بلومبرغ
في شهر أكتوبر، حزمت طلورا باولي" حقيبتهان وسافرت من منزلها في سان فرانسيسكو إلى "مودرن إيلدر أكاديمي" (Modern Elder Academy)، وهو منتجع صغير يقع في شبه جزيرة باجا في المكسيك، ويختص بالتعلم والتأمل للأشخاص في فترة منتصف العمر.
وكانت باولي بحاجة إلى فترة نقاهةٍ، ووقت كافٍ لتحديد "ما هي الخطوة التالية في حياتها؟" بعد أن واجهت صيفاً مرهقاً، أصبحت فيه عاطلة عن العمل, بعد أن تمَّ تسريحها من وظيفتها في مجال التسويق في شركة برمجيات في يونيو، ثم تطوَّعت بعد فترة وجيزة لتعمل في طهي الوجبات التي تقدم لأول المستجيبين لمواقع حرائق الغابات في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
وتقول باولي، التي تبلغ من العمر 56 عاماً: " كان عملي في صناعة التكنولوجيا، في حين أنَّ جزءاً مني يرغب بالعمل في الطهي. والآن، ربما أريد الميل إلى الاتجاه الثاني. وحتى أستطيع اكتشاف هذا الأمر بشكل أفضل، كان عليَّ تغيير بيئتي، والوصول إلى مكان أشعر فيه بالإلهام".
وكان "تشيب كونلي"، المدير التنفيذي للضيافة لـ "مودرن إيلدر أكاديمي"، أطلق تلك الأكاديمية قبل عامين، واضعاً نصب عينيه مساعدة الأشخاص ممن هم في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من العمر، الذين يكافحون مع التحوُّلات في العمل والحياة. وكان كونلي نفسه قد واجه تغييرات وتحديات كبيرة في الأعوام الأخيرة، بما في ذلك اضطراره لبيع "Joie de Vivre"، وهو فندق صغير أسَّسه، وأداره مدة 24 عاماً، هذا عدا عن تعافيه من حادث كاد أن يكلفه حياته.
احتياجات منتصف العمر
ويقول كونلي، ذو الـ 60 عاماً: "تعدُّ فترة منتصف العمر وقتاً عصيباً بمراحل انتقالية مجهدة، ومع ذلك، ليست هناك شبكات أمان، أو طقوس مخصصة لإرشادنا، بالمقارنة مع الشباب الذين يقيمون حفلات التخرج، والزفاف، وأي طقوس أخرى تخصهم".
وخلال الأشهر الـ 18 الأولى من إطلاقها، استضافت "مودرن إيلدر أكاديمي" أكثر من 750 رجلاً وامرأة في مجموعات صغيرة مكونة من 20 فرداً تقريباً. وتمَّ تنظيم ورش عملٍ لهم، تمتد إلى خمسة أو سبعة أيام، لكن هذه الممارسة توقَّفت في مارس بسبب تفشي جائحة كورونا.
وعندما بدأ تخفيف عمليات الإغلاق في بداية الصيف، جدَّد كونلي البرامج لتتكيف مع الواقع الجديد، وتضمن بيئة آمنة، كما حدَّثها لخدمة أولئك الذين فقدوا وظائفهم أثناء فترة تفشي الوباء, أو الذين يتساءلون عن كيفية قضاء بقية حياتهم.
وبدلاً من الإقامة مدة أسبوع كامل مع المشاركة في الفصول، والأنشطة الجماعية، أصبحت الأكاديمية تقدِّم جلسات استرخاء لمدة لا تقل عن أسبوعين.
ويقضي الطلاب، كما يُطلق عليهم في هذا المنتجع التعليمي، المزيد من الوقت مع أنفسهم, إذ يلتقون مع الآخرين في الهواء الطلق لتناول الطعام، وحضور ورش العمل المُصمَّمة حول مواضيع، مثل تصميم مسار وظيفي جديد، والنمو العقلي في منتصف العمر.
وتبلغ رسوم الاشتراك في تلك الأنشطة، بما في ذلك السكن والطعام، ما يصل إلى 3500 دولار أمريكي مقابل أسبوعين من الاسترخاء، بالمقارنة مع 5500 دولار أمريكي, التي كانت لازمة سابقاً لحضور ورش العمل التي كانت تُعقد أسبوعياً قبل تفشي الوباء. ويعكس السعر المنخفض انخفاض عدد المحاضرات المنظَّمة، والأنشطة الأخرى، وتوفير عدد أقل من الامتيازات، مثل جلسات المساج المجانية، وخدمات النقل المجانية من المطار وإليه. وكانت الأكاديمية قد شهدت حجز أكثر من 80% من الأماكن المتاحة حتى شهر مارس.
ويمكن أن تكون التعديلات التي أجراها كونلي، من إنشاء بروتوكولات التباعد الاجتماعي حتى الترويج لفترات أطول بأسعار مخفضة، بمثابة نموذج لأصحاب المشاريع الآخرين العاملين في مجال الضيافة، ممن ناضلوا للحفاظ على أعمالهم خلال الوباء.
وكانت نسبة إشغال الفنادق في الولايات المتحدة قد بلغت 48% فقط في نهاية شهر أكتوبر، وهي النسبة التي ظلَّت كما هي منذ يوليو، بحسب ما ذكرته شركة "STR" المتخصصة في تعقب بيانات الصناعة الفندقية.
مهارات حياتية جديدة
ويقول "جيك هوبيرت"، المؤسس المشارك في "مجلس تحويل السفر" (Transformational Travel Council)، إن الرجال والنساء من كافة الأعمار كانوا مستعدين للسفر أثناء الوباء، إذا توفرت لديهم قدرة الحفاظ على صحتهم البدنية والعقلية وتحسينها، واكتساب قيمة معرفية.
وقال أكثر من نصف 21,500 مسافر عالمي، ممن خضعوا لاستطلاع أجرته شركة "Booking.com" العام الماضي، إنهم تعلَّموا مهارات حياتية لا تقدَّر بثمن في رحلاتهم الأخيرة، وإنهم سيسعون للمشاركة في برامج مماثلة مرة أخرى في رحلات سفر مستقبلية.
وكانت جلسات الاسترخاء في "مودرن إيلدر" محببة بالنسبة لباولي، التي شعرت بأمان عندما علمت أنها قادرة على المكوث في مكان عدة أسابيع، وكانت حينها ترغب في أخذ استشارةٍ وإرشادٍ من قبل مختصين, ليساعدها ذلك على أخذ قرار حول ما إذا كانت ستبحث عن وظيفة تسويقية أخرى لها علاقة بمجال التكنولوجيا، أو البدء في عمل حر بمساعدة تدريبها السابق كطاهية طعام.
التأمل والاسترخاء
وأفادت باولي أنَّ الأكاديمية المطلَّة على الشاطئ، التي تقع في بقعة نائية عن الممتلكات، وتضم العديد من المزارع الأنيقة، وحمام سباحة طوله 25 قدماً (1 قدم = 0.30 متراً)، واستوديو للمساج ومكتبة. بالإضافة إلى الكثير من الأماكن الخارجية الخاصة لقضاء بعض الوقت في التفكير والكتابة والقراءة.
وكانت باولي قد حصلت على دروس يوجا, وبدأت في التأمل, وشاركت في ورش عمل ونقاشات مفتوحة، وكلُّ ذلك ساعدها على اتخاذ قرار تأليف كتاب طهي يتكوَّن من وصفات أعدتها لعشاء افتراضي عبر برنامج "زووم"، وحفلات الإفطار المتأخر التي نظمتها لأصدقائها أثناء الإغلاق في الربيع. وبعد قضاء نحو ثمانية أيام في الأكاديمية المكسيكية، قررت باولي تمديد إقامتها من أسبوعين إلى ستة أسابيع.
كما تنوي باولي البقاء على اتصال مع خريجي "مودرن إيلدر أكاديمي" الآخرين (عن بعد) وتقول: "لقد تعلمت أنَّ رحلتي نحو تحديد؛ ما هي الخطوة القادمة؟, يجب أن تتضمن أكثر من مجرد تغيير وظيفة أو علاقة، فالأمر يتعلق بتغيُّر القوالب الفكرية الثابتة، مثل الاعتقاد بعدم إمكانية القيام بأمرٍ ما، أو الشعور أنَّ الأوان قد فات على فعل أمرٍ ما. وأوضحت أنَّ هذا الأمر يستغرق وقتاً وصبراً، ودعم الآخرين أيضاً.