إذا كان "أنتوني بلينكن" المُرشح المُتوقَّع للرئيس المُنتخب "جو بايدن" لتولي منصب وزير الخارجية الأميركي بحاجة إلى صورة رمزية للتحديات التي ستواجُهه عند إعادة ضبط العلاقات في أسيا، فعليه أن ينظر إلى المياه المُتجمدة قُبالة موانئ الفحم شمالي الصين.
فبحسب ما أفادت بلومبرغ نيوز خلال الأسبوع الماضي، فإنَّ هُناك أكثر من خمسين سفينة تحمل الفحم الأسترالي، تنتظر منذ شهر أو أكثر لتفريغ حمولتها، وسط خلاف دبلوماسي بين البلدين.
وتخطط الصين أيضاً لفرض رسوم مُكافحة الإغراق تصل إلى 212.1% على النبيذ الأسترالي، وكان المسؤولون الصينيون قد ألقوا باللوم على مجموعة من المظالم التي تسبَّبت في "تسميم" العلاقات، منها التغطية الإعلامية الأسترالية، وتمرير قوانين من شأنها منع التدخل السياسي الأجنبي.
احتقار أصدقاء أمريكا
وسيكون هذا الضغط الكامل بمثابة اختبار لنهج "بلينكن" في السياسة الدولية، لأنَّ ذلك من شأنه أن يشكل تناقُضاً صارخاً مع الرئيس دونالد ترمب الذي واجه الصين بصوت عالٍ في الوقت ذاته الذي كان يحتقر فيه أصدقاء أميركا، وكان "بلينكن" يصوغُ منذ فترة طويلة التحالفات، والنظام الدولي القائم على القانون على أنَّهما الطريقة الأكثر فاعلية لتعزيز مصالح واشنطن.
وقال "بلينكن" في شهر يوليو الماضي خلال مقابلة مع معهد "هدسون" للأبحاث، إنَّ "المشاكل الكبُرى التي نواجهها كأمة أو ككوكب- إن كانت في تغير المناخ، أو الوباء، أو انتشار الأسلحة السيئة – من البديهي أن لاحلول أُحادية الجانب لها، لذلك نحن بحاجة إلى حشد حلفائنا وشركائنا بدلاً من إبعادهم، للتعامل مع بعض التحديات التي تطرحها الصين."
إنَّ منطق "بلينكن" هو منطق واضح وصريح، يبلغ عدد سكان الصين أربعة أضعاف سُكان الولايات المُتحدة، وفي غضون حوالي عقد من الزمن سيكون لديها اقتصاد أكبر أيضاً، ويرتفع إنفاق الصين العسكري بسرعة، فقد شهد ارتفاعاً من 13 سنتاً لكل دولار أنفقته الولايات المُتحدة خلال عام 2008، إلى 36 سنتاً خلال العام الماضي. وسيكون من الصعب على الولايات المُتحدة الحفاظ على قوتها لمدة طويلة في وجه هذه القوة الصاعدة، لكن مع مجموعة من الحلفاء، قد تكون الأمور مُختلفة جداً.
هل ستتفكك التحالفات أم ستقوى؟
يكمُنُ السؤالُ فيما إذا كانت مثل هذه التحالفات ستتفكك أم ستقوى في مواجهة موقف بكين الأكثر عدوانيةً ؟.
إنَّ أستراليا حليف ثابت، وغير اعتيادي للولايات المُتحدة، فقد أرسلت قوات خلال حربي فيتنام وكوريا، كما أنَّها واحدة من أغنى الدول في آسيا. ومع ذلك، فباستثناء دولة بوتان الصغيرة، فإنَّ كل دولة في المنطقة تعدُّ الصين، وليس الولايات المُتحدة الشريك التجاري الأكبر.
إذا أبرزت بكين العضلات الدبلوماسية والتجارية نفسها التي تستخدمها ضد أستراليا في مكان آخر، فليس من الواضح أين ستقف القوى غير المُنحازة في جنوب شرق آسيا، مثلك تايلاند، أو ماليزيا، أو إندونيسيا، أو الفلبين. وذلك لأنَّ رئيس الوزراء السنغافوري " لي هسين لونغ" كان قد قال في وقت سابق من هذا الشهر خلال مؤتمر بلومبرغ للاقتصاد الجديد، إنَّ القليل من الحكومات ستكون مستعدة للانضمام إلى تحالف ضد الصين.
ويقول "جيمس كرابتري" الأستاذ المُشارك في كلية "لي كوان يو" للسياسة العامة في سنغافورة، إنَّ "التحالفات جيدة، ولكن لفعل ماذا بالضبط؟ بعض أجزاء آسيا تريد من الولايات المُتحدة أن تكون مُتشددةً للغاية تجاه الصين، لكن لديك أيضاً مجموعة أخرى لا تريد بعد الآن تبجُّح الولايات المُتحدة، وتلقينها للجميع ما عليهم فعلهُ، سيكون من الصعب إرضاء المُعسكرين."
وكان "بلينكن" أحد مُهندسي محور أوباما في آسيا، لكن من الواضح أنَّ هذه المُبادرة يُنظر إليها في هذه الأيام بعدَّة أعين، فبالنسبة للكثيرين في بكين، بدا الأمر كأنَّه محاولة للتطويق الاستراتيجي، وهي كانت غير مجهَّزة عسكرياً لمُتابعته.
الشراكة العابرة للمحيط الهادئ
انتهى الأمر بحجر زاوية المحور، وهو كُتلة الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، بوجود هذه الكُتلة دون عضوية الولايات المُتحدة فيها، فإنَّ إعادة انضمام الولايات المُتحدة إلى هذه المجموعة يجب أن تشكِّل أولوية كما يُجادل زميلي "آندي موخيرجي"-لكن من الناحية السياسية، على الأغلب، فإنَّ الكونغرس يرى أنَّ هذه الفكرة مُجهضة منذ بدايتها. في الوقت ذاته تمَّ توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة المُتمحورة حول الصين في أوائل أكتوبر الماضي، التي من شأنها أن تظهر مجموعة أكثر تبعيةً.
في غضون ذلك، كانت محاولات إدارة أوباما لزرع الصين كشريك في قضايا، مثل المناخ، وكوريا الشمالية، وإيران تعني أن َّعليها اتخاذ موقف تصالحي - وهو الأمر الذي جعل حلفاء الولايات المُتحدة في المنطقة يشعرون أنَّه قد تمَّ التخلي عنهم في بعض الأحيان.
يقول "روري ميدكالف" رئيس كلية الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا: "إنَّ إدارة أوباما أساءت قراءة وإدارة مقدار الصعود السريع للقوة الصينية، في حين استطاعت إدارة ترمب إزعاج بكين، لكنَّها سرعان ما أجهضت النوايا الحسنة للأصدقاء والحلفاء."
هناك فرصة قصيرة سانحة لـ"بينكن" كي يُعيد ضبط التوقُّعات، فمع لعب ترمب دور الشرطي السيئ، سيكون بمقدور "بينكن" وراثة موقف الإدارة الحالية الأكثر قوة دون أن يبدو أنَّه يدفع بخط المعركة إلى الأمام. كما أنَّ الشراكات التي يتمُّ تطويرها بين الولايات المتحدة، واليابان، وتايوان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا لتطوير البنية التحتية في المنطقة كقوة موازنة لمبادرة الحزام والطريق في بكين؛ توفِّر أيضاً فرصة لبناء القوة الناعمة لواشنطن.
ومع ذلك، سيتعيَّن عليه أن يكون ماهراً، فعلى الرغم من أسلوب ترمب ومحاولات دول كاليابان، وتايوان لتحويل سلاسل الإمداد لمكان آخر في المنطقة، شهدت الأعوام الأربعة الأخيرة اندماجاً صينياً أكثر، وليس أقل في الاقتصاد العالمي.
الخطر بالنسبة لأمريكا؛ هو وضعٌ في آسيا مشابه للوضع الذي تواجهه في الشرق الأوسط؛ التعهد بالدم والثروة في مكان غير قادرة على تشكيله. مكان مُستاء لكنَّه ضعيف، وتحمُّل اللوم على عدم قدرة حلفائها على حلِّ خصوماتهم الإقليمية.
غالباً ما يُقال، إنَّ المسؤولية بدون سلطة، هي من صلاحية عديم الفائدة أو الذي لا أثر له، سيتعيَّن على الولايات المتحدة أن تعمل بجد، لتأكيد أنَّ هذا ليس المصير الذي ينتظرها في آسيا.