بلومبرغ
تحدُث أقوى العواصف والأعاصير الأرضية، سواء الاستوائية أو المدارية منها، على اختلاف مسمياتها، عند توافُر ثلاثة عوامل رئيسية، تتمثل في، تركُّز أشعة الشمس على المحيط الاستوائي بالكثافة القصوى، بالتزامن مع وجود الهواء الدافئ الرطب، اللذين تحفزهما الحركة الدائرية للكرة الأرضية. ويؤدي تغيُّر المناخ إلى جعل المياه الدافئة، التي تعدُّ بمثابة الوقود لتلك العواصف، أكثر وفرة، في حين يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى أن تصبح تلك العواصف أكثر تدميراً.
إنَّ التطوُّر السريع يعني أنَّ ثلاثة مليارات شخص، أو قرابة 40% من سكان العالَم، يعيشون الآن على بُعد 200 كيلومتر (124 ميلاً)، من الساحل. ومن المتوقَّع أن يقيم أكثر من مليار شخص على حافة المياه مباشرةً مع حلول عام 2050. و في حين تتجادل حكومات العالَم حول الإجراءات القاسية، للحدِّ من تغيُّر المناخ العالمي، فإنَّ المجتمعات الساحلية تواجه خيارات صعبة ومحدَّدة للغاية، بشأن ما يمكن فعله لإبعاد شبح العواصف والسيطرة عليها من ناحية، والسماح للطبيعة بالقيام بدورها من ناحية أخرى.
تغيُّر المناخ وتزايد قوة أحداث الطقس
أسهمت الفيضانات الهائلة، وارتفاع حصيلة أعداد القتلى جرَّاء إعصار "إيداي"، الذي ضرب اليابسة لأول مرة جنوب شرقي إفريقيا في 15 مارس 2018، بإعادة مثل تلك العواصف إلى بؤرة الاهتمام العالمي. ويربط مزيدٌ من الباحثين بين تغيُّر المناخ وتزايد قوة بعض أحداث الطقس، إذ خلصت إحدى الدراسات إلى أنَّ ما يصل إلى 38 % من الأمطار المتساقطة خلال إعصار "هارفي"، الذي تسبَّب في فيضانات كارثية في هيوستن في عام 2017، كان على الأرجح نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
وبعد ذلك بعام واحد، صوَّت الناخبون في هيوستن والمناطق المحيطة بنسبة تخطَّت 4 إلى 1 لصالح الموافقة على تخصيص 2.5 مليار دولار في صورة سندات لإنشاء مشاريع، تهدف إلى منع تكرار الفيضانات. وفي عام 2018 عقد سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي أيضاً، جلسات استماع عامَّة حول سلسلة من الخيارات المطروحة لحماية دائرة مدينة نيويورك من تكرار تعرُّضها للضرر الناجم، عمَّا أصبح يُعرف باسم العاصفة المدمرة "ساندي" في عام 2012. وتمثِّل أحد الاقتراحات في إنشاء حواجز على مستوى الميناء للتصدي للمدِّ العاصفي، وصدِّ مياه المحيط، وقد تصل تكلفة مثل هذا المشروع إلى 30 مليار دولار. ومن المعروف أنه توجد حواجز مماثلة قائمة بالفعل لحماية لندن والمناطق الساحلية في هولندا.
السدود وأنظمة الإنذار المبكِّر لمواجهة الأعاصير
لفترة طويلة، جاءت استجابة المدن للكوارث في صورة تشييد مزيد من المباني، وفي هذا الإطار بَنَتْ مدينة غالفستون الساحلية بولاية تكساس الأمريكية جداراً بحرياً بطول 10 أميال، وزيادة ارتفاع مباني المدينة بما يصل إلى 17 قدماً، بعد تعرُّضها لأكثر الأعاصير خطورة في تاريخ الولايات المتحدة في عام 1900. كما استخدمت نيو أورليانز السدود والقنوات للتحكم في نهر المسيسيبي مدة 200 عام، على الرغم من اتهامات بعضهم بأنَّها تسبَّبت في تدمير الأراضي الرطبة، التي كانت تُستخدم لحماية جنوب لويزيانا من المدِّ العاصفي. وقد أدَّى تصميم السدود المعيبة إلى فيضان بسبب إعصار "كاترينا" عام 2005، الذي قتل على إثره قرابة 1200 شخص، بالإضافة إلى تضرر ثلاثة أرباع المنازل في منطقة نيو أورليانز. وكان الإعصار "بولا" قد قتل أكثر من 300 ألف شخص في بنغلاديش في عام 1970، مما جعل الدولة تلجأ إلى بناء السدود الساحلية إلى جانب تحديث أنظمة الإنذار المبكر، وتطوير الملاجئ، وخطط الإخلاء.
ومع ارتفاع مستوى سطح البحر، فإنَّه ليس من الضروري أن تضرب العواصف المدن مباشرة لتسبب الضرر؛ فقد اجتاح إعصار "إيرما" اليابسة على الساحل الغربي لولاية فلوريدا الأمريكية في عام 2017، ولكنه دفع المحيط الأطلسي من 4 إلى 6 أقدام فوق مستوى سطح الأرض في مقاطعة ميامي داد، الواقعة في الجانب الشرقي من الولاية. وقد أصبحت دلتا الأنهار الحضرية في آسيا عُرضة بشكل خاصٍّ لموجات من الارتفاع في مستويات سطح المياه، منذ أن تحوَّلت مدنها إلى مناطق حضرية رئيسية، كما يقع وسط شنغهاي الآن على بُعد مترين تحت مستوى سطح البحر، وبالرغم من اعتمادها على السدود، والحواجز لحماية المنطقة، فقد تواجه المدينة الصينية ارتفاعاً آخر في مستوى سطح البحر، يتراوح بين 13 و25 سم مع حلول عام 2050. وقد أشارت دراسة نُشرت في أبريل 2018 إلى أنَّ جميع الأحياء الخاصة الـ23 في طوكيو، ستغمرها الفيضانات إثر وقوع إعصار قويٍّ باستثناء ستة منها فقط.
حماية المجتمعات الساحلية بالسدود أم البيئة
هل ينبغي على الدول الاستجابة لتهديدات الأعاصير المتزايدة من خلال تحصين المجتمعات الساحلية، أم التخلي عنها؟ يعارض أنصار البيئة الحواجز البحرية غالباً، بحجَّة أنها تخنق تدفقات المدِّ والجزْر التي تدعم الحياة البحرية، وأنَّ دورها لا يتعدى دفع الفيضانات إلى مكان آخر، ولا يوجد ما يكفي من المال لبناء تلك الحواجز في كل مكان. ومن ناحية أخرى، فقد أثبت التراجع عن حماية بعض المناطق، أنَّه خيار أقل شعبية، إذ منحت الحكومة الفيدرالية لولاية نيوجيرسي 300 مليون دولار في أعقاب إعصار "ساندي" لشراء المنازل المعرَّضة لخطر التدمير، إن غمرتها الفيضانات التي تتسبب بها العواصف، وخلال السنوات الأربع الأولى من برنامج التعويضات السالف ذكره، أنفقت نصف هذه الأموال فقط بعد معارضة الحكومات المحلِّيَّة.
على الجانب الآخر، تعمل ولاية لويزيانا على تطوير الاستجابة الأكثر عنفاً للفيضانات المرتبطة بالمناخ في البلاد، ومِن ثَمَّ رسمت الصورة النهائية لآلاف الأشخاص من المناطق المهددة بخليج المكسيك الصاعد، والمتوقع تضررهم. ولم يكن الأمر سهلاً حتى الآن، بالنسبة إلى أولئك الذين ستتسبب تلك الخطة في إعادة توطينهم. أمَّا في نيويورك، فسيكون البديل للحاجز البحري العملاق، هو اتخاذ قرارات في كل حالة على حدة، حول أيِّ أجزاء ستُحمى من المناطق المنخفضة ، وأي أجزاء سيتمُّ التخلي عنها. ودعمت الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة التأمين ضد الفيضانات، الأمر الذي عرَّض برنامج الدعم للانتقاد بدعوى تشجيع التنمية المفرطة للمناطق المعرَّضة للخطر. وفي الصين، اقترح الباحثون ضرورة تعزيز دفاعات الفيضانات الطبيعية في المناطق المهددة من خلال القيام بالمزيد للحفاظ على الشعاب المرجانية، ومستنقعات المنغروف، والنظر في بناء الشعاب الاصطناعية.