل الفطر) التي توضع بين الطاولات الخارجية. ثم ظهرت بعدها الخيم المنبثقة من العدم، التي كان تصميمها بسيطاً في البداية، ثمَّ بدأت تستخدم فواصل مصنوعة من بلاستيك (PVC)، لتحمي رواد المطاعم من الرياح التي قد تزعج جلساتهم. وتأتي كل هذه التقنيات بمثابة كماليات لازمة للمطاعم لحسن الضيافة الشتوية. إلا أنَّ العديد من هذه الإضافات تطوَّرت لتكتسب وجوداً دائماً.
وتقدَّم تصميم الهيكل الهندسي لتناول الطعام في الهواء الطلق، والمصنوع من الخشب أو البلاستيك، كثيراً لدرجة أنَّّ رواد المطاعم قد لا ينتبهون أبداً إلى أنَّهم يجلسون في الخارج. ومع تزايد حالات فيروس كورونا، يشهد تناول الطعام في الهواء الطلق ارتفاعاً لا مثيل له. واستثمرت بعض المطاعم بإضافاتٍ محكمة في الهواء الطلق، من ضمنها الخيام الشتوية، أو تلك المصنوعة من الفقاعات، أو القبب المختلفة الأحجام.
لكنَّ الفكرة الكامنة وراء تناول الطعام في الهواء الطلق خلال زمن الجائحة، لا يقتصر غرضه على تقليل القدرة الاستيعابية الداخلية فقط. بل يهدف ذلك أيضاً إلى زيادة تدفق الهواء بين الزبائن، وكبح انتقال الأمراضٍ التنفسية. وقد تُخفِّض بعض المساحات المجهزة لفصل الشتاء هذه التهوية الطبيعية لصالح توفير الدفء والراحة.
ماذا تعني المساحة الخارجية الآمنة بعصر كوفيد؟
تُعدُّ مدينة نيويورك واحدةً من الولايات القضائيَّة التي تملك تحديدها الخاص لذلك، إذ يُسمح للمطاعم بها بقبابٍ تتسع لطاولة واحدة فقط مع توفير "تهوية مناسبة". وتعامل المساحات الخارجية المحاطة بثلاثة جدران أو أكثر على أنها مطاعم داخلية، ويتاح لها قدرة استيعابية تصل إلى %25. ( إن كان يتم تطبيق هذه الإرشادات أم لا، فهذه مسألة أخرى).
وعندما يتعلَّق الأمر بوضع الحدود، فإنَّ المطاعم في أغلب الأماكن تتصرَّف على سجيتها. بل قام بعضها باستثماراتٍ هائلة في حلولٍ قد لا تسفر عن شيء، وخاصة في حال أقرَّت المدن أنَّ تناول العشاء في الهواء الطلق ليس بالأمر الآمن أيضاً.
وكان جاي كولدرن ، وهو مدير ستوديو "Eat + Drink " في شركة "ستريت سانس"، وهي شركة مختصَّة بالتصميم، ووضع استراتيجياتٍ بقطاع الضيافة، قد ألَّف دليلاً شاملاً للمطاعم في الشتاء، وذلك بسبب نقص الموارد التي تتحدث عن ذلك. ويقول كولدرن: "من مدينة لمدينة، ومن مقاطعة لمقاطعة، ومن ولاية لولاية، الأمر منتشرٌ في كافة أنحاء الخارطة. ولا يوجد مبدأ توجيهي وحيد متماسك حول الطريقة التي يمكن من خلالها أن تتصرَّف المطاعم، أو مشغلو خدمات الطعام بمسؤوليةٍ مع تناول الطعام سواء في الداخل أو في الخارج."
وأضاف كولدرن: "إنَّ الإرشادات في نيويورك واضحة للغاية. أمَّا الإرشادات في الأماكن الأخرى فهي غير واضحة بتاتاً."
وفي ظلِّ غياب التوجيه الوطني المتَّسق في الولايات المتحدة، قام قطاع الضيافة الأميركي باستثماراتٍ كبيرة للتأقلم مع القواعد المتغيِّرة ومع الطقس أيضاً. وكانت بعض التعديلات بسيطة، مثل اللجوء إلى الستائر لحجب الرياح، التي تشكِّل في أغلب الأحيان عائقاً كبيراً أمام تناول الطعام في الهواء الطلق، مقارنةً بالحرارة المرتفعة. أو ما فعلته أحد البلدات في ولاية كونيتيكت عندما أطلقت حملة "BYOB": احضر بطانيتك الخاصة معك. في حين لجأت بعض المطاعم الأخرى إلى تعديلات مكلفة. وفي أعلى مرتبةٍ من هذه التكاليف، تأتي البيوت الزجاجية والخيام والقباب، التي تعدُّ بعضاً من الاستراتيجيات التي تجرِّبها المطاعم.
ويقول كولدرين: "بين شراء الخيام من شركة المعدات الترفيهية "REI"، وطلب حلول قابلة للنفخ ومصممة خصيصاً للمطعم، ينفق أصحاب المطاعم بين 1500 و5 آلاف دولار على كل طاولة مخصصة لأربعة أشخاص، وهي تكلفة تضاف على أجهزة التدفئة وأي تغييرات قد تطرأ بسبب الخدمة الخارجية".
وأضاف كولدرين أنَّ العديد من البلديات تدعم أصحاب المطاعم من خلال "منح الضيافة"، إلا أنَّ النجاح في ظل هذه الظروف ليس سهلاً، وتتجنب العديد من البلديات إتاحة التجهيزات الخارجية ذات الجدران الأربعة أو الثلاثة.
وبالنسبة لمالكي المطاعم الذين يقررون إنفاق المزيد من المال على المساحات الخارجية، فهو استثمارٌ محفوفٌ بالمخاطر. فقد تعزز المدن القيود التي قد تزيل خيارات تناول الطعام في الخارج، أو تحدّ منها بشكلٍ كبير. ويمكن أن يتناول رواد المطاعم في فيلادلفيا الطعام في الهواء الطلق، ولكن فقط مع أفرادٍ من عائلتهم الخاصة.
في حين أغلق حاكم نيويورك أندرو كومو بعض المناطق بشكل كامل، مما أثَّر على بعض الأحياء في المدينة، في حين أنَّ مدير الصحة العامة في مقاطعة لوس أنجلوس منع تناول الطعام في الهواء الطلق في كافة أنحاء الولاية لثلاثة أسابيع متتالية، بهدف الحدِّ من الاختلاط في الأماكن التي لا يرتدي الناس فيها الكمامات.
تكلفة اقتصادية
ومن أصحاب المطاعم الذين تأثَّروا بكلِّ هذه التغييرات، تيموثي أبلغايت الذي أخذ بالحسبان القيود المحلية في سيلفرثورن، بولاية كولورادو، عندما قرَّر الاستثمار في الخيام الخارجية في مطعمه الإيطالي "Sauce on the Blue". إذ سُمح بتناول الطعام في الهواء الطلق مع قدرةٍ استيعابية تصل إلى %25 فقط في مقاطعة سميت، وشجَّعه على ذلك كون الفناء الخارجي لمطعمه سيشهد رياحاً عنيفة، وثلجاً خلال الشتاء.
كما قرر أبلغايت، وهو الشريك والمدير للمطعم، شراء أربع خيام للمساحة الخارجية، كل خيمة تضم أربعة جدران متينة للغاية ومصممة من قبل "WeatherPort Shelter Systems". وتتضمَّن كل واحدةٍ منها جهاز تدفئة كهربائي.
وتتيح لستة أشخاص إمكانية تناول الطعام في الوقت عينه؛ إذا كانوا من الأسرة نفسها. ويقول أيبلغايت: "عليك أن تسأل الناس." وأضاف: "هل هناك طريقة يمكن للناس من خلالها أن يكذبوا عليك؟ نعم هذا أكيد. ولكنني أفضل عدم التعليق على هذا الأمر".
وقبل الجائحة، كانت الهياكل الخارجية التي تبيعها شركة "Weather Port" متاحة لكلِّ الاستخدامات من المخيَّمات المخصَّصة لمتسلقي قمة إفرست إلى خيام الأعراس. ولكن، مع تراجع مجال المناسبات، أصبحت الشركة تجهِّز المطاعم بمظلاتٍ، وأكشاك للحدائق، وخيام مثل تلك الخاصة بمطعم "Sauce on the Blue". أذ تقوم بتجهيز خيم تسمح للزبائن بفتح الستائر وإغلاقها وفقاً لمدى تدفق الهواء المرغوب.
ولم يقدِّم ويليام جي. هانسن، مدير التسويق في "WeatherPort" رقماً تقريبياً لسعر هذه التجهيزات، ولكنه قال، إنَّ الهياكل من المفترض أن تشكل استثمارات تتراوح مدتها بين 20 و30 سنة.
ويمكن أن تؤثر الظروف الاقتصادية أيضاً على القرارات المرتبطة بالتصميم. ويقول هانسن: "مما لا شك فيه أننا نريد أن نقدم حلولَ بناءٍ آمنة قدر المستطاع. ولكن مع تضرر المطاعم بشكلٍ خاص نتيجة إغلاقها مدة طويلة، وتقليل القدرة الاستيعابية لها بنسبة %75 وأكثر، وإتاحة عدد محدود من الطاولات فقط؛ نتفهم أنّه لا يوجد ما يكفي من المال لإنفاقه بشكلٍ كبير على التصميم".
في حين يقول بول ليندن، وهو أستاذ في "جامعة كامبريدج" وخبير في السوائل البيئية، إنَّ أفضل طريقة لتصميم تجربة تناول طعامٍ خارجية هي السماح للهواء المنعش بالتدفق من خلال فتحات التهوية، أو النوافذ القريبة جداً من الأرض، وتوفير فتحات أخرى عالية، تسمح للجزيئيات بالخروج عندما يرتفع الهواء. ويقول، إنَّ المساحات المغلقة التي لا تتضمن هذا التصميم المثالي أيضاً، مثل الخيام القطنية ذات الفتحة الواحدة، تعدُّ أكثر أماناً من المساحات الداخلية مع أبوابها، ونوافذها المغلقة، وذلك لأنها تسمح بالمزيد من تدفق الهواء.
ويضيف ليندن: "لا توجد طريقة واحدة للتعامل مع الوضع، ويعود السبب الأول في ذلك إلى أنَّ التحديات ليست مفهومة بشكلٍ جيد. وثانياً، لأنَّ هناك العديد من الحالات المختلفة، لأنَّ لدى المطاعم تصاميمَ مختلفة، ونسبة إشغال مختلفة. ولذلك، قد يكون من الصعب القول "إذا كان الجميع يقوم بذلك، فنحن بخير".
تجهيزات متعددة
أما بالنسبة لمطعم "Espita Mezclaria" في واشنطن، فإنَّ تجهيز فنائه الكبير لفصل الشتاء يعني إضافة مدفآت الغاز والفواصل البلاستيكية، بالإضافة إلى النباتات وعناصر الزينة الأخرى لجعل المساحة الخارجية جذابة كما الداخل. وفي الواقع، هي تبدو كأنَّها مقهى منفصل مجاور للمطعم.
ويقول جوش فيليبس، وهو مدير عام وشريك في مطعم "Epista"، إنَّ التجهيزات البلاستيكية الممتدة على طول فناء المطعم الخارجي تستوعب أقل من %40 من مساحته، مما يترك مساحة كبيرة من المطعم مفتوحة. للمزيد من الأمان والراحة، فالطاولات متباعدة عن بعضها عن بعض بمسافة 9 أقدام على الأقل .
في حين يسمح مطعم "Sauce on the Blue" الإيطالي بجلوس ثلاث مجموعات في كل خيمة فقط، ويفتح النُدُل السقف المقبب بين كل مجموعة لتهوية المساحة.
ويعدُّ علماء الأوبئة أنَّ هذه الترتيبات تنجح فقط في حال كان رواد المطعم يجلسون بالفعل مع أفرادٍ من أسرتهم، ويرتدون الكمامات عند التحدث مع النُدُل.
وأمَّا بالنسبة لكاكاني كاتيجا التي تعيش في مونتيري، كاليفورنيا، أصبح الدليل على وجود كمية كافية من تدفق الهواء عاملاً مهماً في اختيار مكانٍ لتناول الطعام، تماماً كأهمية قائمة الحلويات لها. وتقول: "أفهم أنه ليمرَّ الهواء في مكانٍ ما، يجب أن يكون هناك مكانٌ آخر ليخرج منه." وأضافت: "إذا كانت لديك خيمة تحتوي على بابٍ واحدٍ فقط، لا يوفِّر ذلك ممراً ليخرج الهواء من المساحة." وتعمل كاتيجا كمهندسة بيولوجية متخصصة في السوائل البيئية، ولكنها تقول، إنَّه لا يتوجب عليك أن تكون عالماً لتستوعب هذا المفهوم.
وكانت قد كتبت منشوراً على تويتر تستنكر من خلاله إغلاق المساحات الخارجية، وتلقَّت تغريدتها مئات التعليقات من أشخاصٍ لاحظوا هذه النزعة حول العالم. وجاءتها إحدى الردود كالآتي:
"@Kakani Katija هذا مطعمٌ في الحي الذي أقطن فيه في باريس. لدى العديد من المطاعم مبنى مشابه أمام مداخلهم. إنه مغلقٌ بالكامل بالبلاستيك. لهذا السبب اضطرت فرنسا لإغلاق البلد بالكامل للمرة الثانية".
التوازن بين العمل والحفاظ على الصحة
وفي جميع الأحوال، يحتاج مالكو المطاعم إلى تحقيق التوازن المثالي لإبقاء موظفيهم في أمانٍ من الناحية الصحية، وينجحون في إبقائهم في وظيفتهم على حدٍّ سواء. وتعدُّ الخدمة الشتوية في الهواء الطلق تجربة لا تحتمل الخطأ. كما يقول ليندن: "لا أعتقد أن هناك حلاً سيجمع بين الراحة المثالية، والأمان المثالي."
وبالنسبة للعديد من المطاعم، لا يدخل هذا الأمر في نطاق حساباتهم، لأنَّ عدداً قليلاً منهم يستطيع أن يضيف أنواع الهياكل هذه، إن كان من ناحية الإمكانية المادية، أو المساحة المتاحة. ومع فرض قيودٍ جديدة في معظم المدن، فإنَّ الوضع خطيرٌ بالنسبة للعديد من المطاعم، لا سيَّما إذا كانت مجبرة على الإغلاق، وخاصة أنَّ الكونغرس لم يوافق بعد على جولة أخرى من عمليات التحفيز، والإنقاذ المالي.
وكان مطعم "Espita" المكسيكي قد سبق أن أجرى تغييراتٍ في فترة الجائحة. إذ افتتح في أغسطس الماضي، مطبخاً مخصصاً لطلبات توصيل شرائح البرغر، وشرائح اللحم بالجبن، ومشروبات الحليب المخفوق ليزيد من أرباحه. وكان النجاح في أكشاك الوجبات السريعة المنبثقة هذه، الخطوة الأولى للتأهب للطقس البارد.
ويقول فيليبس: "كانت هذه خطتنا الكاملة لتجهيز المشروع لفصل الشتاء." وأضاف: "إنَّ تجهيز مشروعٍ ما لفصل الشتاء يشمل حماية إيراداتك".