بلومبرغ
اختناق مروري، وباعة متجولون يحاولون جذب العملاء من خلال تعابيرهم المقنعة، بينما يزدحم المارة أمام المتاجر الحافلة بالألوان. ولولا استمرار الإلزام بارتداء الأقنعة الطبية في الخارج، لكان من الممكن أن نعتقد بأن إسطنبول قد عادت لحقبة ما قبل الوباء، خاصة وسط السياح الكثر الذين يتدفقون إليها.
حتى الآن، تم إعطاء اللقاح لنحو 60% من السكان البالغين في تركيا بشكل كامل، وتلقى أكثر من 75% في إسطنبول جرعة واحدة، وهو ما سمح لجميع الأعمال التي قيدت أو علقت أنشطتها في السابق أن تعود لتفتح أبوابها مرة أخرى اعتباراً من يوليو الماضي. شملت هذه العودة الحمّامات التقليدية في البلاد، والنوادي الليلية التركية التي عادت لازدحامها مرة أخرى. كما أن الأجانب أصبحوا مرحبا بهم أيضاً، ما داموا لا يأتون من دول تم تعليق دخول الوافدين منها (مثل: البرازيل والهند وجنوب إفريقيا) وما دام بوسعهم تقديم نتيجة سلبية لاختبار تفاعل البوليمير المتسلسل (PCR) أو بطاقة تثبت تلقي لقاح، أو دليلاً على التعافي من "كوفيد-19".
وبالفعل، توافد الكثير من السياح إلى البلاد، ففي شهري يونيو ويوليو، ارتفع عدد الزوار الأجانب القادمين إلى إسطنبول بنحو خمسة أضعاف ليبلغ 1.82 مليون زائر، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، بحسب حسابات "بلومبرغ" المستندة إلى بيانات وزارة السياحة التركية. ومع ذلك، لا يزال هذا العدد أقل بنسبة 40% مما كان عليه في شهري يونيو ويوليو من عام 2019، عندما استضافت أكبر مدينة في تركيا أكثر من 3 ملايين زائر أجنبي.
السفر في حقبة "كوفيد" لا يزال مقيَّداً.. ولا ينبغي أن يكون كذلك
هل تفكر برحلة إلى باريس؟.. إليك لمحة عن الحياة بالمدينة حالياً
بخلاف الزوار الذين تستقبلهم المدينة، فإن تدابير الصحة العامة في المدينة لا تزال تعد صارمة نسبياً، حيث يُفرض ارتداء الأقنعة الطبية في جميع الأماكن العامة حتى في الهواء الطلق. كما يتعين على كافة الزوار، بمن فيهم المواطنين الأتراك، التسجيل للحصول على جواز سفر صحي يطلق عليه: رمز (HES)، وذلك في غضون 72 ساعة من وصولهم. يتتبع هذا الجواز احتمالات التعرض للفيروس من خلال الاتصال بالأشخاص المصابين، بدءاً من الرحلات الجوية وحتى ما بعدها، ويتيح لك تحميل نتائج اختبار ـ(PCR) المطلوبة للقيام بأمور بسيطة مثل شراء تذكرة حافلة. كذلك، يعتبر رمز (HES) هام لتسجيل الوصول إلى الفنادق، ودخول مراكز التسوق، وحتى الجلوس في العديد من المطاعم.
كذلك، يتم تطبيق المزيد من الاحتياطات المتعلقة بالفيروس، استجابة لسلالة "دلتا"، الذي دفع حالات الإصابة اليومية بـ"كوفيد" للارتفاع إلى حوالي 20 ألف حالة طوال معظم أيام شهر أغسطس الماضي. واعتباراً من 6 سبتمبر، سيتعين على أي شخص يسافر بين المدن، أو يدخل سينما أو يحضر حفلات موسيقية أو مسارح، إظهار بطاقة لقاح أو اختبار (PCR) سلبي أجري خلال الـ48 ساعة السابقة.
تصل إلى 6000 دولار في بعض الدول.. تكاليف اختبارات "كوفيد" تعيق تعافي السفر
هذه التدابير الصارمة لن تردع السيّاح على الأرجح، على حد قول كايا ديميرير، رئيس جمعية المطاعم والترفيه التركية (Turyid)، ومالك مطعم "فرانكي" في إسطنبول.
يتابع ديميرير: "ما نشهده حالياً هو إنفاق انتقامي ناتج عن خروج الأشخاص من القيود الوبائية". مضيفاً: "انتعاش السياحة هذا الصيف أقوى بكثير منه في العام الماضي، بفضل اللقاحات".
بينما يملك ميرت تانسيغر، الذي يدير فندق "بلوواي هيستوريكال" في منطقة شيشلي، وجهة نظر مختلفة، فهو يشعر بالقلق بعد فصل الصيف المزدهر، قائلاً: "أرقام الحجوزات الحالية لشهر سبتمبر أقل بكثير من توقعاتي".
وسواء كنت تخطط لزيارة إسطنبول قريباً أو بعد تلاشي المخاوف، إليك ما تحتاج لمعرفته عن الحياة في عاصمة الثقافة التركية.
في حال كانت الجمعية التي يترأسها ديميرير، تمثل مرجعاً لمشهد المطاعم بشكل عام في إسطنبول، فإن ما يتراوح بين 15% إلى 20% من الأعمال ستكون قد أغلقت أبوابها بالكامل بعد أشهر من عمليات الإغلاق الصارمة في المدينة، إلا أنه كما يقول ديميرير: "الجانب المشرق هو أن العديد من الأعمال الجديدة تفتح أبوابها في جميع أنحاء إسطنبول".
كذلك، تعمل مطاعم إسطنبول بكامل طاقتها منذ بداية شهر يوليو، لتحاول تعويض الخسائر التي تكبدتها على مدى أشهر، لكنها نادراً ما تلتزم بقواعد التباعد الاجتماعي بين الطاولات. فعلى طول الشوارع الأكثر شعبية في أحياء بك أوغلي وبشكتاش وكاديكوي، تصطف طاولات الزبائن في الهواء الطلق، حيث يجلس عملاء الحانات والمطاعم على مقربة شديدة من بعضهم البعض.
ومن المؤكد أن بعض الأطباق الشعبية تستحق تشجيع الحشود حين تناولها، ومنها ما يقدم في مطعم "سيا سوفراسي"، والمعروف بقائمة طعامه ذات الجذور الأنثروبولوجية، والواقع في سوق كاديكوي المفتوح الصاخب، والتي تتميز بأطباق تركية إقليمية يصعب العثور عليها، مثل "فيسنلي كوفتة" (كرات اللحم في صلصة الكرز الحامضة).
يُعد مطعم "أوكتو" (Octo) في فندق "جيه دبليو ماريوت إسطنبول بوسفور" في كاراكوي، من المطاعم الجديدة البارزة في المدينة، وهو يقدم مزيجاً من مقبلات بحر إيجة التركية والأطباق البرتغالية، مثل "أروز دي ماريسكو"، وهو طبق أرز بالمأكولات البحرية، بجانب "ميكفر"، وهي عبارة عن فطائر بالكوسة، أو "إيسلي باتليكان"، وهي عبارة عن باذنجان مدخن يقدم مع اللبن.
البندقية تحلم بتعظيم الاستفادة من سياحة اليوم الواحد
وحتى لو لم تكن جائعاً، فإن سطح المطعم يستحق التوقف عنده لتناول المشروبات المبتكرة والتمتع بالإطلالة المذهلة لشبه الجزيرة التاريخية والجانب الآسيوي من المدينة، والقرن الذهبي.
يقدم مطعم "أبارتيمان" (Apartiman) تجربة أكثر حميمية، فهو يشبه منزلا عائليا صغيرا مع حديقة صغيرة خاصة به، يقع بجانب القصور التاريخية التي تصطف على مضيق البوسفور في حي ينيكوي الهادئ. داخل المطعم، ستجد بوركاك كازدال التي تستخدم منتجات من مزرعة عائلتها الواقعة خارج حدود المدينة مباشرةً لإعداد أطباق موسمية مثل سلطة القيصر مع الحمصي (ما يُعرف أيضاً باسم أنشوفة البحر الأسود) أو كبد الضأن مع اليقطين المدخن.
تقول كازدال، التي تدير المطعم مع شقيقها: "نحن نطهو بكل ما يُزرع في الموسم، لذلك نستمر في تحديث قائمة الطعام لدينا، والتي تتغير أحياناً بشكل أسبوعي"، وتقول كازدال إنها لا تتهاون في عدم استقبال العملاء ممن لا يرتدون الأقنعة الطبية، والتي تقول أن هناك الكثير منهم.
عودة ثقافية
لمجرد أن الوجهات الثقافية المختلفة باتت تفتح أبوابها في المدينة، فهذا لا يعني بالضرورة أن المسافرين سيشعرون بالراحة أثناء استكشافهم لهذه المواقع كما كانوا يفعلون من قبل. وإليك كيفية اكتشاف الأفضل من هذه الوجهات، وسط كل ما يجري.
في حال كنت لا تزال حذراً من "كوفيد": معظم حدائق المدينة تزدحم في الأيام المشمسة، ما يجعل إمكانية العثور على مكان يمتثل لقواعد التباعد الاجتماعي أمراً صعباً. لذلك يعتبر التواجد على متن القوارب المفتوحة في الهواء الطلق هو الخيار الأكثر أماناً في هذه الحالة. كذلك يمكنك السفر من قارة إلى أخرى من خلال العبارات العامة، (الطريق من كاديكوي إلى أورتاكوي يبدو جميلاً بشكل خاص)، حيث تتيح رحلات البسفور التي تقدمها البلدية، جولات طويلة بأسعار معقولة وإمكانية مشاهدة المعالم السياحية الخالية من الازدحام لمدة ساعتين إلى ست ساعات. وبعيداً عن ساعات الذروة، كلا الخيارين يقدمان أماكن رائعة للاستمتاع بالشاي التركي مع الإطلالات الخلابة.
كذلك، يوجد في إسطنبول أيضاً خيارات مختلفة من الشواطئ التي لا يدركها الكثير من السياح، حالياً يختار معظم السكان المحليين الذهاب إلى البحر الأسود فوق بحر مرمرة الذي تغزوه مؤخراً بطانة هلامية من الكائنات الحية الدقيقة المعروفة باسم "مخاط البحر". وكخيار بديل، يمكنك تجربة شاطئ كيليوس في منطقة ساريير، التي تبعد أقل من 20 ميلاً (1 ميل = 1,6 كم) عن الأحياء المركزية في المدينة، وتوجد بها مجموعة متنوعة من النوادي الشاطئية، ومدرسة لتعليم ركوب الأمواج بالطائرات الورقية على طول شاطئها الرملي الناعم.
إذا كنت تبحث عن عودة لطيفة بعد الوباء: بالنسبة للزائرين الحذرين الذين يشاهدون المدينة لأول مرة، فمن الأفضل لهم زيارة منطقة السلطان أحمد في وقت مبكر من اليوم، فالمنطقة التي تضم جميع المعالم التاريخية الأكثر شهرة، مثل الجامع الأزرق وجامع آيا صوفيا، تشهد حشوداً من السياح بالفعل. وهذا ينطبق أيضاً على البازار الكبير وسوق التوابل اللذين تقع شوارعهما الضيقة على بعد مسافة قصيرة يمكن قطعها سيراً على الأقدام.
كذلك، يمكنك قضاء يوم كامل في متحف "شكيب صبنجي" الذي يشغل قصراً عثمانياً في حي اميرجان، وهو حي معروف بحدائق الشاي فيه التي تعانق مضيق البسفور. المتحف يضم مجموعة دائمة من فنون الخط المذهلة، وعرض قادم عن الفنون الانطباعية التركية، وهو يضم أيضاً مطعم يدار بالاشتراك مع مدرسة الطهي الرائدة في المدينة، حيث يمكن للزوار الجلوس على سطح يطل على ضفاف النهر والاستمتاع بمختلف المأكولات العالمية، بداية من شرائح اللحم بصوص "التارتار" أو الـ"سوشي" وحتى معكرونة الـ"رافيولي" بالشمندر.
أما إذا أردت شيئاً أكثر حداثة، فيمكنك زيارة "متحف الأوهام" الذي اُفتتح مؤخراً، حيث يمكنك مشاهدة غرفة مقلوبة رأساً على عقب، وأخرى مليئة بالمرايا بالكامل، أو يمكنك الجلوس إلى "طاولة الاستنساخ" التي تجعلك تبدو وكأنه قد تم استنساخك لتجلس على ستة مقاعد بالوقت نفسه. وحالياً، فإن كافة الأماكن الثقافية تقوم بالتحقق من درجة حرارة الضيوف قبل الدخول، كما أنها تعمل بسعة محدودة.
الرحلات البحرية تتلقى ضربات تشغيلية لا متناهية
متاحف إيطاليا تفتح أبوابها مجدداً للسياح لجمع بيانات عمّا يعجبهم
لمن يريد التصرف وكأن الوباء لم يحدث: الأقنعة مطلوبة من الناحية التقنية، لكن تطبيقها ضعيف في قاعات الرقص التي تفوح منها رائحة العرق والدخان، وتقتصر الحدود الحالية على إلزام منسقي الأغاني (DJs) بإيقاف الموسيقى الصادحة عند منتصف الليل.
ومع ذلك، لا يزال بإمكانك أيضاً قضاء ليلة سعيدة في ملهى "كلاين فونيكس" المهووس باستخدام الإلكترونيات، والواقع في منطقة مسلك التجارية. وخلال الحفلات يصبح النادي مشبعاً بالبخار مثل الحمامات التقليدية الشهيرة في المدينة، والتي أصبحت مفتوحة هي الأخرى أمام الأفراد الذين لا يشعرون بقلق كبير من "كوفيد" (الأماكن الراقية ستتبع على الأرجح أي قيود متغيرة).
ثمة خيار آخر كذلك، وهو نادي "360" حيث تحدث جميع الحفلات في الهواء الطلق على سطح يطل على منطقة السفارات في حي بك أوغلي، كما أن المطعم ذو المنظر الخلاب في معظم ليالي الأسبوع يتحول إلى نادٍ كامل للحفلات في عطلات نهاية الأسبوع، مع وجود منسقي الموسيقى وعروض حيّة.
التجول في المدينة
إسطنبول مدينة ليست قابلة للمشي بشكل خاص، وهذا يتسبب في ازدحام وسائل النقل العام بشكل كبير، خاصة أثناء ساعات الذروة. وربما يكون الـ"مترو" ونظام الـ"مترو باص" السريع وعربات الـ"ترام" هي أسرع وأسهل خيارات التنقل إذا كنت لا تتحدث التركية، لكن كن مستعداً لارتداء قناع مزدوج إذا كان الجلوس قرب الغرباء يُشعرك بالقلق.
كما أن النقص في سيارات الأجرة الصفراء (أحد نتائج الجمود السياسي في البلاد)، يوضح صعوبة العثور على سيارة أجرة في بعض الأحيان أيضاً، لكن تطبيقات "أوبر" و "بيتكسي" (BiTaksi) وغيرهما من تطبيقات التنقل، تعد موثوقة بدرجة كافية. ويعتبر ارتداء الأقنعة أمراً شائعاً بها، بينما وجود حواجز بين السائقين والمقاعد الخلفية، ليس كذلك.
تعتبر فكرة ارتداء القناع في الداخل والخارج مسألة جديّة في إسطنبول، حيث يلتزم السكان المحليون بهذا الإجراء بجدية، ومن لا يفعل ذلك يواجه غرامات باهظة، رغم احتمالية تلقى تحذير أولاً. (تصل الغرامات إلى 900 ليرة تركية، أو 110 دولارات تقريباً، وهو مبلغ يمثل حوالي ثلث الحد الأدنى للأجور الشهرية محلياً).
في الوقت نفسه، تتوقع معظم المطاعم من عملائها ارتداء الأقنعة عند عدم جلوسهم إلى موائدهم، وذلك حتى عند ذهابهم إلى المراحيض، وقد يطلب البعض التحقق من رمز (HES) قبل السماح للزوار بالدخول، فضلاً عن أن جميع الندل تقريباً يلتزمون بارتداء الأقنعة.
كذلك، لم تعد المصافحة والتقبيل على الوجنتين ممارسة شائعة للتحية في تركيا، وبدلاً من ذلك يضع كثير من السكان المحليين، ومعظمهم من الرجال، يدهم اليمنى على قلوبهم، في إيماءة يمكن استخدامها أيضاً لقول "شكراً" أو "لا، شكراً". وعلى النقيض من ذلك، فإن النساء يفضلن عادةً تحية الكوع.
وبصرف النظر عمن تكون، فإن التحية بضربة قبضة اليد تفي بالغرض هي الأخرى.