الجائحة تُظهِر حاجة المراهقين لأماكن ترفيهية

time reading iconدقائق القراءة - 13
الأماكن الترفيهية لا ترحب بالمراهقين. - المصدر: بلومبرغ
الأماكن الترفيهية لا ترحب بالمراهقين. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

منذ إغلاق المدارس في جميع أنحاء ولاية ميشيغان الأمريكية في شهر مارس لمواجهة جائحة كورونا، تحوَّلت مادلين كوفمان إلى حضور حصصها المدرسية عبر الإنترنت، لكنها لا تزال تذهب أحيانًا إلى مدرستها للقاء أصدقائها هناك. وبالنسبة إلى كوفمان التي تبلغ من العمر 14 عاماً، وتقيم في منطقة "آن هاربور"، فتمثَّل المدرسة لها مكاناً مألوفاً تشعر فيه بالأمان، كما لا توجد لديها خيارات أخرى لتزورها بسبب الوباء. وتقول عن ذلك: "إنَّه أمر محبط للغاية. يعيش بعض منا بالقرب من المدرسة، لذلك عادةً ما نسير إلى هناك، ولكننا لا نتمكن من رؤية بعضنا كثيراً ".

ويُعَدُّ التجوُّل في المبنى المغلق بمثابة تذكير مؤلم بكل شيء فقدته كوفمان، فمع إغلاق المدرسة لأبوابها أُغلق الباب على حياتها الاجتماعية أيضاً.

وبعد مرور ثمانية أشهر على انتشار الجائحة، ثبت أنَّ الحياة في ظل القيود التي فرضها فيروس كورونا صعبة، خصوصاً للمراهقين الذين، على الرغم من كونهم الفئة الأقل عرضة لخطر الفيروس، لكنهم شكَّلوا الفئة الأقل حظاً في قضاء الوقت مع أقرانهم أيضاً

وبناءً على ما أوردته خدمة "بيربيو" (Burbio)، وهي خدمة بيانات تحصي التقويمات المدرسية والمجتمعية، فإنه بدءاً من أواخر نوفمبر يحضر نحو 35% فقط من طلبة الصف الثاني عشر في الولايات المتحدة الحصص الفعلية في المدرسة، في حين يحضر الباقون الحصص؛ إما عن بُعد أو يشاركون في تعليم (هجين) يتضمَّن حضور الصفوف الفعلية في المدرسة والدراسة عبر الإنترنت.

وبالمثل، فإنَّ أنشطة ما بعد المدرسة والأنشطة الرياضية، باتت محدودة للغاية، وإنَّ العديد من المكتبات ومراكز الشباب مغلق، إلى أجَل غير مسمى. وأما بالنسبة إلى العديد من الشباب، فقد تحوَّلت حياة المراهقين إلى حدٍّ كبير لتصبح عبر الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي، مثل "إنستغرام" و"ديسكورد" (Discord).

العزلة في زمن الكورونا

تقول تامار مندلسون، وهي مديرة مركز صحة المراهقين في كلية "جونز هوبكنز بلومبرغ" للصحة العامة في مدينة بالتيمور: "إنَّ العزلة مشكلة كبيرة للشباب في الوقت الحالي. وتُعَدُّ فترة المراهقة فترة نموٍّ وتطوُّر كبيرتين،فضلاً عن أنَّ جزءاً كبيراً من ذلك يعتمد على تطوير الهوية الاجتماعية، وهو ما يواجه تعطلاً الآن بسبب (كوفيد-19). وعلى الرغم من أنَّ الشباب يمتازون بالمرونة، وهم بارعون في استخدام التكنولوجيا، فإنَّ هذا التأقلم ليس سهلاً ".

صحيح أنَّ الجائحة شكَّلت مشهداً قاسياً، لكنها ألقت الضوء على مشكلة كانت موجودة قبل ظهور الفيروس، تتمثَّل في أنَّ العديد من الأماكن العامة، وهي الأماكن الوحيدة التي يمكن للمراهقين مقابلة أصدقائهم فيها بأمان، ليست مصمَّمَة لاستيعابهم. وكان الحديث مؤخراً قد تزايد عن المدن الصديقة للطفل، ومعظمه يميل إلى التركيز على كيفية خدمة المجتمعات بشكل أفضل للعائلات التي لديها أطفال أصغر سناً، وتوفير وسائل الراحة لهم، مثل الملاعب، وأماكن تسيير عربات الأطفال وخدمات رعاية الأطفال. وغالباً ما يتم تناسي اليافعين، ويُنظر إلى احتياجاتهم في وقت متأخر، أو نتذكَّرهم من خلال استثنائهم بوضع السياسات المناهضة للمراهقين أو التصاميم التي تستبعدهم عمداً. وبمعنى آخر قد يكون مجرَّد قضاء الوقت مع الأصدقاء في الخارج أمراً لا يستطيع كثير منهم الوصول إليه، كما هو واضح من كثرة منشورات تطبيق "نيكست دور" (NextDoor) التي تحذِّر من "احتلال" المراهقين للحدائق والملاعب.

وبالمثل لا ترحِّب مناطق البيع والتسوق بهم، فحتى في أيام ما قبل "كوفيد-19"، غالباً ما كان المراهقون موضع شكٍّ في مراكز التسوق ومطاعم الوجبات السريعة. ففي بعض المحلات على سبيل المثال يستخدم أصحاب الأعمال جهازاً يسمى "البعوضة" (The Mosquito) لتشغيل صوت مزعج عالي النبرة، يسمعه اليافعون فقط، كما تستهدف قوانين مكافحة التسكُّع في الغالب أولئك الذين تقلُّ أعمارهم عن 18 عاماً. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك منطقة وسط مدينة ميامي ليكس، التي يديرها القطاع الخاص في ولاية فلوريدا، بالإضافة إلى تطبيق حظر التجول على أساس العمر في عديد من الأماكن، الذي كان نتيجة جهود باقية منذ عهد كلينتون، وُضعت حينها للحدِّ من حالات الانحراف، وتقليل الوقت الذي يمكن أن يقضيه المراهق في الشارع.


حظر تجول الشباب

ومع حلول عام 2009، وبناءً على أبحاث جامعة جونز هوبكنز، أصبح لدى أكثر من 80% من المدن الأمريكية التي يزيد عدد سكانها على 180 ألفاً مثل هذه القوانين، كما أنَّ الرابطة الوطنية لحقوق الشباب في الولايات المتحدة، لديها لوائح بأكثر من 400 سلطة قضائية في جميع أنحاء البلاد لمساندة حظر تجوُّل الشباب. وفي هذا العام بالتحديد، وسَّعت عدة مدن رقعة حظر التجوُّل، أو أعادت إحياءه استجابة للجائحة، والاحتجاجات ضد العنصرية، وعنف الشرطة.

تقول هانا بنتون إيدساث، المحامية البارزة في المركز الوطني لقانون الشباب، إنَّ الأبحاث ألقت بظلال من الشكِّ على ما إذا كان حظر التجول يقلِّل من الجريمة، ومن المرجَّح أنَّ تطبيقه يجري بشكل غير متناسب، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمراهقين من ذوي البشرة السمراء. وعلى الرغم من أن عقوبة كسر حظر التجول قد لا تتعدى الغرامة، فإنَّ هذا ا يكون بمثابة مؤشر لنظام قانونيٍّ، يمكن أن يكون محيِّراً، وغير عادل.

وتضيف إيدساث: "هذه القوانين تؤثِّر في نظرة الشباب إلى نظام العدالة، الذي يفرض عليهم هذه الغرامة، وهُم في كثير من الحالات لا تتوفر لديهم أيَّة وسيلة لدفعها". ويمكن للغرامات غير المدفوعة أن تتبع الشباب حتى سنِّ الرشد، مما يؤثر في أهليتهم الائتمانية فترة طويلة بعد انقضاء هذا الانتهاك المزعوم. وتضيف: "المراهقة هي وقت ممتع من حيث التطوُّر، وما يتعلمه الشباب سوف يشكِّل نظرتهم إلى العالم ومستقبلهم. ألا نريد أن يتعلم هؤلاء الشباب دروساً إيجابية؟".

المشاركة في التخطيط والحوار الفعَّال

يُعَدُّ وجود نظام أكثر عدلاً من الاهتمامات الرئيسية للشباب المشاركين في مشروع يسمى "غروينغ أب بولدر" (Growing Up Boulder). وقد تأسَّس المشروع في عام 2009 في جامعة كولورادو، ليساعد الشباب على تقديم المشورة للمدينة بشأن تصميم المنتزهات، وتخطيط النقل، والإسكان الميسور التكلفة. وبناءً على تقرير لـ"سيتي لاب" صدر العام الماضي، فقد وضع البرنامج خريطة لمدينة صديقة للطفل، تستهدف الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال يبلغون من العمر 10 أعوام أو أقل. أمَّا هذا العام، فيركِّز قادة الشباب في البرنامج على جعل المدينة أكثر ترحيباً بالمراهقين الأكبر سناً، والعمل على فتح حوار بينهم، مع رئيس شرطة بولدر الجديد حول الإصلاحات اللازمة.

وتقول إليانا فالينزويلا البالغة من العمر 18 عاماً، التي انضمَّت إلى هذا المشروع هذا العام: "إذا أردنا أن تصبح بولدر مدينة أفضل للشباب، فأعتقد أنَّه يجب أن يشارك الشباب في التخطيط والمناقشة حول أيِّ شيء يؤثر فيهم. ففي نهاية المطاف هُم الذين سيستمرُّون في العيش في بولدر".

وعلى الرغم من أنَّ إصلاح الشرطة في الولايات المتحدة، قد يكون مشروعاً طويل الأجل، فإنَّ المراهقين في مدينة بولدر يريدون أيضاً، بحاجة إلى شعور الأمان في أثناء ممارسة حياتهم خلال الجائحة، وكما يقول ليراتو أوسنيس، البالغ من العمر 17 عاماً: "إذا خرجت مع أصدقائي، حتى لو كنا بعيدين عن الناس، فإننا نشعر بالقلق من أن يُنظَر إلينا بشكل مريب". وقد أمضى أوسنيس كثيراً من الوقت على مدار الأشهر العديدة الماضية في الحدائق، والتنزه بين الأشجار، وفي شوارع المدينة العديدة.


الابتعاد عن الأماكن المغلقة

أصبحت قدرة الوصول إلى المتنزه الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، وهو ما أشارت إليه مارا مينتزر، المؤسِّسة المشاركة في مجموعة "غروينغ أب بولدر"، ومديرة البرنامج، إذ حذَّر علماء الأوبئة من التجمع في الأماكن المغلقة، فقد ينتشر الفيروس بسهولة أكبر، إلا أنَّ المراهقين بطبيعة الحال يُعَدون من الفئة الأكثر مجازفة، وقد جرى تتبُّع مجموعات من حالات الإصابة بـ"كوفيد-19" في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لترجع إلى حفلات منزلية أقامها شباب.

تقول مينتزر: "نحتاج إلى السماح لهم بقضاء الوقت في الحدائق والخروج إلى الأماكن المفتوحة. ويحتاج البالغون إلى التوقف عن التفكير بصورة نمطية عن المراهقين كمثيري شغبٍ، كما هي الحال الآن، ويجب التوقف عن المخاوف التي تراودنا".

من جهتها، فإنَّّ باتسي يوبانك أوينز، وهي أستاذة مختصة في هندسة المناظر الطبيعية في جامعة كاليفورنيا-ديفيز، ومحررة في تقرير "دليل روتليدغ لتصميم الأماكن العامَّة للشباب" الذي صدر في يونيو الماضي، تقول، إنَّ هذه المخاوف قد تزداد في أثناء الجائحة، إلا أنَّ الجهود المبذولة لإبعاد المراهقين عن المتنزَّهات أو التحكُّم في سلوكهم ليست شيئاً جديداً. و قد حاول المصمٍّمون كثيراً، ومنذ زمن بعيد تقييد استخدام المراهقين للأماكن العامَّة، لا سيَّما من خلال تجنُّب التصاميم التي تضمُّ تجاويف، ومقاعد جماعية تسمح لهم بالتجمع. وعندما لا يكون هناك استبعاد متعمَّد، فغالباً سيجد المراهقون أنهم غير مرحَّب بهم في الأماكن العامَّة. وقد نشرت أوينز في عام 2018 ورقة بحثية تستند إلى العمل مع الشباب في ولاية كاليفورنيا، إذ رافقتهم في جولة في الحدائق المحلية، لتراقب ردود الأفعال والتحديات التي يتعرضون لها بشكل فعليٍّ.

وتضيف أوينز عن هؤلاء المراهقين، الذين بذلوا جهداً شجاعاً للجلوس في مراجيح مخصصة للأطفال الأصغر سناً: "أخبروني كيف أحبُّوا الخروج والتأرجح. وقالوا لي: (نريد اللعب فقط)، ولكن عندما يفكِّر المجتمع في إنشاء حديقة أو ملعب، أو عند وضع التصاميم، فإنهم لا يفكِّرون فعلاً في هؤلاء الشباب، وقد يحبُّون شيئاً آخر غير كرة القدم. لا توجد في الحقيقة حتى محاولة للتفكير في آلية تمكُّن المراهقين من استخدام هذه الأماكن العامَّة".

مراقبة نشاط الشباب

وإذا فكَّرنا كيف يمكن أن تبدو حديقة مخصصة للمراهقين، فأولًا -وإن لم يكن هناك شيء غير ذلك- سيكون فيها كثير مما تسمِّيه أوينز "الملاجئ المراقبة" التي يمكنهم من خلالها رؤية جميع ما يحدث حولهم من غير أن يشعروا أنَّ الجميع يراقبهم. وتقول، إنَّه يمكن أن يجتمع الأصدقاء في هذه الأماكن، وأضافت أنَّ المراهقين أخبروها أنهم يذهبون إلى هناك للبقاء بمفردهم "للتفكير في مشكلاتهم، والشعور بالتحسن، وفهم العالم".

وتقول، إنَّّ أحد الأمثلة الجيدة لما يمكن وضعه في حدائق المراهقين، هو الجزء العلوي من هيكل اللعب، وهو نوع من الإضافات التي توجد عادة في المتنزهات المصممة بشكل عالمي تقريباً، والمخصصة للأطفال في سن 12 عاماً أو أقل، ويشير استخدامهم لهذه الألعاب إلى الحاجة إلى ملاعب مصمَّمة للأطفال الأكبر سناً أو المراهقين. وعلى الرغم من أنَّ هذا التصميم لا يزال غير شائع، فإنَّ في الولايات المتحدة وخارجها عدداً متزايداً من الأمثلة.

وعلى سبيل المثال، توفِّر حدائق التزلج بديلاً عن السلالم والساحات، وهي تكون مراقبة بشدة، أو مصممة بشكل يثني المراهقين عن محاولة التزلج عليها. ولقد تحوَّل التزلج إلى حركة خلال السنوات الأخيرة، إذ موَّل مشروع "سكيت بارك" (Skatepark)، الذي أسَّسه في عام 2002 توني هوك، 637 حديقة تزلج في جميع الولايات الخمسين، وقدَّم المشورة حول أكثر من 1000 حديقة أخرى.

خدمات لكافة الأعمار

كما تفتخر "ساحة لعب الساحرات" الشهيرة في برلين بخط تزحلق "زيب لاين" سريع، وتقول مينتزر :"لم أعمل مع مجموعة من المراهقين من قبل، وهم لا يريدون تجربة خط (زيب لاين)". وتضمُّ إحدى ضواحي مدينة سولت ليك سيتي، ما يشكِّل أكبر هرم لعب في العالم، بارتفاع ثلاثة طوابق، وصالة ألعاب رياضية في الغابة مخصَّصة للأطفال الأكبر سناً. وتبني شركات تصميم الملاعب التجارية الآن ميادين رياضية، وهياكل تسلق مخصصة للمراهقين، وهو ما يروق لمادلين كوفمان وأصدقائها الذين يحبُّون "استخدام معدَّات الملعب، ومحاولة الركض بسرعة كبيرة" وتقول ضاحكة، إنَّهم يريدون وجود مزيد من الأماكن للتجمُّع أيضاً، وقضاء الوقت دون الحاجة إلى القلق بشأن البالغين المتشكِّكين، أو نفاد مالهم. وتقول: "نحن في الحقيقة بحاجة فقط إلى مناطق مفتوحة للتواصل الاجتماعي، وأماكن يمكن للأشخاص قضاء الوقت فيها".

وألقت هذه الرغبة البسيطة صداها لدى عبد الله عقل، 18 عاماً، وهو سفير اليونيسف للشباب في الولايات المتحدة، ويعمل على جعل مسقط رأسه في بروكلين أول مجتمع أمريكي يلبي معايير مبادرة الأمم المتحدة للمدن الصديقة للطفل، التي تدعم الجهود المحلية لبناء أماكن، يتمتَّع فيها الأطفال بالأمان والأمن وبإمكانية الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والتعلم، والتأثير في القرارات الحياتية المهمَّة. وتضمَّنت جهوده دفع هيئة النقل في العاصمة إلى توسيع دائرة تخفيضات أجرة نقل الشباب، بالإضافة إلى دعوة الشباب للمشاركة في تصميم المنتزهات، ومشاريع تخطيط المدن الأخرى.

يقول عقل: "ما أظهرته الجائحة هو مدى حاجة الأطفال والشباب إلى قضاء الوقت معاً. نحن بحاجة إلى التأكُّد من أنَّ الأشخاص من جميع الأعمار قادرون على الاستفادة من الخدمات التي تقدِّمها المدينة، وأنَّهم لا يخشون استخدامها".

تصنيفات