عند الاستماع إلى بنك الشعب الصيني وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لن تلاحظ أن بكين وواشنطن منخرطتان في صراع شبيه بالحرب الباردة. يبدو المسؤولون النقديون في كلا المكانين وكأنهم يستخدمون نفس العبارات لوصف التحديات الاقتصادية في عصر وباء كورونا - سواء كانت طفرات في التضخم، أو مقدار الدعم المناسب لانتعاش قوي بطريقة مضللة.
يتوقف الكثير على تحسين البنكين المركزيين للقوتين العُظميين مزيج السياسات بطريقة صحيحة وتكميل عمل بعضهما البعض بدلاً من المواجهة بينهما. فبعد بضعة أرباع من النمو الذي يحسد عليه، يتجه الاقتصاد الصيني نحو وتيرة ما قبل مرض كوفيد بمعدل نمو بحوالي 6% - أو أقل. فيما يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تخفيض التحفيز الهائل برفق شديد أو المخاطرة بحدوث اضطرابات في الأسواق العالمية. من غير المحتمل أن يصحح على نحو حاد أي منهما للمسار: سيكون تشديد السياسات لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تدريجياً، وكذلك أي تيسير من قبل بنك الشعب الصيني.
هناك الكثير من الاختلاف بين شي جين بينغ وجو بايدن، بداية من التعريفات الجمركية الصناعية والتنافس التكنولوجي إلى المنافسة الاستراتيجية في بحر الصين الجنوبي. هذا لا يعني أن الاقتصادين لا يمكنهما التحرك في نفس الاتجاه.
أمر عابر
يميل رئيس بنك الشعب الصيني يي غانغ إلى إمعان النظر في قفزة أسعار تسليم المصانع التي أثارت القلق بين المستثمرين قبل بضعة أشهر. القلق الأكبر هو الحفاظ على استمرار الانتعاش، خاصة بالنظر إلى تفشي سلالة دلتا المتحولة لمرض كوفيد -19 في المناطق الحيوية اقتصادياً من البلاد. قال بنك الشعب الصيني في 9 أغسطس في تقريره الفصلي، إن الارتفاع الأخير في أسعار المنتجين "من المرجح أن يكون مؤقتاً". أضاف: "قد يستمر عند مستوى مرتفع على المدى القصير، لكنه من المحتمل أن يتراجع مع تلاشي التأثير الأساسي وتعافي الإنتاج العالمي".
محمد العريان: التضخم لن يكون مؤقتاً
يبدو هذا إلى حد كبير مثل أمر "عابر"، وهي إحدى الكلمات المفضلة لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول لما يتوقع أن يكون صدمة قصيرة الأجل في التضخم. استخدم المسؤولون أيضاً الجرعات "المؤقتة" الليبرالية. مثل بنك الشعب الصيني، يرى البنك المركزي الأمريكي أن ارتفاع الأسعار يعد صعود حتمي من الركود العميق. يبدو أن الانشغال الرئيسي للاحتياطي الفيدرالي هو دعم سوق العمل.
ضبط دقيق
في حين أن الصين لم تفتح صنابير الدعم بقوة مثل الولايات المتحدة، سواء على الجبهتين النقدية أو المالية، فإن بكين لا تتسرع في الاستغناء عن هذا الدعم الذي قدمته. وقال بنك الشعب الصيني في تقريره "أساس الانتعاش المحلي ليس راسخاً بعد". لا يختلف هذا بشكل جذري عن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يتجه نحو تقليص برنامج التيسير الكمي، طالما تم إحراز "تقدم جوهري إضافي" نحو تحقيق أهدافه.
مسؤول: "الفيدرالي الأمريكي" قد يُقلِّص مشتريات الأصول في سبتمبر
كان انتعاش الصين يبدو مثيراً للإعجاب، حتى أشهر قليلة مضت، حيث سجلت نمواً قياسياً بنسبة 18.3% عن الربع الأول عن العام السابق و 7.9% في الربع الثاني. في الآونة الأخيرة، تباطأ النمو وتريد السلطات الحصول على بعض التأمين. خفض بنك الشعب الصيني الشهر الماضي حجم الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك، وهي خطوة غير متوقعة في سرعتها واتساع نطاقها. وأشار المسؤولون إلى احتمال حدوث خفض آخر وشيك. وصفت "إتش إس بي سي هودلينغز" الموقف بأنه عملية "ضبط دقيقة". هل يختلف كل هذا عن خطط باول للحصول على خفض تدريجي للغاية لبرنامج التيسير الكمي والذي يمكن أن يبدأ في غضون بضعة أشهر ويمضي ببطء على مدار عام أو أكثر؟ هذا ليس نمط جرئ من بنك الاحتياطي الفيدرالي.
هل تمر الصين بمرحلة تباطؤ ما بعد الوباء؟
نعم، يتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي القرارات بطريقة مستقلة. هذه رفاهية لا يتمتع بها بنك الشعب الصيني. ومع ذلك، من المهم عدم الانغماس في الهوس بالاختلافات في الأنظمة السياسية التي يعمل كل منها في ظلها. كتب المسؤولان في بنك الاحتياطي الأسترالي برادلي جونز وجويل بومان في ورقة بحثية في شهر ديسمبر لعام 2019 أن أداء التضخم في الصين على مر السنين يشبه أداء الاقتصادات المتقدمة.
تركت الولايات المتحدة والصين الباب مفتوحاً أمام إمكانية عقد قمة بين رئيسي البلدين. تدرس وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ، التي قادت بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لمدة أربع سنوات حتى عام 2018، القيام برحلتها الأولى إلى الصين كأكبر مسؤول اقتصادي في أمريكا. على الرغم من التوترات، تزدهر التجارة بين البلدين. قد يكون هناك أرضية مشتركة أكثر مما يقترحه السرد السائد في مجالات ذات أهمية.